الأمم المتحدة تدعو إلى وقف سريع لإطلاق النار/ مفاوضات السلام في أفغانستان محفوفة بالمخاطر


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 6671 - 2020 / 9 / 8 - 02:36
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

في غضون الأيام القليلة المقبلة، يمكن أن تبدأ أول محادثات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان في الدوحة. وأعلن مجلس الأمن القومي الحكومي أخيرا، أن تبادل الأسرى بين الجانبين أوشك على الانتهاء، تنفيذا لشرط مسبق وضعته طالبان لبدء المفاوضات. وكانت اتفاقية مماثلة قد وقعت في الدوحة، في 29 شباط بين طالبان والحكومة الأمريكية. ونص الاتفاق على أن تطلق كابول سراح 5 آلاف من أسرى طالبان مقابل ألف من أفراد القوات الحكومية.
ووفقًا للاتفاقية، كان من المفترض استكمال هذه العملية في 10 اذار الفائت. لكن الحكومة الأفغانية عملت على دفع الموعد مرارا، بسبب قرار الإفراج عن 400 سجين لطالبان متهمين بارتكاب جرائم خطيرة، وتولي عدد منهم مناصب قيادية في المنظمة الإرهابية، لذلك أعلن الرئيس أشرف غني أنه لا يملك سلطة اتخاذ القرار بمفرده، وبالتالي دعا الى اجتماع لمجلس “ لويا جيرغا”، التجمع التقليدي لزعماء القبائل والشخصيات المؤثرة الأخرى. وقرر الأخير في 9 آب الفائت الإفراج عن جميع المحتجزين.
ونفذت الحكومة القرار خلال أسابيع، باستثناء 6 -9 معتقلين، اعترضت حكومتا فرنسا وأستراليا على إطلاق سراحهم، لمسؤوليتهم عن قتل عدد من رعايا الدولتين، وبين شد وجذب، نفذ الرئيس رغبة حلفائه الغربيين. وقد يشكل هذا الأمر عائقا امام بدء المفاوضات.
ويمكن ان يتم الاتفاق على نقل عدد من السجناء إلى قطر، ووضعهم تحت نوع من الإقامة الجبرية. وتلعب قطر، التي تستضيف المكتب الرسمي الوحيد لطلبان، دورا محوريا في المفاوضات، تنفيذا لرغبة أمريكية.
وحثت المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة إلى أفغانستان، ديبورا ليونز، على الإنجاز السريع للمهمة. وأعربت في تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن تخوفها من ان استمرار العنف في أفغانستان قد يخلق “جوا من عدم الثقة” من شأنه أن يثقل كاهل المحادثات، وحثت ليونز الجانبين على وضع اتفاق سريع لوقف إطلاق النار.

الغاء الحقوق المدنية مقابل السلام
استمرت الشائعات بقوة في كابول بأن طالبان ستطالب، خلال محادثات قطر، بتشكيل حكومة مؤقتة. وأن شريك غني في التحالف الحاكم د. عبد الله والرئيس الأسبق حامد كرزاي يؤيدان ذلك. وبالتالي يصبح الرئيس غني خارج لعبة السلطة. ودفعت تكتيكات المماطلة التي اتبعها غني الحكومة الأمريكية إلى التحرك، فهي بحاجة إلى إحراز تقدم في عملية السلام، حتى تتمكن من سحب قواتها من البلاد دون التسبب في انهيار التوازن الهش، والذي يبدو مهددا. ويؤكد مسؤول حكومي كبير في كابول، أن أفغانستان ليست قابلة للحياة بدون تمويل خارجي الذي يأتي معظمه من واشنطن. والرئيس غني يتذكر جيدا كيف أدى تعليق المساعدات المالية والاقتصادية الروسية عام 1992 في عهد بوريس يلتسين إلى سقوط وموت سلفه نجيب الله.
ان اجندة محادثات الدوحة الرسمية غير معروفة لحد الآن. وأعلن نادر نادري عضو وفد كابول المفاوض المكون من 21 شخصًا، والذي يترأسه الرئيس السابق لجهاز المخابرات معصوم ستاناكزاي، والذي كان يسير مستعينا بعصاه، منذ تعرضه لمحاولة اغتيال نفذتها طالبان، أن “وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب” سيكونان من بين “المطالب الأولى”. وقد يؤدي ذلك إلى نشوء الخلاف الأول، لأن طالبان تريد كحد أدنى التوصل الى وقف دائم لإطلاق النار.
وبالنسبة لطالبان، يمكن ان يقود مله بردار، واسمه الحقيقي الملا عبد الغني وفدها المفاوض. وهو أحد نواب رئيس طالبان الثلاثة، والمسؤول السياسي فيها. ويقال إنه ولد عام 1968. وسبق له، بعد 16 شهرًا من المفاوضات مع كبير المفاوضين الأمريكيين زلماي خليل زاد، توقيع اتفاق الدوحة في شباط الفائت، الذي نص على انسحاب جميع قوات الناتو من أفغانستان. وهو وعد سابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما، ويريد خلفه ترامب تنفيذه. ويشترط انسحاب الناتو ابتعاد طالبان عن القاعدة وتحقيق “تقدم كبير” في محادثات السلام.
ولا يرغب الطرفان الافغانيان بوجود وسيط ثالث في قاعة المفاوضات. ولكن متابعون يفترضون معرفة الولايات المتحدة بأدق تفاصيل المفاوضات بفضل القدرات الالكترونية المتوفرة، في واحدة من أكبر قواعدها العسكرية، والموجودة في قطر.
وعلى الرغم من ان موافقة طالبان على الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة يمثل خطوة مهمة، لكن الكثير من الأفغان تنتابهم مشاعر متضاربة إزاء المفاوضات المرتقبة. ويرى محللون محليون، أن إطلاق سراح السجناء والاتفاق مع طالبان يعززان “الإفلات من العقاب” على جرائم الحرب المنصوص عليها في اتفاقية بون الخاصة بأفغانستان في العام 2001. وان اتفاق سلام بدون عدالة لا يكفي. ومن المرجح أن تستمر الحرب خلال المحادثات. وربما يتوصل الطرفان لاتفاق بعدم الاعتداء. وهناك خشية لدى المتابعين من عدم وضع نهاية للعنف.
ومن الصعب التكهن بنجاح المفاوضات، لان الملفات المطروحة معقدة وتحتاج إلى المزيد من الوقت. والملف الصعب هو شكل وهوية الدولة المقبلة، الذي يفرض الجمع بين الشكل الجمهوري للحكومة ونظام طالبان الإسلامي المتطرف. وربما سيتم الاستفادة من الدستور الأفغاني الذي يشير الى عدم جواز تشريع أي قانون يتعارض مع “القيم الإسلامية”، وهي صيغة، مثبتة أيضا في الدستور العراقي، ويعتمد تطبيقها من عدمه على توازن القوى السياسية المعنية. وتجري، على سبيل المثال، مناقشة “النموذج الإيراني” مع مجلس ديني يتمتع بالهيمنة على المؤسسات المنتخبة. ويمكن أن تهيمن عبره منظومة طالبان على الحياة السياسية.
لقد اعطى مجلس” لويا جيرغا” تلميحات عن حل وسط محتمل. وطالب المندوبون البالغ عددهم 3400، بضمنهم 700 امرأة، وهو تناسب غير عادل، بتعزيز دور رجال الدين، مع وعد للنساء “بوضع سياسي واجتماعي” غير واضح المعالم، ولم يشيروا الى المساواة بين الجنسين التي نص عليها الدستور النافذ. ولحد الآن ليس هناك رد فعل نسوي عام على الرغم من أن أكثرية النساء يرين في طالبان خطرا محدقا. وسيعتمد مدى تأثير اتفاقية السلام في تراجع الحقوق والحريات، لصالح قيم التعصب الرجعية، على قوة دعم المجتمع الدولي للقوى المدنية والديمقراطية للحفاظ على حقوقها التي كفلها الدستور النافذ. لكن أفغانستان اصبحت منذ فترة طويلة ملفا هامشيا بالنسبة للسياسة والإعلام الدوليين، على الرغم من استمرار الحرب منذ 19 عامًا. ومن المتوقع ان تكتفي مراكز السياسية الدولية، بغض نظرها عن أي اتفاق يؤدي الى التخلي عن أي إيجابيات متحققة.

ثلاثة عقود من التراجع
في 15 شباط 1989، انسحب آخر الجنود السوفييت من أفغانستان. لقد قاتلوا بقوة لمدة عشر سنوات دون أن يقتربوا من النصر. وستمضي بقايا قوات الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان 20 عامًا من الحرب التي لا معنى لها - إذا تمكنوا من البقاء في البلاد حتى العام المقبل. وهذا بالتأكيد ما لا يتناسب مع مضامين الاتفاقات، والوضع في ميادين القتال.
منذ بداية العام الحالي، تستمر الولايات المتحدة بسحب قواتها. ويوجد حاليًا 8600 جندي أمريكي في افغانستان. وفي تشرين الثاني المقبل يجب ان يخفض العدد الى 5 آلاف مقاتل. بالإضافة الى قوات حلف الناتو المعروفة بـ “قوات الدعم الحازم” والتي ُتحدد مهامها شكليا بالاستشارة والدعم، والتي حلت محل قوات” إيساف” القتالية، التي فشلت في تحقيق أي من الأهداف العسكرية والسياسية المحددة لها طيلة 13 عامًا. ولتجاوز هذا المأزق، قرر الناتو في عام 2015، أن القوات المسلحة وقوات الشرطة الأفغانية، التي وصل قوامها على الورق الى 300 ألف مقاتل، كافية لضمان الأمن والنظام!
وظلت ألمانيا ثاني أكبر مشارك في قوات الناتو في أفغانستان بعد الولايات المتحدة. وينتهي آخر تفويض برلماني لمشاركتها في 31 اذار2021، ويبلغ قوام القوة الالمانية 1300. معظمهم يعسكرون في مزار شريف، ويعمل قرابة 80 منهم في مقر الناتو الرئيس في كابول، وما يقارب من 100 مقاتل في مدينة قندز. وتأمل القوات الأجنبية، ما عدا الأمريكية منها في أن تتمسك طالبان بتكتيكها الحالي، لأطول فترة ممكنة، بعدم التعرض لهذه القوات من أجل توفير ظروف دولية ملائمة لعقد “معاهدة السلام” وعدم تعريضها للخطر.
ومعاناة قوات الأمن الأفغانية هي الأكثر. وبسبب هذا الواقع تزايد عدد الفارين من منتسبيها مرة أخرى. ويظل المدنيون الأسوأ حالًا. وتنشر بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (أوناما) لسنوات إحصائيات مرعبة. وفي الأشهر الستة الأولى من العام الفائت، قُتل وجُرح 146مدنياً أسبوعيا. وفي العام الحالي بدا الرقم لا يختلف كثيرا عن سابقه بـ 144 أسبوعيا.