من يكون سمير أمين !!


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6654 - 2020 / 8 / 22 - 16:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

نشر مؤخراً في الحوار المتمدن حواريان من حواريي سمير أمين يشرحان تنظيراته في الماركسية باعتباره علماً من أعلام الماركسية في العالم العربي على الأقل إن لم يكن في العالم قاطبة .
في الثمانينيات أهداني أحد الأصدقاء كتاب سمير أمين "المجتمع العربي" . قرأت الكتاب بكل اهتمام وراعني سميرٌ لماركس وغير أمين للماركسية ؛ يخرج على الماركسية، يبتذلها ويلقي برايتها في الوحول . كتبت في الثمانينيات أكثر من مقال في الصحف المحلية تكشف عن سوء تناول مغرض لمفاهيم ماركسية رئيسة . في ذلك الكتاب رفض أمين نظرية ماركس في العلاقة الديالكتيكية الثابتة بين البناء التحتي والبناء الفوقي وهو الموقف الذي استعاره من مدرسة فرانكفورت "الماركسية" ويتعارض مع قوانين الطبيعة المترتبة أساساً على قانون الديالكتيك الذي تربت عليه النظرية الماركسية والتي هي بالتالي قانون من قوانين الطبيعة المتمثل بالوجود الإنساني .
في العام 94 حدث أن واجهت سمير أمين في محاضرة له في عمان وطرحت عليه سؤالين أحدهما يسأل عن أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي وكان جوابه على السؤالين "لا أعرف" وهو حقاً لا يعرف . يكفي لأن يُعرف من يكون سمير أمين وهو الرجل الذي كرس كل حياته وكل علمه في الإقتصاد كي يجلس على كرسي موازٍ لكرسي ماركس ألا يعرف أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي . فطن متأخراً لهذا العيب الفاضح النافي لمشروعه فكان أن اضطر لأن يعلن أن التصنيع السريع (1928 – 1938) هو ما تسبب في انهيار الاتحاد السوفياتي !! – نحن ننتظر من حواريي سمير أمين أن يشرحوا لنا هذا المبدأ الصعب على أفهامنا . وفي لقاء له مع وكالة زد للإعلام في 31 يناير 2003 سأله المراسل .. يقال أن سمير أمين ألقى براية الماركسية في الوحول، فماذا تقول ؟ سمير أمين بلع لسانه ولم يحر جواباً .

أربع عشرة دولة، هي كل الدول الرأسمالية في العالم وملحقاتها، أرسلت تسعة عشر جيشاً إلى روسيا لتخنق البلشفية في مهدها كما كان شعار وزير الحربية البريطاني ونستون تشيرتشل الذي أرسل ثلاثة جيوش لتحقيق تلك المهة القذرة غير أن البلاشفة ردوا الغزاة على أعقابهم خائبين وألحقوا بهم هزيمة فاضحة نكراء . إذّاك تحقق الإمبرياليون الإنجليز من أن نهايتهم قد باتت وشيكة . بناءً علية تقدمت المخابرات البريطانية كل الصفوف باعتبارها القائد الحارس للرأسمالية الامبريالية العالمية ونشطت بصورة هستيرية تقيم المتاريس (Bulwarks) للقوى الرجعية بوجه المد الشيوعي الجارف فكان المتراس الأول هو المسيرة إلى روما (March on Rome) حيث نظمت المخابرات البريطانية مسيرة للقوى الفاشية في ايطاليا بقيادة عميلها الصجفي المأجور بنيتو موسوليني في أكتوبر 1922 واستولى الفاشيون على السطة وقامت ايطاليا الفاشية المعادية للشيوعية . وفي العام 1924 ضغطت بريطانيا على حكومة سعد زغلول لتحريم الحزب الشيوعي ولم تكتفِ بذلك، ففي العام 1928 ساعدت الشيخ المتأسلم حسن البنا مالياً لتشكيل جماعة الإخوان المسلمين الرجعية . ولدى استسلام ألمانيا 1919 تحصنت المخابرات الإنجليزية في الحزب الاشتراكي الألماني، حزب المرتد كاوتسكي، الذي شارك الحرس القومي (Freikorps) في اغتيال القائدين الشيوعيين البارزين روزا لكسمبورغ وكارل لبكنخت، وفي الهجوم الوحشي على جمهورية بافاريا السوفياتية في ابريل 1919 . تعاون قادة جمهورية فيمار (Weimar) 1919 – 1933 من قادة الحزب الاشتراكي الألماني مع المخابرات الانكليزية في إفشال الثورة الشيوعية في العام 1923 وفي السماح لهتلر بتولي السلطة في العام 1933 .
الأعمال الحمقاء التي قامت بها المخابرات البريطانية متجاوزة كل حدود التعقل والقيم الإنسانية في توليف المتاريس الثلاثة لمواجهة الثورة الشيوعية ثبت بطلانها وأنها لا تقوى على مقاومة الشيوعية بغير افتراس النظام الرأسمالي قبلئذٍ، لا بل ومن سخرية التاريخ المرة من غباء وحماقة المخابرات الإنجليزية فالرأسمالية في انجلترا نفسها لم تجد من يحميها كفريسة للنازية سوى جيوش الثورة الشيوعية وهو ما أكده ملك انجلترا جورج السادس في رسالته التي حملها
ونستون تشيرتشل إلى ستالين في طهران في ديسمبر 43 . ذات الحماية السوفياتية توفرت للرأسمالية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة التي لم تكن على قدر مواجهة اليابان – استسلمت اليابان للولايات المتحد بموجب تعاهد ستالين – روزفلت في مؤتمر يالطا فبراير 45 على الرغم من أن جندياً أميركياً لم تكن قد وطئت قدمه بعد أرض اليابان – القنبلتان الذريتا في 6 و 9 أغسطس قتلت 150 ألف مدنياً والجيوش السوفياتية قتلت أكثر من مليون عسكرياً يابانيا ما بين 10 – 30 أغسطس .

البورجوازية بمختلف أشتاتها هي العدو الرئيسي لقوى الثورة الشيوعية، والشت الوضيع منها هو الأكثر دهاءً وخبثاً ويقوم بمختلف الأحابيل لإعاقة الثورة الشيوعية فكان أن حقق نجاحاً ملموساً جرّاء الخسائر الهائلة التي لحقت بالثورة الشيوعية في مواجهتها وحيدة للنازية والفاشية في القارة الأوروبية . الدراسة العلمية الشاملة لمواجهة الثورة الشيوعية في حربها على البورجوازية الوضيعة بألاعيبها وخططها الشيطانية والتي بدأت مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تؤكد أن هذه الحرب هي أصعب كثيراً حتى من الحرب العالمية الثانية التي عبرتها الثورة الشيوعية بنجاح مذهل خلال أربع سنوات بينما حربها على البورجوازية الوضيعة بدأت قبل سبعين عاماً ولم تنتهِ بعد ؛ وما ذلك إلاّ لأن البورجوازية الوضيعة ليست النقيض المادي الديالكتيكي للبروليتاريا، وإنتاجها من الخدمات لا يزاحم إنتاج البروليتاريا في السوق .
تتركز الحرب على صعيد الفكر والثقافة حيث تمكر البورجوازية الوضيعة إلى حد الإدعاء بالماركسية "المحدثة"التي تقوّض ماركسية البروليتاريا أو ماركسية ماركس نفسه . برز مثل هذا الإحتراب الفكري في مدرستين أوروبيتين وهما مدرسة فرانكفورت في ألمانيا ومدرسة لندن للإقتصاد (LSE) . إنتهجت مدرسة فرانكفورت نهج ما سمّي بالنظرية النقدية (Critical Theory) التي تقوم على نقد جميع أحجار الزوايا في عمارة الماركسية وخاصة الفلسفة الماركسية التي تقول بالعلاقة الديالكتيكية الوثيقة بين البناء التحتي والبناء الفوقي وهو ما يفضي إلى رفض المادية التاريخية . أما مدرسة لندن فكانت أوسع نقداً وأكثر تسطيحاً إلى حد اعتبار الماركسية نظرية ظرفية تجاوزها التاريخ وأن عالم اليوم هو عالم ما بعد الماركسية (Marxism Aftermath) ؛ ويبدو أن جنوح مدرسة لندن المتمادي في التوسع والتسطيح في نقد الماركسية إنما هو بسبب علاقة إدارة المدرسة بالمخابرات البريطانية (MI6) .

من المستهجن حقاً أن أحداً من المتخصصين في العلوم السياسية أو من المحللين الاستراتيجيين لم يلحظ التحول النوعي للدولة السوفياتية الذي جرى في الخمسينيات . الدولة السوفياتية التي أنذرت (Ultimatum) دول العدوان الثلاثي على مصر في نوفمبر 56، وأنذرت الولايات المتحدة وبريطانيا للإنسحاب من لبنان والأردن في يوليو 58، ليست هي الدولة السوفياتية التي وقفت تتفرج على مصر تنهزم، بتعبير عبد الناصر، في يونيو 67 . وما يزيد من الاستهجان هو جهل أو تجاهل هؤلاء المحللين والسياسيين إعلان خروشتشوف في مؤتمر الحزب الحادي والعشرين في العام 59 عن فسخ ثورة التحرر الوطني عن الثورة الإشتراكية الذي لا يعني سوى خيانة الثورة الإشتراكية قبل الثورة الوطنية .
في مناخ الخيانة العالمي بدأت تنمو نظرية الاعتمادية (Dependency Theory) حيث بات منظرو ثورة التحرر الوطني يرون اقتصادات مستقلة في البلدان الأطراف وإمكانية تطوير هذه البلدان بعيداً عن المراكز . خيانة خروشتشوف في المركز استدعت خيانة المنظرين في الأطراف واتفاقهم مع خروشتشوف على فصل الأطراف عن المركز . في مناخ الخيانة ذاك، فصل الأطراف عن المركز، ظهر في سوريا ياسين الحافظ والياس مرقص وفي لبنان مهدي عامل وفي مصر سمير أمين وظهر في أوروبا الماركسية الأوروبية .

مختلف تنظيرات سمير أمين تعتمد أساساً على نظرية الإعتمادية ولما كانت هذه النظرية تتجسد في خيانة ثورة التحرر الوطني فإن مختلف تنظيرات سمير أمين هي تنظيرات خؤونة لا تقارب العوامل الحقيقية لتطور الحياة في مختلف مجتمعات الأطراف بصورة رئيسية .
سمير أمين قضى عمره في تحقيق قضية شخصية لا علاقة لها بالحرية وبالإشتراكية وهي تأسيس مدرسة باسمه في العالم الثالث تناظر مدرسة فرانكفورت ومدرسة لندن تعتمد أساساً على نظرية النقد (Critical Theory) من تأسيس مدرسة فرانكفورت أي نقد الاختلالات(Inconsistency) في النظرية الماركسية .
حالما انتهى لينين من قراءة الماركسيية صاح بأعلى صوته .."إنها كليّة الصحة" !!
نحن الشيوعيين البلاشفة تلامذة لينين وستالين نعيد صيحة لينين "إنها كلية الصحة" . وعليه فإن المدارس التي نمت كالطحالب في مناخ الخيانة، ومنها محاولة سمير أمين الفاشلة في بناء مدرسة خاصة باسمه في العالم الثالث، كل هذه المدارس المتاريس (Bulwarks) ليست إلا آخر متاربس تبنيها البورجوازية الوضيعة لمقاومة الشيوعية .