الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 4-20 ، نقد أطروحات منصور حكمت المعادية للماركسية


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6694 - 2020 / 10 / 4 - 00:41
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

خامساً / نقد أطروحات منصور حكمت المعادية للماركسية
فيما يلي من أجزاء هذه السلسلة – و هي عملية متحركة قيد الإعداد و التغيّر– سأقدم نصوصاً من أقوال منصور حكمت في هذه المسألة أو تلك بالاستناد من مصادرها الموثوقة و أقارنها بأقوال ماركس و انجلز و لينين في نفس الموضوع [الأقوس لي] . الهدف هو محاولة تسليط الأضواء الكاشفة عن أفكار منصور حكمت مؤسس الحزبين الشيوعي العمالي و العراقي لتبيّن و تبيان حقيقتها في ضوء أسس الماركسية العلمية . و لا بد من التوكيد هنا أنني و في كل ماهو وارد في هذه السلسلة و في غيرها من كل الدراسات الماركسية المنشورة لي في موقع "الحوار المتمدن" الأغر لا أمثل غير نفسي فقط لاغير .
ألف / المقولة الحكمتية المضحكة المبكية : " ايران ليس بمجتمع اسلامي"
المصدر :
http://hekmat.public-archive.net/ar/1810ar.html
"ايران ليس بمجتمع اسلامي
حوار اجرته اذاعة همبستكي – التضامن- للاتحاد العام لللاجئين والمهاجرين الايرانيين مع منصور حكمت حول الاسلام والثقافة الاسلامية.
( ان النص الذي بين ايديكم هو حوار اجري في 13 حزيران 1999)
اذاعة همبستكي:
ان الحزب الشيوعي العمالي الايراني هو التيار السياسي الوحيد الذي يطرح ان خصائص الجمهورية الاسلامية لاتتناغم مع مطاليب وامال ونمط حياة الجماهير في مجتمع ايران، وانها اقرب الى خرقة نشاز أُلصِقَتْ بجسد المجتمع. ماهي دلائلكم على هذا التقييم لمجتمع ايران وكذلك لمسالة ان ايران ليس بمجتمع اسلامي؟
منصور حكمت:
بدءاً، ينبغي ان نكون دقيقين فيما يخص تعريف اؤلئك الذين يقولون ان ايران مجتمع اسلامي او ان مجتمعات ما هي مجتمعات اسلامية كي نستطيع فهم ما هو الشيء الذي تبغي هذه التعريفات الاجابة عليه. ان التصوير السائد لدى الغرب عن المجتمع الاسلامي هو كونها جماهير مؤمنة بالاسلام وتراعي مقرراته. اي ان صلاتها وصومها على حالها وان ارائها ومعتقداتها مستمدة من الكتب والمراجع الدينية. في الواقع يصورون مواطن مجتمع مثل ايران كما لوانه مقلد واتباع السيد الخميني او يُجرَحْ فعلاً لو ان امرء ما مر في الشارع حاسر الرأس، لايحب الموسيقى الغربية، لايتناول المشروبات الروحية ولايأكل لحم الخنزير وغير ذلك.
بيد ان جميعنا يعلم، بناءاً على هذا التعريف، ان مجتمع ايران ليس بمجتمع اسلامي. ان هذا التصوير هو تصوير مقولب وكليشي صاغه الغرب عن مجتمعات بعيدة عن متناول مواطنيه. من المؤكد ان الدين الاسلامي في ايران، مثل المسيحية على سبيل المثال في ايطاليا او ايرلندا، تؤثر على تفكير ومزاج بعض الناس. ان تلك الثقافة الدينية وذلك الميراث والنصيب الديني الذي يمتد لالاف السنين يثقل، بالتأكيد، على سلوك البشر، على تعصباتهم، وحتى على طريقة نظرة الناس لبعضهم البعض. ليس في هذا ادنى شك. بيد ان هذا يصح على نفس ايطاليا وايرلندا وفرنسا كذلك على الرغم من علمانية هذه البلدان، بعد هذا، بالوسع ان يقول امرء ما انهم مسيحيين كذلك. ومن المؤكد ان امرءاً فرنسياً سيقول لك ان فرنسا ليست بمجتمع مسيحي، بيد ان المسيحية هي جزء من ماضيها وتترك ثقلها عليهم. بهذا الشكل، في ايران كذلك يترك الاسلام ثقله على المجتمع. مثلاً اقرأ اعمال المثقفين والكتاب والشعراء الايرانيين، ان التصوير الذي يطرحه لك عن المرأة هو ميراث الاسلام عن المرأة. التصوير الذي يمنحه عن الفرح والحزن، الولع بالتعاسة والموت والفداء والشهادة التي تنضح بها مجمل الثقافة ذا جذور اسلامية في ثناياها. ولكن حين يتحدثون في الغرب عن مجتمع اسلامي، فان تصوره مجتمع تعد الاحكام والمقررات الاسلامية، بالنسبة للجماهير، جزءاً ذاتياً وعضوياً ونابع من صميمها. في حين ان طرحنا هو ان هذا الاسلام قد تم فرضه على جماهير ايران في عملية سياسية، عبر الزنزانات وعمليات القتل والاعتقال وقطيع حزب الله وجلاوزة ثأر الله. ان ايران ليس بمجتمع اسلامي وذلك لانه لم يكن كذلك قبل ان يأتون. وما ان أتوا، تصدت لهم وقاومتهم على طول الخط. افترض انك بغيت ثني قضيب، تواصل ثنيه، بيد انه يعود الى وضعه السابق ما ان تزيل الضغط عنه. ان حالة الانثناء ليست الشكل الحقيقي لهذا الشيء، ان الشكل العادي للقضيب هو الاستقامة، حين تثنيه فانه يتمتع بالمطاطية والمرونة ويبغي العودة الى وضعه العادي. اذا سعى امرء، وطيلة عشرون عاماً، عبر القتل والقسر والدعاية اليومية لعشرات القنوات الاعلامية التلفزيونية والاذاعية فرض الحجاب، تضع النساء الحجاب جانباً ما ان تتوارى انصال السكاكين ورمي الاسيد، عليهم ان يفهموا ان المراة في هذا المجتمع لا تقبل المعايير الاسلامية. من المؤكد انه من بين 60 مليون انسان، تجد مئة الف منهم تقبل الحجاب ويشجعون الاخرين عليه كذلك، بيد ان الناس العاديين لهذا البلد، وعلى صعيد مليوني، لايعدّوا الحجاب الاسلامي جزء من طبيعتهم وثقافتهم ولايبغون ذلك.
ان الموسيقى التي تستمع لها جماهير ايران هي ليست تلك الموسيقى التي تلطفت بها الحكومة رسمياً ورضخت بها لثقافة الجماهير وأجازتها، بل مايكل جاكسون ومادونا وسائر مغني البوب في الغرب. ان كوكوش شخصية اكثر محبوبة من خميني في تاريخ ذلك البلد. ان انتاج واستهلاك البيرة في البلد فاق دوماً انتاج الترب والسبح وان الناس هم نفس الناس. لو ان امرءاً عاش مثلي ومثلك هناك ولا يبغي ان يتعرف على ايران عبر وسائل الاعلام يعلم ان هذا البلد ليس باسلامي، وهو يماثل المجتمعات الغربية اكثر. حتى الان، ما ان تطأ قدمي الايراني الخارج، يتبنى، وبسرعة، وباسرع من جماهير العديد من البلدان الاخرى، النمط الغربي للحياة. وحتى ان مفاهيم مثل النزعة البطريركية والشوفينية للرجل الشرقي التي لازالت قوية جداً تضعف اسرع مقارنة بأولئك القادمنين من بلدان اخرى مبتلاة فعلاً بالاسلام.
ان ايران، على وجه الخصوص، ليس استناداً الى تعريفات المستشرقين الغربيين، ولااستناداً الى تعريفات وسائل الاعلام الغربية، ولاطبقاً لتعريفات الهيئة الحاكمة في ايران، ليست بمجتمع اسلامي. ان ايران مجتمع متعطش للحضارة والمدنية وينظر الى العالم متعاطفاً، على الاخص، مع ثقافة القرن العشرين الغربية. يؤمن بالعلم، جيلين قبلنا كانوا يسيرون دون حجاب، الموسيقى والسينما الغربية كانتا دوماً جزء من ثقافة ذلك المجتمع، وان مشاهير المجتمع الغربي كانوا جزء من مشاهير نفس المجتمع ايضاً. ان مشابهته للغرب سواء في التخطيط الحضري، المدارس، الجامعات، العلم، الفن، والثقافة تُعَدْ فضائل. من الممكن ان يوجه احد ما نقده لهذا، ولكني لااود ان اخوض في هذا البحث الان. بيد ان مجتمع ايران قبل الثقافة الغربية كنموذج يماهيه. ولهذا، بالضبط، ليس بوسع الجمهورية الاسلامية السيطرة على الجماهير. ان جيلاً من الجماهير قد ولد تحت حكم الجمهورية الاسلامية ونمت كل امورهم في ظلها يكنون عداءاً اشد حتى مني ومنك لهذا النظام.
ايران ليس بمجتمع اسلامي ولايقبل بالاسلامية، بيد اننا لازلنا نفتقد الى حركة مقتدرة مناهضة للاسلام، حركة فكرية وسياسية قوية مناهضة للاسلام بحيث تتحول الى مكسب تاريخي لذلك المجتمع. ليس ثمة حركة، على سبيل المثال، في عام 1999، تقوم بانقطاع حاسم مع ميراث المجتمع القديم، اي الاسلام. ان هذه احد المشكلات المهمة لذلك المجتمع."

انتهى اقتباسي في هذا الموضوع من منصور حكمت .
إذن – حسب أقوال منصور حكمت أعلاه – فإن "ايران ليست بمجتمع اسلامي" و ذلك على العكس من "تعريفات المستشرقين الغربيين، و تعريفات وسائل الاعلام الغربية، ولاطبقاً لتعريفات الهيئة الحاكمة في ايران".
السؤال المهم الأن هو : عندما يتصدى أي مفكر ماركسي للخوض في المسائل الدينية مدعياً "توخي الدقة" (كذا!) ، أليس من واجبه أولاً و قبل كل شيء آخر أن يدرك على وجه اليقين الحقيقة الأولية البسيطة و التي مؤداها أن الدين إنما هو من صنع الإنسان ؟ بلى ، بالتأكيد . لأنه ما أن يعي هذا المفكر هذه الحقيقة العارية حتى يستنتج الحقيقة المترتبة حتماً عليها و التي هي أن الدين هو من صنع المجتمع لكون البشر يعيشون في المجتمعات حتماً . هل هذه البديهيات الاجتماعية صعبة جداً على الإدراك ؟ ألا يدرك كل ماركسي حقيقي واقع كون "الدين إنما هو منتج اجتماعي" لا غير ؟ فإذا كان الدين الإسلامي موجوداً في إيران فلا بد أن يكون من انتاج المجتمع الإيراني و ليس مستورداً من اليابان ، فكيف يدعي منصور حكمت علينا و الحالة هذه بأن " ايران ليست بمجتمع اسلامي " ؟
و لكن من هم هؤلاء " المستشرقين الغربيين " الذين لا يفهمون و لا يعقلون مثل فهم و عقل منصور حكمت فيفترون على المجتمع الإيراني باتهامه ظلماً و عدواناً بكونه مجتمعاً اسلامياً ؟ لا بد أن واحداً منهم على الأقل هو المسكين كارل ماركس ؛ نعم : العقل موجود و لكن ليس دائما بصورة معقولة ً!
يقول ماركس :
" وعليه فإن فيورباخ لا يرى"الشعور الديني" إنما هو بحد ذاته منتج اجتماعي ، وأن الفرد المجرد الذي يحلله إنما ينتمي في الواقع إلى شكل اجتماعي محدد."
و يقول:
"إن الأساس في النقد اللاديني هو: أن الإنسان هو الذي يصنع الدين ، والدين لا يصنع الإنسان . الدين ، في الواقع ، هو وعي الذات واحترام الذات للإنسان الذي لم يكسب نفسه بعد ، أو الذي فقد نفسه بالفعل مرة أخرى . لكن الإنسان ليس كائنًا مجردًا يجلس خارج العالم . الإنسان هو عالم الإنسان - الدولة والمجتمع . و هذه الدولة وهذا المجتمع ينتجان الدين ."

إذن بموجب العلم الماركسي فإن المجتمع الأيراني هو من أنتج الأديان الإيرانية كلها ـ سابقا و لاحقا ؛ و الدين الاسلامي هو دين غالبيته الآن على الأقل خصوصاً لأن شكل دكتاتورية ولاية الفقيه الأتوقراطي الخانق غير موجود إلا فيه .
و لكن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه على كل شيوعي صميمي هو : هل أن مهمة الشيوعيين الثورية هي ترك النضال الطبقي الميداني جانباً و أضاعة الوقت و الجهد بمناهضة الدين مثلما يطالب منصور حكمت ؟ قطعا لا . تمعنوا جيداً بمدى عظمة ماركس و هو يعرّي منذ عام 1842 مدَّعيي الشيوعية ممن يتصدّون لنقد الدين بالبهلوانيات اللفظية العابثة و ليس بالعمل لتغيير الواقع فيوسمهم بوسم "فاقدي اللياقة و الأخلاق" :
ماركس : 1842
"لقد قلت بأنني أعتبر أنه من غير اللائق ، بل و حتى من غير الأخلاقي ، تهريب المبادئ الشيوعية و الاشتراكية - النظرة الجديدة للعالم - عن طريق النقد الاستعراضي العرضي وما شابهه . إنني أطالب بمناقشة مختلفة تمامًا وأكثر شمولية للشيوعية حيثما كان ينبغي مناقشتها على الإطلاق . طالبت كذلك أن يتم انتقاد الدين ضمن إطار انتقاد الظروف السياسية بدلاً من أن الظروف السياسية يتم انتقادها في إطار الدين ، لأن هذا أكثر انسجاماً مع طبيعة الصحيفة و المستوى التعليمي لجمهور القراء ؛ لكون الدين هو في حد ذاته بلا محتوى لأنه مدين بمحتواه ليس للسماء بل إلى الأرض ، و مع إلغاء الواقع المشوّه الذي هو نظريته ، فسينهار من تلقاء نفسه . أخيرًا ، كنت أرغب في أنه كلما كان الحديث يخص الفلسفة ، فيجب أن يكون هناك أقل قدْر من العبث بعنوان "اللادينية" (لأن هذا يذكر المرء بأولئك الأطفال الذي يؤكدون لكل من هو على استعداد للاستماع إليهم بأنهم ليسوا ممن يخاف من "الطنطل") ، وبدلاً من ذلك يجب تقديم محتوى الفلسفة للناس . هذا هو كل شيء ."

لا يعلم منصور حكمت و من لف لفه أنهم عندما ينحرفون و يَحْرِفون سبيل النضال الشيوعي من النضال لتحرير العمل و نشر الفلسفة الماركسية بين الناس إلى الصراع مع الدين بالقول "اننا لازلنا نفتقد الى حركة مقتدرة مناهضة للاسلام، حركة فكرية وسياسية قوية مناهضة للاسلام بحيث تتحول الى مكسب تاريخي لذلك المجتمع " فإنهم بذلك يزيدون بحماقاتهم هذه في عمر الدين . يقول إنجلز :

"غير أن الهير دوهرينج لا يستطيع الانتظار حتى يموت هذا الدين ميتته الطبيعية [في المجتمع الشيوعي] . إنه يندفع بطريقة أكثر عمقًاً ، إنه بسماركي أكثر من بسمارك ، فيصدر القوانين الأشد صرامة من قوانين شهر مايس ليس فقط ضد الكاثوليكية ، بل و ضد كل دين على الإطلاق . أنه يحرض رجال درك المستقبل ضد الدين ، وبالتالي يساعد الدين على الاستشهاد لكي يطيل في أمد عمره .."

كيف نقارع الدين ؟ ليس بمهاجمة الدين و نفي وجوده من المجتمع تحكماً و اعتباطاً بإنكار الواقع مثلما يفعل منصور حكمت و من لف لفه و انما بالتطبيق الخلاق لنصيحة لينين :

"يجب أن نكون حذرين للغاية في محاربة التعصب الديني ؛ بعض الناس يتسببون في الكثير من الأذى في هذا النضال بإساءتهم للمشاعر الدينية. يجب علينا استخدام الدعاية والتعليم [في هذا النضال]. فإذا ما أكسبنا هذا النضال حافة حادة للغاية فقد نتسبب في إثارة الاستياء الشعبي . مثل أساليب النضال هذه تميل إلى إدامة الانقسام بين الناس على أسس دينية ، بينما قوتنا تكمن في الوحدة. إن أعمق مصدر للتعصب الديني إنما هو الفقر والجهل. وهذا هو الشر الذي علينا مكافحته."

إذن ، محاربة شرور الفقر و الجهل هو ما ينبغي للشيوعيين الواعين التصدي بحزم و اصرار له مثلما يعلمنا لينين . كيف ؟ بالنضال اليومي الشاق و المستمر لكسب سواعد و عقول كل من له مصلحة طبقية في التغيير - على اختلاف أديانهم و بغض النظر عنها - لاقامة دكتاتورية البروليتاريا و تشريك وسائل الانتاج و نشر العلم و المعارف و القضاء على البطالة و الفقر وفق مبدأ : من كل حسب عمله و لكل حسب قابلياته . لماذا ؟ لأن هذا الإلغاء الاشتراكي الثوري للواقع الحالي المشوّه - الذي يشكل الدين نظريته الآن - وحده و وحده و وحده هو الذي من شأنه أن يجعل الدين ينهار من تلقاء نفسه بتقادم الأزمنة في المجتمع الشيوعي مثلما يعلمنا ماركس ، و ليس أبداً بواسطة "الحركة المقتدرة المناهضة للاسلام، حركة فكرية وسياسية قوية مناهضة للاسلام" مثلما يخرف منصور حكمت . خطاب منصور حكمت هذا هو خطاب جاهل بطبيعة الدين مثلما هو جاهل بألفباء الماركسية العلمية .
يتبع ، لطفاَ .