الحكمتيون المستلبون بالأدلجة


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 19:29
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الحكمتيون أنصار الرجل الذي إنتحل إسم منصور حكمت بعد أن إنشق عن الحزب الشيوعي في إيران حال إنهيار الإتحاد السوفياتي في العام 91 بادعاء أن النظام السوفياتي لم يكن إلا الاشتراكية البورجوازية المرتكزة على رأسمالية الدولة ..
the defeat of a particular type of bourgeois socialism and of the state-capitalist model which formed its basis
إنضم لهذا المنشق عدد من الشيوعيين في إ‘يران والعراق حيث هذا المنصور هو الشيوعي الوحيد في العالم الذي فسّر أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي، وأعلنوا أنفسهم باسم "حزب العمال لشيوعي" إشارة إلى أن الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي لم يكن حزب العمال .

أليس غريباً حقا أن أحدا في العالم لم يعرف حتى اليوم أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي إلا أحد الشيوعيين من إيران قياساً لى حركة "البروليتاريا" في ايران كمات ادعى !!؟
كيف لهذا الشخص أن يدعي أن النظام السوفياتي ليس هو الإشتراكية بينما هو لا يعرف ما هي الإشتراكية !! ماركس وإنجلز أكدا أنهما لا يعرفان طبيعة الإشتراكية حيث سيكون لكل بلد اشتراكيته الخاصة . فالإشتراكية في ايران عندما يحققها منصور حكمت ستكون مختلفة حسب ماركس وإنجلز عن الإشتراكية في العراق مثلاً وعنها في الاتحاد السوفياتي . فطالما ليس هناك اشتراكية مثال يقاس عليه فكيف لمنصور حكمت أن يعرف أن الإشتراكية السوفياتية ليست هي الإشتراكية !؟

تحدث حكمت عن "اشتراكية بورجوازية" ليس لها ذكر في علم الإقتصاد . كان ماركس قد تحدث عما سماه "إشتراكية البورجوازية الوضيعة " (Petty-bourgeois Scialism) المقتبسة عن سيسموند في فرنسا والتي تقوم على الفلاحات والصناعات الصغيرة ، وليست اشتراكية البورجوازية القائمة علىى "رأسمالية الدولة" التي كان لينين قد سخر منها حين قال يدحض وصف خطته الإقتصادية الجديدة برأسمالية الدولة، قال في العام 1922 .. " قضى ماركس كل عمره يبحث في الإقتصاد لكنه مات ولم يذكر شيئاً اسمه رأسمالية الدولة " .
الفلاحات والصناعات الصغيرة لم تتواجد في الإتحاد السزفياتي فيما بعد الخطة الاقتصادية الجديدة (NEP) التي انتهى العمل بها في العام 28 وانتقل الاتحاد السوفياتي بعدئذ بخطوات جبارة توقف عندها التاريخ تمثلت بالتصنيع السريع 1928 – 38 وبالخصوص الصناعات الثقيلة حيث تنتفي الصناعات الصغيرة ، وبالزراعة التعاونية كالكولخوزات والسوفوخوزات 1929 – 1933 حيث تنتفي الفلاحات الصغيرة .
البورجوازية الوضيعة التي تواجدت في الصناعات والفلاحات الصغيرة في فرنسا في القرن الثامن عشر و نادت بالإشتراكية البورجوازية الوضيعةعلى طريقة سيسموند تختلف كل الإختلاف عن البورجوازية الوضيعة في الاتحاد السوفياتي التي تواجدت في فلاحة الكولخوزات وفي إنتاج الخدمات وخاصة في الجيش والأمن وإدارة الدولة فهي ضد الاشنراكية قلباً وقالباً وكان لينين قد حذر من خطورتها مبكراً في كتابة الضريبة العينية (Tax in Kind) 1921 ؛ وطالب قيادة الحزب أن تقوم دوريا بتطهير صفوف الحزب من عناصر البورجوازية الوضيعة التي تكون قد نجحت في التسلل لصفوف الحزب فكان في العام 22 أن طلب من القيادة طرد 100 ألف عضوا من الحزب يشتبه بكونهم من البورجوازية الوضيعة لكن القيادة لم تستطع أن تطرد أكثر من 20 ألفاً كان منهم زوجة ستالين .
البورجوازية الوضيعة بطليعتها القوية الجيش هي التي قامتب بانقلاب ضد الإشتراكية حال اغتيال ستالين في مارس 1953 وأزاحت مالنكوف عن القيادة وأحلت محله خروشتشوف الذي قبل لنفسه أن يكون ألعوبة بيد العسكر وأمرته أن يلغي تماما قرارات المؤتمر العام التاسع عشر للحزب واستعادة المارشال جوكوف للقيادة بعد أن كان مرذولاً في بيته بعد اعترافه بجريمة السرقة وهو الذي قام بانقلاب عسكري في يونيو 57 وطرد المكتب السياسي من الحزب وهو أعلى سلطة في الدولة . وفي العام 61 تخلى الحزب عن أول شروط الاشتراكية ألا وهو دكتاتورية البروليتاريا بل وزاد بأن أجاز المرابحة في دورة الإنتاج الداخلي .
منذ العام 53 لم يعد الاتحاد السوفياتي دولة اشتراكية، ولم يصبح دولة رأسمالية كما ادعى منصور حكمت حيث توجه بكل مقدراته إلى صناعة الأسلحة كما أفصح بيان الحزب في سبتمبر 53 الذي أعلن إلغاء الخطة الخمسية من أجل التسلح . البورجوازية الوضيعة السوفياتية لم تجد طريقاً أخرى لمقاومة الإشتراكية سوى الإنصراف إلى صناعة الأسلحة وهي بذات الوقت لا تستطيع أن تعود إلى النظام الرأسمالي حتى لو أرادت لأن في ذلك إعادة الحياة إلى طبقة البروليتاريا التي كانت قدعانت منها مر المعاناة .
لم يكن الاتحاد السوفياتي دولة اشتراكية قبل أن يبلغ منصور حكمت سن الفطام . ولذلك إفتراضه أنه إنما ينتقد الاشتراكية السوفياتية ليس إلا تغميساً من خارج الصحن .
لو كان الاتحاد السوفياتي رأسماليا في طور رأسمالية الدولة لما انتصر على الغزاة النازيين الذين ضموا ثلاث عشرة دولة أوروبية بالإضافة إلى ألمانيا، ولما استطاعت الصناعة السوفياتية تزويد الجيوش السوفياتية بأسلحة تفوق أسلحة النازي من صناعة القارة الأوروبية بأكملها بنسبة ثلاثة أضعاف كماً وكيفاً في العام 43 . الجهود الحربية التي بذلها الاتحاد السوفياتي في حربه على النازية هي أكثر من خمسة أضعاف مجموع الجهود التي بذلتها الدول الرأسمالية الثلاث الكبرى، بل وما كانت اليابان لتستسلم لأميركا إلا بعد خسارتها لكامل قواها البرية، أكثر من مليون جنديا، في مواجهتها للجيوش السوفياتية . استسلمت اليابان لأميركا حسب اتفاق ستالين – روزفلت في يالطا قبل أن تطأ قدم أميركية أرض اليابان .

وهل كانت دولة ستالين رأسمالية ومع ذلك تنقلب عليها طبقة البورجوازية الوضيعة بقيادة العسكر وتعلن إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا في العام 61 وتجيز آنذاك المرابحة في تبادل المنتوجات !؟
يتفق عامة المحللين السياسيين البورجوازيين على أن الاتحاد السوفياتي انهار بسبب سباق التسلح . في التحليل الماركسي للنظام الرأسمالي فإن سباق التسلح يعمل ضد النظام الرأسمالي حيث ينتفي فائض القيمة في صناعة الأسلحة ولذلك كانت وزارة الخارجية الأمريكية تصدر بياناً سنوياً يشكو من إغراق الإتحاد السوفياتي في التسلح حتى كان في زمن بريجينيف يستورد الاتحاد السوفياتي زوج كلسات ستاتي بثمن 6 بنادق كلاشنكوف . وتتبرع الحكومة السوفياتية بمليارات الدولارات من الأسلحة للدول الصديقة . النظام السوفياتي منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين لم يكن رأسماليا ولا اشتراكاً، بل كان مصنع أسلحة. كان وما زال يرمي إلى تفكيك الاشتراكية من خلال تخصيص موارد البلاد لصناعة الأسلحة التي لا يحتاجها أحد .
لو كان الاتحاد السوفياتي رأسماليا لما انقلبت عليه عصابة يلتسن بهدف التحول إلى النظام الرأسمالي كما أعلنت دون وجل أو خجل . كيف لباحث في الإقتصاد السياسي معتمداً على النظرية الماركسية كما ادعى منصور حكمت يتجاهل حقيقة سوفياتية معروفة لدى الأعداء قبل الأصدقاء ألا وهي أن التنمية الإشتراكية كانت تتم من خلال التخطيط المركزي مبرمجاً في خطط خمسية . في التخطيط المركزي ينتفي أي نظام رأسمالي الذي من أولى خصائصه فوضى الإنتاج تبعاً لماركس . يتم الانتاج وفق التخطيط المركزي لتلبية احتياجات فروع الإقتصاد المختلفة في التطور، وهو ما يعني بالضرورة أن مختلف المنتوجات مقرر مصيرها مسبقا أي أنها لا تعرض في السوق وليس لها قيمة تبادلية . لم يكن هناك سوق في الاتحاد السوفياتي ولم يكن هناك نقد بالمعنى الكامل للكلمة بل كان الروبل أشبه ببطاقات التموين . كان الإتحاد السوفياتي ينتج أفضل الخدمات يستهلكها المواطنون بالمجان كالتعليم والصحة ؛ ملايين الطلاب من دول العالم الثالث تعلموا في أرقى الجامعات السوفياتية وعاشوا هناك بالمجان . كيف يمكن إزاء كل هذه الحقائق الإدعاء بأن النظام السوفياتي كان رأسمالية الدولة !؟

اليوم تنقطع آخر شعرة تربط مشروع منصور حكمت في نهاية القرن العشرين بمشروع ماركس في منتصف القرن التاسع عشر الذي طرح على أجندته الثورة الإشتراكية التي ستتفجر في قلب النطام الرأسمالي في غرب أوروبا حيث هناك فقط يحتدم التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وستكون ثورة دائمة (Permanent) تنقل العالم كل العالم من النظام الرأسمالي إلى الحياة الشيوعية بدون طبقات وبدون صراع .
عامة الأحزاب الشيوعية في العالم أدركت أن التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج لم يعد قائما أو أنه ليس هو التناقض الرئيس اليوم ولذلك لم تعد الثورة الإشتراكية على أجندتهاوتحولت إلى أحزاب إصلاحية مثلها مثل مختلف أحزاب البورجوازية الوضيعة ولم يعد لماركس ولينين أي ذكر في دفغاترها .
جميل من منصور حكمت أن يرفض تناسي ماركس على الأقل لكن هذا الجميل سينقلب إلى أقبح من قبيح الأحزاب الخؤون التي تناست ماركس ولينين وانقلبت إلى أحزاب إصلاحية إن لم يثبت الحكمتيون أن التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاجزال هو التناقض الرئيس الذي ما زال يحكم التطور الإجتماعي .