نحن ومتلازمة إنكار الواقع


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 6693 - 2020 / 10 / 2 - 15:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

متلازمة إنكار الواقع او متلازمة دفن الرأس بالرمال هي الحالة التي عاشها ويعيشها العرب وتبدو الحال اكثر وضوحا في الحال الفلسطيني وقد بدا ذلك جليا منذ تعريفنا لهزيمة عام 1948 وقيام دولة الاحتلال على انها نكبة والنكبة باللغة تأتي من خارج فعل الانسان عادة كالنكبات الطبيعية مثل الزلازل والاعاصير وما شابه مما يعني أننا البس الفشل لما هو خارج عن ارادتنا لنعطي لنفسنا المبرر لهذا الفشل وعادة ما يصدق صاحب التبرير تبريره ويواصل نفس الفشل.
لقد لاحظ سيجموند فرويد أن " العقل الباطن عندما يعجز عن حل بعض مشاكله, او عندما يكون التوتر المتولد من بعض الافكار فوق احتمال الشخص نفسه, فان العقل الباطن يقوم تلقائيا وبمعزل عن ادراك العقل الواعي, ببعض الحيل والآليات من اجل تلافي الشعور بالقلق او التوتر من الضغط الناتجين, ومن اجل حماية الذات من التهديد, فيقوم مثلا بإنكار الحقيقة او تغييرها او التلاعب بها وبذلك يتخلص الفرد من القلق والتوتر الناتج عن تلك المشكلة بدلا من التخلص من المشكلة نفسها " وهو اسماه فرويد الدفاعات النفسية وما يميز الدفاعات النفسية التي تعمل بمعزل عن العقل الواعي وان بإرادته ورغبته بصفتين فهي من جانب تشوه الواقع وتنكر الحقيقة او تتدخل للتغيير بها بما يوفر الرضى لصاحبها والصفة الثانية ان مصدرها اللاوعي دون ان يجري التأكد التام من ان الوعي الراغب بالنتيجة لا علاقة له على الإطلاق بالأمر.
حالة إنكار الواقع عادة تكرس حالات واقع جديد يبنهيا صانع الإنكار نفسه ليحصل على حالة الرضا التي يريد وهو بذلك يذهب الى حالة من التوحد مع عالمه الوهمي ويصنع مبرراته وشخوصه الى حد تحويل الاشخاص الى صانعي معجزات كالحكام وقادة الانظمة الديكتاتورية وبذا يحل الشخص مكان القضية بذاتها ويتحول نفسه الى قضية يجب الحفاظ عليها وحمايتها والارتهان لها ولإرادتها بمعنى الهروب من واقع الحال المغيب الى القبول بواقع الحال المفروض من قبل الزعيم برغبة في تحميل الغير البديل مسئولية الحال المتخيل وإبراء الذات الأنا ويصل حد التقدي او التقديس للشخص أيضا الى حد تبرير كل سلوك وتنزيهه عنه وإلصاقه بغيره دون أي تردد فيصبح الحاكم منزه والحاشية فاسدين وبذا تظل صورة القداسة كما نرغب بها وان كنا جاهزين لنلصق كل تهمة بهذا المقدس فور غيابه وحالة الزعماء العرب السابقين ابرز الصور عن مثل هذا المرض
نحن اصحاب تغيير اسم الهزيمة في عام 1967 الى نكسة والنكسة تأتي في اللغة ايضا من انتكاسة الشفاء بالعودة لمرض وهو ايضا إبراء للذات الأنا الجمعية والفردية من النتيجة وتحميلها لما هو يمكن ان يكون خارج إرادة المهزوم ويتواصل الحال الى ما نحن عليه اليوم فالانقسام نقفز عليه بالتواصل في البحث وتكرار الاتفاقات والتفاهمات دون ان نجد شيئا على ارض الواقع ونحمل الظروف والأوضاع والغير والأحداث أسباب فشل الاتفاقيات المتكررة بلا معنى وعادة ما نتحدث عن نفس الأشياء والمواضيع مرات ومرات وكأنها أمر غاية في الانجاز وعلى سبيل المثال يجري الحديث اليوم عن الانتخابات التشريعية والرئاسية وكان خزائن علي بابا ستفتح من جديد وهو أمر ككرنا الاتفاق عليه ومرارا وتكرارا وعدنا من حيث بدءنا دون نتيجة على الأرض ودون ان يتحول القول الى فعل.
اصحاب تغيير الهزائم الى نكبات ونكسات وتغيير اسم إعلان مبادئ الحكم الذاتي الفلسطيني باختزال اتفاق أوسلو في الإعلام وتغييب الاسم الحقيقي ومضامينه ثم حشو كلمة الوطنية كصفة لا نكتبها لذاتنا وتمنع في المعاملات الرسمية الخارجية او مع دولة الاحتلال ونقبل باستخدام داخلي لاسم نريده او نرغبه واستخدام خارجي مفروض علينا فرضا وحين انشغل العالم بفتوحات دولة الاحتلال في العالم العربي وأنشطة التطبيع المتواصلة بلا خجل او تردد وبترحيب من الكل المحيط لم نجد سوى التصريحات المفصومة عن الواقع والعنتريات اللفظية وحتى نجد لشعبنا قصة ينشغل بها عن واقع الحال القاسي جيء بحكاية الانتخابات وطبعا ستطفو على السطح حتى ان اتفقوا حكاية كيف ستجري الانتخابات في القدس وقد نجد من يقول ان الانتخابات أهم او اجروا الانتخابات عبر الانترنت ثم سؤال آخر من سيراقب انتخابات غزة والضفة وسنحتاج الى وقت أطول لخبايا بيت الشيطان ذلك ولا احد يضمن ماذا ستجر الأيام من تراجعات وانتقادات واختلافات تظهر في كل مرة يجري فيها أي اتفاق فكل الذي يجري على الأرض هو اتفاق على الخطوط العريضة وترك بيت الشيطان وخباياه الى ما بعد.
نعم اتفقنا على العناوين فأين قدرتنا في موضوع القدس ومن سيدير الأمر في غزة وكذا في الضفة وهل سنختلف وان اختلفنا هل سنبقى بلا أداة تشريعية وهل سنجد من يقرر ان يفعل ذلك في جزء من الوطن دون غيره كما كان الأمر في انتخابات البلديات الأخيرة وهل سنحدد موعد جماعي للانتخابات ثم نختلف ثم تجري كل كما يريد وحسبما يريد.
هذا هو الحال الفلسطيني إنكار للواقع بشكل فاقع وعلني وبلا حبة ندى واحدة على جبين واحد وهو بكل وضوح هروب من العجز المتواصل وقبول جديد بالواقع الأكثر بشاعة دون إعلان القبول مع ان ترك قضية بحساسية ما يجري والتوافق على حكاية الانتخابات انجاز وطني وثوري عظيم هو إعلان عجز وقبول بالأمر الواقع لا اكثر ولا اقل فما سمي باجتماع الأمناء العامين تحدث عن انجاز اتفاق مقاومة لا اتفاق انتخابات أولا فحين يتمدد الاحتلال ليس في فلسطين فقط ولكن بأرض العرب ونتراجع نحن بكل أشكال التراجع الفعلي وهتافات الثورة ترافق تراجعنا فقد سحبنا سفراؤنا من دولتين حتى الآن وهناك من ينتظر وباتت حكاية القدس قديمة سكتنا عن حكاية الضم والأغوار بعد حكاية التطبيع واليوم ننسى كل شيء وكأنه لا شيء لننشغل بحكاية وهم الانتخابات لحكم لا يحكم وتشريع ولا يشرع والى ما شاءت إرادة شعبنا المغيبة سنبقى كذلك ننشغل بترف كاذب وننسى حالنا على الأرض ولا صوت نقدي مسموع واحد ولا احد يكترث للأصوات الخافتة المركونة في غرف الانترنت المظلمة بعد ان باتت القراءة ترف لا يعرفه العرب كل العرب وأذاننا لا تسمع سوى قرقعة سلاح الأعداء وأصوات فعلهم والمساحات التي تحتلها سيقانهم وهي تتمدد ترفا حيث أرادت وتضيق علينا أماكننا حيث بيوتنا ومفارش نومنا.