صفحات من تاريخ الحركة النقابية العربية الفلسطينية: في الذكرى ال 75 لتأسيس -اتحاد النقابات العالمي- (7)


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 6681 - 2020 / 9 / 19 - 00:38
المحور: الحركة العمالية والنقابية     



سبق واستعرضنا في الحلقة السابقة (السادسة)، كيفية قيام الوفد النقابي (بل السياسي) الصهيوني باستغلال ما قامت به النازية من جرائم من أجل تمرير قرار يدعم إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، لقد استغل هذا الوفد –الصهيوني-أيضًا خبرته في المؤتمرات النقابية الدولية، كونه عضوًا في "أممية امستردام"، وبالمقابل عدم خبرة الوفد النقابي العربي الفلسطيني في مثل هذه المؤتمرات، وكونه يشارك ولأول مرة في مؤتمر نقابي دولي وحدة من الحركة النقابية العربية التي لم توفد ممثلين لها في هذا المؤتمر.

نعم استغل الوفد الصهيوني هذه الثغرة وأدخل مندوبًا له في لجنة "صياغة الأنظمة"، واتضح في الجلسة قبل الأخيرة للمؤتمر أي يوم الجمعة الموافق 16/2/1945 أن رئيس الجلسة جورج إيزك طلب من اللجنة تقديم تقريرها حول إقرار السلم في العالم "وأعلن المقرر غازييه أن التقرير صودق عليه من اللجنة بإجماع الآراء باستثناء جملة واحدة بالمادة 26 (وهذه المادة تتعلق بالوطن القومي اليهودي ولدى الانتهاء من تلاوة صفحة 177-180)”(1)، هنا وقف أعضاء الوفد النقابي العربي الفلسطيني سامي طه وحنا عصفور وبولس فرح معترضين على القرار، وتحدث باسم الوفد المحامي حنا عصفور وفي خبر لصحيفة "فلسطين" بعث به مراسلها الخاص في لندن جاء: "تحذير مؤتمر نقابات العمال تأييد الصهيونية ..." جاء فيه: "قام السيد حنا عصفور صباح اليوم بمحاولة لبقة في مؤتمر نقابات العمال الدولي لمنع المؤتمر من تسجيل تأييده لجهود اليهود لهم في فلسطين، وقد أعدته اللجنة الخاصة عن موقف نقابات العمال من تسوية الصلح ليصدره باسمه -أي باسم المؤتمر- وقد جاء في الفقرة السادسة والعشرين من هذا التصريح قوله: ويرى هذا المؤتمر المظالم التي أنزلت بالشعب اليهودي وان تأخذ السلطة الدولية الجديدة على عاتقها حماية اليهود في كل بلد من الاضطهاد والتحيز.



ومن الضروري مساعدة الشعب اليهودي على مواصلة إعادة بناء فلسطين في نجاح بوصفها وطنهم القومي وذلك عن طريق الهجرة والاستقرار الزراعي والتطور الصناعي"(2).

عند اعتراض الوفد النقابي الفلسطيني على هذا البند من الاقتراح طلب تقديم موقفه واعتراضه ويظهر من كلمة المحامي حنا عصفور التي شملها "تقرير وفد جمعية العمال العربية إلى مؤتمر النقابات الدولي بلندن" والذي جاء في 70 صفحة أن الوفد الفلسطيني فند الادعاءات الصهيونية، مشيرًا إلى التناقض الذي وقعت فيه اللجنة في بنود اقتراحها وقال: "يعلم المؤتمر أن الفقرة 26 من التقرير هي سبب تدخلي ولكن قبل أن أبحث تلك الفقرة أطلب اليكم أن تقرأوا معي بضعة فقرات من التقرير كي نرى كيف يمكن التأليف بين هذه الفقرات التي جاءت بتقرير واحد. كلنا يعلم أن فلسطين بلد عربي، وبصفتها بلدًا عربيًا يطبق عليها ما ورد في الفقرة 18 و20 و25 من التقرير نفسه بنفس القوة ونفس المدى الذي ينطبق عليه وعلى البلاد الأخرى..."(3)، بعد استعراضه لهذه الفقرات، وتفنيده للتناقض الوارد في الفقرة 26 قال: "لذلك أطلب من المؤتمر أن يلغي الفقرة الأخيرة من المادة 26 لأنها لا تتفق والمبادئ المثلى للطبقة العاملة بأجمعها ولا تأتلف مع فقرة سابقة لها بالتقرير"(4).



وكان الوفد الفلسطيني قد طرح قضية النضال ومقاومة الاستعمار البريطاني وضد الحركة الصهيونية وضد وعد بلفور من أجل الحرية والاستقلال في جلسة سابقة بخطاب رئيس الوفد في (الاثنين 12/2/1945) وأن هذا النضال توقف: "أوقف العرب نضالهم وانحازوا إلى جانب الحلفاء ضد قوى النازية والفاشية التي تهدد حريات العالم .."(5)، وأضاف: "هل ستهمل حقوق العرب مرة أخرى وهل سيفرض عليها النضال الطويل الذي اقلعوا عنه حبًا ومشاطرة منهم بالدفاع عن حريات العالم. وهل سيترك العرب في فلسطين تحت تهديد طردهم من بلادهم إشباعًا لاعتداء الصهيونية، تلك الحركة الرجعية المؤسسة على ادعاءات واهية وأفكار خيالية"(6).



*ممثل اتحاد نقابات أمريكا اللاتينية: أتينا هنا لتأييد قرار إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين!



وفي عودة للجلسة قبل الأخيرة أي يوم الجمعة 16 شباط 1945 وبعد كلمة الوفد الفلسطيني ثار عدد من أعضاء الوفود الداعمة للصهيونية ومنهم وفود المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأمريكا اللاتينية معظمهم من اليهود، مدافعين عن اقتراح القرار الداعم للصهيونية، إلّا أن ممثل اتحاد نقابات أمريكا اللاتينية المدعو "كاريللو"، كشف في كلمته عن الجهود التي بذلتها الصهيونية قبل المؤتمر لتمرير اقتراحها فقال: "قمنا نحن في أمريكا اللاتينية فقررنا بالإجماع منادين بتأسيس وطن قومي يهودي في فلسطين دون التدخل بالطبع بالحقوق القومية للفرق الأخرى ولهذا أتينا لكي نؤيد القرار الذي اتخذته أيضًا أغلبية المنظمات الهامة في العالم .."(7)، واقترح ادخال إضافة على القرار تنص على: "مع احترام حقوق القوميات الأخرى المشروعة تعطى فرص وحقوق متساوية لجميع السكان"(8)، كانت مضامين كلمات هؤلاء صهيونية بلا حدود وكان وفد نقابات العمال الهندي قد وقف إلى جانب الوفد الفلسطيني وطالب بحذف الاقتراح وقال أ. ك. بلاي النقابي الهندي بعد أن تطرق إلى حقيقة عدم بحث الموضوع في جلسات المؤتمر كبند من بنوده: "فإني أرى بأن الفقرة الأخيرة التي توقع المؤتمر بصراحة إلى تأييد وطن قومي في فلسطين يجب أن تشطب ..."(9).

بعد هذا النقاش طلب رئيس الوفد النقابي الفلسطيني حنا عصفور بالرد إلا أن رئيس الجلسة ايزك رفض بقوله: "ليس لك الحق بالرد"، بعد اصرار ونقاش طرح الموضوع على المؤتمر فأيد طلب الوفد الفلسطيني بأن يقدم كلمته، وبالفعل يظهر من التقرير أن كلمة ممثل الحركة النقابية الفلسطينية كانت واضحة، فند خلالها جميع أقوال سابقيه من مؤيدي الحركة الصهيونية وفي نهاية كلمته قال: "وأخيرًا أكرر طلبي بإلغاء الفقرة الأخيرة من المادة 26 بالكلية وبدون أن يكون هناك التحفظ الذي اقترحه السيد كاريللو"(10). وفي التصويت على هذا الطلب أيده كل من ممثلي نقابة الهند، جنوب أفريقيا نيجيريا أوغندا وفلسطين "وبذلك لم يحصل الاقتراح الفلسطيني على النصاب المطلوب وهو 13 صوتًا أي ثلث الحضور، وبذلك رفض التعديل ووافق المؤتمر بالأكثرية على الفقرة كما هي بإضافة تعديل ممثل نقابات أمريكا اللاتينية.



وكتبت صحيفة "فلسطين" عن هذا القرار خبرًا على صفحتها الأولى تحت عنوان "ألاعيب الصهيونية في مؤتمر النقابات الدولي" جاء فيه: "لندن في 17 (و.ا.ع) اتخذ مؤتمر العمال الدولي قرارًا بشأن الصلح جاء مؤيدًا لفكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين... وتحدث الأستاذ حنا عصفور إلى وكالة الأنباء العربية بعد ارفضاض الاجتماع بقوله: إن مسألة فلسطين أثيرت في المؤتمر دون بحث سابق ودون ان تكون من بين المسائل المدرجة في جدول الأعمال ولم يطلب إلى المندوبين شرح قضيتهم أمام لجنة المؤتمر على الرغم من أن الصهيونيين كانوا ممثلين فيها"(11)، أمّا صحيفة "الدفاع" فتطرقت للقرار تحت عنوان "وفد مؤتمر النقابات العالمي يوافق على المشروع الصهيوني بإقامة الوطن القومي، وفدنا (العمالي يفاجأ بالمشروع فيحاول ايقاف القرار ..."(12).

وتطرقت أسبوعية الهستدروت باللغة العربية "حقيقة الأمر" إلى هذا القرار وكتبت تحت عنوان: "حركة العمال العالمية المتقدمة تؤيد إنشاء وطن قومي لليهود وتوسيعه"، جاء فيه: "بعد مناقشة دامت ساعتين ونصف الساعة اتخذ مؤتمر العمال الدولي بأكثرية ساحقة قرارًا يؤيد إنشاء وطن قومي لليهود وهذا القرار هو جزء من التقرير عن موقف النقابات المهنية ازاء تنظيم السلام..."(13). ووصفّت الصحف العبرية هذا القرار أنّه "نصر كبير للصهيونية". وواصلت أسبوعية "حقيقة الأمر" الكتابة بتبجح وشماتة عن هذا القرار فكتبت تحت عنوان: "مغزى مؤتمر لندن - أما فلسطين فقد نالت قسطًا من اهتمام المؤتمر عندما دار البحث في مشاريع إعادة بناء العالم، ونحسب أن مندوبي جمعيات العمال العربية قد أدركوا أن المسألة الصهيونية مسألة جدية في نظر زعماء العمال في بلدان العالم الراقية، وأن موقف هؤلاء الزعماء من هذه المسألة لن يتغير، على اثر دعاية وخطابات يلقيها في آذانهم حنا أفندي عصفور أو بولس فرح وغيرهما من أعداء الحركة الصهيونية عامة والحركة الصهيونية العمالية خاصة"(14)، كما وأدى انتشار هذا القرار بين صفوف النقابيين والعمال العرب إلى غضب واسع وقد أرسلت عدة برقيات إلى رئاسة المؤتمر في لندن ومنها برقية احتجاج من مؤتمر عمال المعسكرات الذي عقد في الرملة (14).



* المعركة لم تنته بعد

لن نخوض في تفاصيل النقاش الذي دار حول الموقف السوفييتي والمقال الذي كتبه نجيب فرنجيه من مدينة يافا في صحيفة فلسطين بتاريخ 20 شباط 45 وردود نشرتها صحيفة الاتحاد كتبها اميل حبيبي وحسن أبو عيشه وفؤاد نصار حول هذا الموقف خاصة وقرار دعم الصهيونية عامة، لكن الأهم من كل ذلك أن نشاط الوفد النقابي العربي الفلسطيني تواصل بعد انتهاء المؤتمر، حيث عقدت له لقاءات مع قيادة النقابات البريطانية ومع ممثلين عن حزب العمال هناك واجتماع كبير آخر بمبادرة ممثلي الدول العربية في بريطانيا، وخلال هذه اللقاءات ومثلها اتصالات واحتجاجات من النقابيين العرب في البلاد للوفود النقابية، كل ذلك أثمر في النهاية، ووقعت المفاجأة للجانب الصهيوني، فعند نشر قرارات المؤتمر الصادرة عن اللجنة الدائمة التي تضم 45 عضوًا بما في ذلك فلسطين والتي عقدت عدة اجتماعات لها لصياغة النداء – القرارات النهائية الصادرة عن المؤتمر، لم تشمل اية ذكر لقضية إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين "وبهذا جنينا ثمر نضالنا الشاق حيث أن النداء شمل جميع قرارات المؤتمر عدا القرار الذي اتخذ لمصلحة الصهيونيين وكان أول نجاح عالمي لحركتنا الفتية الناهضة ..."(16).

ونشرت الصحافة الفلسطينية أخبارًا حول هذا الموضوع "مؤتمر العمال يلغي قراره الخاص بفلسطين، نصر حاسم لوفدنا العربي على الصهيونية بمساعدة الوفد الهندي"(17)، للتنوير فقط الوفد النقابي الهندي كان من الشيوعيين وخصصت صحيفة الاتحاد لقاء مع رئيسه.





اميل توما: وقف مندوبو عمالنا في مؤتمر النقابات وقفة تاريخية مشهودة

بعد تحقيق هذا النصر كتب محرر صحيفة "الاتحاد" الرفيق اميل توما مقالًا له على الصفحة الأولى بعنوان: "إننا سنتعاون دائمًا مع عمال العالم لخلق عالم حر جديد، مؤتمر النقابات العالمي وحركة عمالنا العربية". جاء فيه: "باشتراك حركة عمالنا العربية في مؤتمر النقابات العالمي، تقفز حركتنا الناشئة قفزة جبارة في ميدان التعاون العالمي من أجل خلق عالم حر جديد، وفي هذه القفزة الجبارة برهنت حركتنا على وعي وإدراك عميق لمشاكل العالم المتشابكة، فساهمت مع عمال العالم الأحرار في وضع أسس قوية عملية للتعاون المتين في سبيل ابعاد العناصر الرجعية التي تتاجر بمصائر الشعوب وتتهافت على استغلال العمال في جميع الأقطار.

واشتراك حركة عمالنا يدل بالإضافة إلى دلائله الواسعة الشاملة، على مدى نضوج حركتنا واقتناعها بعدم الفائدة من بقائها منعزلة متباعدة عن نضال عمال الشعوب وطلائعها الثورية. ويدل أيضًا على أن حركة عمالنا لن تقف أبدًا موقفًا سلبيًا من حركتنا الوطنية التحريرية، -تلك الحركة الجماهيرية التي تنشد تحريرًا سياسيًا واقتصاديًا يفتح أمام عمالنا آفاقًا مترامية التقدم الاجتماعي والسياسي- وان على حركة عمالنا تأييد الحركة الوطنية والوقوف في طليعتها.

وقف مندوبو عمالنا في مؤتمر النقابات وقفة تاريخية مشهودة يذبون عن حياض وطننا ويدافعون عن مطالب شعبنا العربي الأبي وجميع سكان فلسطين مجاهدين في سبيل نصرة قضيتنا القومية قضية الحق، التي تناضل ضد رجعية مفضوحة، وهكذا أدت حركتنا قسطها الجبار في النضال ضد أعداء الشعوب ومستغلي العمال، وفتحت صفحة جديدة جليلة في تاريخ نضالنا الوطني... ومن أبرز مظاهر المؤتمر، ما أظهرته حركات العمال في المستعمرات من وعي وادراك عميقين في تأييدها لمندوبينا ونخص بالذكر موقف عمال الهند بقيادة دانج رئيس اتحاد النقابات الهندي...نحن لم ننتصر في هذا المؤتمر إلا أننا ربحنا تأييدًا من مندوبين يمثلون ملايين العمال، ولسوف نستمد قوة من هذه الملايين لنسير معها صفًا واحدًا إلى الامام مخلفين وراءنا الصهيونية وأشباه الصهيونية" (18).

هذا وقرر المؤتمر النقابي العمالي الدولي تشكيل لجنة للإعداد للمؤتمر التأسيسي لاتحاد العمال العالمي مقرها باريس ويركز أعمالها النقابي الفرنسي لوي سايان، وتقرر أن يعقد المؤتمر في أيلول – تشرين أول 1945 في باريس، وضمنت الحركة النقابية الفلسطينية تمثيلًا لها في المؤتمر القادم كعضو مؤسس للاتحاد.




هوامش:

1- تقرير وفد جمعية العمال العربية الفلسطينية

إلى مؤتمر النقابات الدولي بلندن، ص 38.

2- صحيفة فلسطين السبت 17/2/1945، ص1.

3- تقرير وفد جمعية العمال العربية الفلسطينية

إلى مؤتمر النقابات الدولي بلندن، ص 38.

4- ن . المصدر، ص 42.

5- ن.م. ص 24.

6- ن.م. ص 23.

7- ن.م. ص 38-42.

8- ن.م. ص 44.

9- ن.م. ص 49.

10- ن.م. ص 55.

11- صحيفة فلسطين، الاحد 18/2/1945، ص 1.

12- صحيفة الدفاع الاحد 18/2/1945، ص 4.

13- أسبوعية حقيقة الأمر، الأربعاء 21/2/1945، ص 1.

14- ن. م. الاربعاء 28/2/1945، ص 1.

15- صحيفة الدفاع الاثنين 19/2/1945، ص 4.

16- تقرير وفد جمعية العمال العربية الفلسطينية

إلى مؤتمر النقابات الدولي بلندن، ص 59.

17- صحيفة فلسطين السبت 3/3/1945 ص 1.

18- صحيفة الاتحاد الأحد 11/3/1945 ص 1-4.