رأس المال: الفصل الخامس عشر (67) التغير في مقدار سعر قوة العمل وفي فائض القيمة


كارل ماركس
الحوار المتمدن - العدد: 6664 - 2020 / 9 / 1 - 00:26
المحور: الارشيف الماركسي     


تتحدد قيمة قوة العمل بقيمة وسائل العيش الضرورية المعتادة التي يحتاجها العامل الوسطي. إن كتلة وسائل العيش هذه تكون معطاة في أي حقبة معينة وفي أي مجتمع معین، رغم أن شكلها قد يختلف، ويمكن اعتبارها، لذلك، مقداراً ثابتاً. فما يتغير هو قيمة هذه الكتلة فحسب. علاوة على ذلك، ثمة عنصران آخران يشتركان في تحديد قيمة قوة العمل. العنصر الأول، هو نفقات تطوير هذه القوة، التي تتبدل بتبدل نمط الإنتاج؛ والعنصر الثاني هو التباين الطبيعي لقوة العمل، أي اختلاف قوة عمل الذكور عن قوة عمل الإناث، وقوة عمل الراشدين عن قوة عمل الصغار. إن استخدام مختلف أنواع قوى العمل هذه، الذي يفرضه أيضا نمط الإنتاج، يخلق فارقاً كبيراً في تكاليف إعالة أسرة العامل، وفي قيمة قوة عمل الذكور الراشدين. غير أننا نقصي هذين العنصرين خارج الاعتبار فيما يلي من البحث (1).

ونحن نفترض: (1) إن السلع تباع بقيمتها؛ و(2) إن سعر قوة العمل قد يرتفع، بين حين وآخر، فوق قيمتها، ولكنه لا يهبط دون هذه القيمة قط.

لقد وجدنا، استنادا إلى هذه الفرضية، أن المقادير النسبية لكل من فائض القيمة وسعر قوة العمل تتحدد بعوامل ثلاثة هي: 1) طول يوم العمل، أي المقدار الأفقي للعمل؛ 2) شدة العمل الاعتيادية، أو مقداره العمودي، نعني إنفاق كمية معينة من العمل في فترة زمنية محددة؛ 3) أخيراً قدرة إنتاجية العمل، حيث إن الكمية نفسها من العمل تعطي، خلال وقت معین، كمية أكبر أو أقل من المنتوج، تبعا لمستوى تطور شروط الإنتاج. ومن الجلي أن بالإمكان حدوث تراكيب مختلفة جدة، تبعا لكون أحد هذه العناصر الثلاثة ثابتاً، والآخرين متغيرين، أو يكون عنصران ثابتين والثالث متغيراً، أو أخيراً، تكون العناصر الثلاثة كلها متغيرة في آن معا. كما يزداد عدد التراكيب الممكنة، نظراً لأن هذه العناصر حين تتغير في آن معا، فإن مقدار واتجاه تغير كل واحد منها قد يتباینان. أما فيما يلي سندرس التراكيب الرئيسية وحدها.

I – مقدار يوم العمل ثابت وشدة العمل ثابتة، قدرة إنتاجية العمل متغيرة



انطلاقا من الافتراضات المذكورة أعلاه، تتحدد قيمة قوة العمل، ومقدار فائض القيمة بالقوانين الثلاثة التالية :

اولا – إن يوم عمل، بطول محدد، يتمثل على الدوام في نفس المقدار من القيمة المُنتجة حديثاً، مهما تباينت إنتاجية العمل، ومهما تباينت معها كتلة المنتوج، وبالتالي سعر كل سلعة مفردة.

إن القيمة المُنتجة حديثاً في يوم عمل مؤلف من 12 ساعة تساوي، مثلا، 6 شلنات، رغم أن كتلة القيم الاستعمالية التي جرى إنتاجها تتباين بتباین قدرة إنتاجية العمل، وبالتالي فإن القيمة الممثلة بـ 6 شلنات تتوزع على سلع أقل أو أكثر.

ثانياً – إن فائض القيمة وقيمة قوة العمل تتغيران في اتجاهين متعاكسين، فتغير قدرة إنتاجية العمل، أي ارتفاعها أو انخفاضها، يولد تغيراً معاكساً له في قيمة قوة العمل، وتغيراً طردياً في فائض القيمة.

إن القيمة المنتجة حديثة في يوم عمل مؤلف من 12 ساعة، هي مقدار ثابت، وليكن 6 شلنات مثلا. إن هذا المقدار الثابت يساوي مقدار فائض القيمة زائداً قيمة قوة العمل، والقيمة الأخيرة يعوض عنها العامل بما يعادلها. وبديهي أنه إذا كان هناك مقدار ثابت يتألف من حدين، فلن يزيد أحدهما من دون أن ينقص الآخر. إذن، فقيمة قوة العمل لا يمكن أن ترتفع من 3 شلنات إلى 4 شلنات، ما لم ينخفض فائض القيمة من 3 شلنات إلى شلنين، وبالعكس لا يمكن لفائض القيمة أن يرتفع من 3 شلنات إلى 4 شلنات من دون أن تنخفض قيمة قوة العمل من 3 شلنات إلى شلنين. وبالتالي ففي ظل هذه الشروط لا يمكن أن يطرأ تبدل على المقدار المطلق لكل من قيمة قوة العمل وفائض القيمة، ما لم يطرأ تبدل متزامن على مقداریهما النسبيين. إذ يستحيل أن يرتفعا معا أو يهبطا معا.

زد على ذلك، أن قيمة قوة العمل لا يمكن أن تهبط، وفائض القيمة لا يمكن بالتالي أن يرتفع، ما لم يتحقق ارتفاع في قدرة إنتاجية العمل. ولو اتخذنا من الحالة السابقة مثلاً، نجد أن قيمة قوة العمل لا تنخفض من 3 شلنات إلى شلنين، ما لم يطرأ ارتفاع على قدرة إنتاجية العمل يتيح إنتاج الكتلة نفسها من وسائل العيش في 4 ساعات بعد أن كان إنتاجها يتطلب 6 ساعات من قبل. وبالعكس، لا يمكن لقيمة قوة العمل أن ترتفع من 3 شلنات إلى 4 شلنات، من دون انخفاض قدرة إنتاجية العمل، بحيث يتطلب الأمر 8 ساعات لإنتاج الكتلة نفسها من وسائل العيش، التي كان يلزم 6 ساعات لإنتاجها في السابق. يترتب على ذلك، أن ارتفاع إنتاجية العمل يولد هبوطا في قيمة قوة العمل وارتفاعا في فائض القيمة، في حين أن انخفاض هذه الإنتاجية يولد، بالعكس، ارتفاعا في قيمة قوة العمل، وهبوطا في فائض القيمة.

عند صياغة ریکاردو (*) لهذا القانون، أغفل ظرفاً واحداً، وهو: رغم أن حدوث تغير في مقدار فائض القيمة أو العمل الفائض، يحدث تغيراً معاكساً في مقدار قيمة قوة العمل، أو مقدار العمل الضروري، فلا يترتب على ذلك، قط، إنهما يتغيران بنفس النسبة. حقا إنهما يرتفعان أو ينخفضان، بنفس المقدار. إلا أن نسبة ارتفاع أو انخفاض أي من الجزءين اللذين تتألف منهما القيمة المنتجة حديثاً أو يوم العمل تتوقف على التقسيم الأصلي قبل حدوث التغير في قدرة إنتاجية العمل. فلو أن قيمة قوة العمل تساوي 4 شلنات، أو أن وقت العمل الضروري يساوي 8 ساعات، وفائض القيمة يساوي شلنين أو العمل الفائض يساوي 4 ساعات؛ وإن هذه القيمة هبطت إلى 3 شلنات، أو هبط العمل الضروري إلى 6 ساعات، نتيجة ارتفاع قدرة إنتاجية العمل، فإن فائض القيمة سيرتفع إلى 3 شلنات، أو يرتفع العمل الفائض إلى 6 ساعات. إن نفس المقدار، وهو شلن واحد أو ساعتان، يضاف في الحالة الأولى ويطرح في الحالة الثانية. إلا أن التغير النسبي في المقدار يختلف في كلا الجانبين. إذ بينما تهبط قيمة قوة العمل من 4 إلى 3 شلنات أي بنسبة الربع أو 25%، فإن فائض القيمة يرتفع من شلنين إلى 3 شلنات، أي بمقدار النصف أو 50%. ينجم عن ذلك أن الارتفاع أو الانخفاض النسبيين لفائض القيمة، من جراء تغير معين في قدرة إنتاجية العمل، يتوقفان على المقدار الأصلي لذلك الجزء من يوم العمل الذي يتجسد في فائض القيمة، وكلما كان هذا الجزء صغيرة كانت نسبة تغيره كبيرة، وكلما كان هذا الجزء كبيراً كانت نسبة تغيره صغيرة.

ثالثاً – إن ارتفاع أو انخفاض فائض القيمة يأتي دوماً، كنتيجة وليس أبدأ كسبب، الانخفاض أو ارتفاع مقابل في قيمة قوة العمل (2).

وبما أن طول يوم العمل مقدار ثابت، ويتمثل بقيمة ثابتة المقدار أيضا؛ وبما أن كل تغير يطرأ على مقدار فائض القيمة، يقابله تغير معاكس في قيمة قوة العمل، وبما أن قيمة قوة العمل لا تتغير إلا عند تغير قدرة إنتاجية العمل، فإن النتيجة الواضحة المترتبة على ذلك، أن أي تغير في مقدار فائض القيمة، في ظل هذه الشروط، إنما ينشأ عن حدوث تغير معاكس في مقدار قيمة قوة العمل. وكما رأينا من قبل فإنه لا يمكن حدوث أي تغير في المقدار المطلق لقيمة قوة العمل وفائض القيمة دون اقتران ذلك بحدوث تغير في مقداریهما النسبيين؛ ويلي ذلك الآن أن حدوث أي تغير في مقداريهما النسبيين غير ممكن من دون وقوع تغير في المقدار المطلق لقيمة قوة العمل.

وبموجب القانون الثالث، فإن وقوع تغير في مقدار فائض القيمة، يفترض تغيراً في قيمة قوة العمل، ينجم عن حصول تغير في قدرة إنتاجية العمل. وحدود التغير في فائض القيمة إنما ترسمها الحدود الجديدة لقيمة قوة العمل. مع ذلك، حتى عندما تسمح الظروف بسريان مفعول هذا القانون، فإن ثمة تغيرات وسيطة قد تقع. فمثلا؛ لو أن قيمة قوة العمل هبطت من 4 إلى 3 شلنات، أي لو هبط وقت العمل الضروري من 8 إلى 6 ساعات نتيجة لارتفاع قدرة إنتاجية العمل، فإن سعر قوة العمل قد لا يهبط إلى أقل من 3 شلنات و8 بنسات، أو 3 شلنات و6 بنسات، أو 3 شلنات وبنسين، إلخ. وبالتالي لن يرتفع فائض القيمة إلى أكثر من 3 شلنات و4 بنسات، أو 3 شلنات و6 بنسات، أو 3 شلنات و10 بنسات، إلخ. إن مقدار هبوط سعر قوة العمل، وحدّه الأدنى 3 شلنات، يتوقف على الوزن النسبي لضغط رأس المال، من جهة، ولمقاومة العمال، من جهة أخرى.

إن قيمة قوة العمل تتحدد بقيمة كمية معينة من وسائل العيش. وإن قيمة وسائل العيش هذه، لا كتلتها، هي التي تتغير بتغير قدرة إنتاجية العمل. ولكن، يمكن، مع حدوث ارتفاع في القدرة الإنتاجية هذه، أن يحصل العامل والرأسمالي، في آن معا، على كمية أكبر من وسائل العيش هذه، من دون أن يطرأ تغير على سعر قوة العمل أو على فائض القيمة. فإذا كانت القيمة الأولية لقوة العمل 3 شلنات بينما وقت العمل الضروري يساوي 6 ساعات، وإذا كان فائض القيمة 3 شلنات كذلك، أي أن العمل الفائض يساوي 6 ساعات أيضا، فإن مضاعفة قدرة إنتاجية العمل، في ظل التقسيم السابق ليوم العمل، ستبقي سعر قوة العمل وفائض القيمة بلا تغيير. والنتيجة الوحيدة التي تتمخض عن ذلك هو أن كلا من هذين سوف يمثل الآن ضعف ما كان يمثله من القيم الاستعمالية سابقاً، ولكن سعر هذه القيم الاستعمالية سيكون نصف سعرها السابق. وعندها سيكون سعر قوة العمل أكبر من قيمة هذه القوة، رغم أن هذا السعر ظل ثابتاً. ولو فرضنا أن سعر قوة العمل قد هبط ليس إلى شلن و6 بنسات، وهو أدنى نقطة تتماشى مع قيمتها الجديدة، بل إلى شلنين و10 بنسات، أو شلنين و6 بنسات، إلخ، فإن هذين السعرين المتدنيين يمثلان، رغم ذلك، كتلة من وسائل العيش أكبر. على هذا النحو يمكن لسعر قوة العمل، بارتفاع قدرة إنتاجية العمل، أن يستمر في الهبوط ويقترن، مع ذلك، بتصاعد مطرد في كمية وسائل عيش العامل. ولكن، في حالة كهذه، فإن هبوط قيمة قوة العمل سوف يسبب ارتفاعا مماثلا في فائض القيمة، وبذا تتسع الهوة باطراد بين مستوى عيش العامل ومستوى عيش الرأسمالي (3).

لقد كان ریکاردو أول من صاغ، صياغة دقيقة، القوانين الثلاثة الواردة أعلاه. إلا أن عرضه ينطوي على نقائص: 1- فهو يعتبر أن الشروط الخاصة التي تعمل هذه القوانين في إطارها، هي الشروط البديهية، العامة، الوحيدة، للإنتاج الرأسمالي. ولا يرى وقوع أي تغير، لا في طول يوم العمل ولا في شدة العمل، ولا يوجد، بالتالي، في نظره، سوى عنصر متغير واحد وهو إنتاجية العمل. 2 – هناك خطأ آخر يفسد تحليله أكثر بكثير من الخطأ الأول، وهو أن ریکاردو، شأنه شأن غيره من الاقتصاديين، لم يبحث قط فائض القيمة بشكله النقي أي بمعزل عن أشكاله الخاصة مثل الربح والريع العقاري وإلخ. لذلك نجده يخلط قوانین معدل فائض القيمة بقوانين معدل الربح. ولقد سبق أن أشرنا إلى أن معدل الربح هو النسبة بين فائض القيمة ورأس المال الكلي المدفوع سلفاً، أما معدل فائض القيمة فهو النسبة بين فائض القيمة والجزء المتغير فقط من رأس المال. لنفرض أن رأس المال (ر) البالغ 500 جنيه استرليني، يتألف من مواد أولية ووسائل عمل، إلخ. (ث) تبلغ قيمتها الإجمالية 400 جنيه، ومن أجور (م) تبلغ 100 جنيه، وأن فائض القيمة (ف) = 100 جنيه. ولنفترض أيضا أن معدل فائض القيمة ف/م = 100جنيه/100 جنيه = 100% أما معدل الربح ف/ر = 100جنيه/ 100جنيه = 20%. وعلاوة على ذلك، يتضح أن معدل الربح قد يتوقف على ظروف لا تمس معدل فائض القيمة بأي حال. ولسوف أبين في الكتاب الثالث من هذا المؤلف، أننا، في ظروف معينة، قد نحصل على معدلات ربح عديدة من معدل فائض قيمة واحد، أو أن عدة معدلات من فائض القيمة يمكن أن تعبر عن معدل ربح واحد.

______________

(1) [حاشية للطبعة الثالثة: إن الحالة التي بحثت على الصفحة 281، قد أغفلت بالطبع في هذا الوضع. ف. إنجلز]. [ص 336 الطبعة الألمانية، ص 408 – 409 من الطبعة العربية. ن.ع].
(*) د. ریکاردو، مبادئ الاقتصاد السياسي، ص 31. [ن. ع].
(2) أضاف ماکلوخ إلى هذا القانون الثالث، من بين أشياء أخرى، سخافة تقول إن بالإمكان حدوث زيادة في فائض القيمة غير مصحوبة بانخفاض في قيمة قوة العمل، وذلك عن طريق إلغاء الضرائب التي كان على الرأسمالي أن يدفعها فيما مضى. إن إلغاء مثل هذه الضرائب لا يحدث أيما تغير في كمية فائض القيمة التي ينتزعها الرأسمالي الصناعي من العامل بصورة مباشرة. فذلك يعدل، فقط، النسبة التي ينقسم بموجبها فائض القيمة، بين جيب الرأسمالي وطرف ثان ينبغي أن يشاركه فائض القيمة هذا. لذا فإن إلغاء الضرائب، لا يغير، قط، العلاقة بين قيمة قوة العمل وفائض القيمة والاستثناء الذي يأتي به ماکلوخ يثبت، فقط، سوء فهمه للقاعدة العامة. وهذا حظ عاثر كثيرا ما يلاقيه عندما يبتذل ریکاردو، كما يحدث مع ج. ب. ساي عندما يبتذل آدم سميث.
(3) “عندما يقع تغير في إنتاجية الصناعة، أي عندما يجري إنتاج مقدار أكبر أو أقل من المنتوجات بواسطة كمية معينة من العمل وراس المال، فإن نصيب الأجور قد يتغير بصورة ملحوظة، في حين أن كمية المنتوجات التي يمثلها هذا النصيب تظل ثابتة، أو أن الكمية تتباين بينما يظل نصيب الأجور ثابتاً”. ([ج. كازنوفا]، موجز الاقتصاد السياسي، ص67).
([J. Cazenove], Outlines of Political Economy, etc., p. 67).