خارج دائرة الفعل


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 6653 - 2020 / 8 / 21 - 15:29
المحور: القضية الفلسطينية     

هل هي قدرات إسرائيل الخارقة أم انه العطل الدائم الذي بات مزمنا لدينا بحيث أننا نبدو دائما وكأننا مشلولي الإرادة لا حول لنا ولا قوة ومن المعيب ان نعاود التذكير دائما بهزائمنا حتى تلك التي كان يمكن لها ان تكون نصرا حولناها بغباء معيب الى هزائم أو الى محض ذكريات للتباهي ولم نتمكن على الإطلاق يوما من مراكمة شيء او البناء عليه فانتصار الكرامة تركناه خلفنا وتراجعنا الى عمان الى ان كان ما كان لنحتفل بانتصار بيروت في تونس والانتفاضة الاولى احتفلنا بانتهائها بتوقيع اعلان مبايء الحكم الذاتي والثانية انتهت بقطيعة غزة مع الضفة والعكس صحيح وعليه فإلى متى سنبقى هكذا مشلولي الإرادة تماما كآلة او مُعِدة أصبحت خارج الخدمة فلا نفع منها على الإطلاق وحتى ردود الفعل لم نعد قادرين على ضخ الدماء بها فهي تلد ميتة.
بكل وقاحة وصفاقة تمكن ترامب من تنفيذ الحلم الصهيوني بنقل سفارة بلاده الى القدس والإعلان عنها عاصمة لدولة الاحتلال ولم يصدر عنا شيء يساوي بعض من قيمة القدس في خطابنا اللفظي اللهم الا اذا اعتبرنا بعض الهمهمات والشتائم ردا ونحن ندرك اهنها لا ولن تغني ولا تسمن من جوع وواصلت إدارة ترامب ومعها دولة الاحتلال أفعالهم على الارض من شرعنة توحيد القدس الى شرعنة الاستيطان الى ىشطب مساحات واسعة من الاراضي المحتلة عام 1967 وبعد ان كنا قادرين على عقد اجتماع لجامعة للدول العربية متى شئنا وكنا نعتقد أننا نملك مبادرة سلام عربية وكان الحكام العرب يرتجفون من غضب الفلسطيني صار الأمر في خبر كان فلم نتمكن من عقد اجتماع لجامعة الدول العربية ضد موقف الإمارات ولا احد بات يتذكر ما سمي بمبادرة السلام العربية والامر ببساطة يعود لآلية عملنا وتفكيرنا فقد نكون الوحيدون في التاريخ الذين بادروا بطرح مبادرات سلام للتنازل عن حقوقهم دون ان يلتفت اليهم احد فلقد اعترفنا بدولة الاحتلال وحدنا وبدون مقابل منذ مبادرة النقاط العشر ومشروع السلطة الوطنية " المقاتلة " الكلمة التي اشترطها الراحل الدكتور جورج حبش كشرط لموافقته على باقي النقاط وها نحن اليوم بعد حوالي خمسة عقود من نر اكتوبر نحظى بسلطة لا مقاتلة ولا ما يحزنون حتى كلمة وطنية حرمونا منها في الاسم الرسمي للسلطة وبعد ان وضع الاحتلال الراحل ياسر عرفات أسيرا في مقره برام الله تحت فوهات البنادق وسبطانات مدافع الدبابات ها هي المقاطعة اليوم مقاطعة من العرب الذين باتت بوابتهم إلينا هي دولة الاحتلال فقطر تحضر الى غزة من تل أبيب وأبو ظبي تأتي بالمساعدات الطبية الينا عبر تل أبيب وتفاجئنا بالتوقيع على معاهدة سلام ونعلم جميعا ان البحرين والسودان وعمان وغيرهم الكثير جاهزون كل الجاهزية للتوقيع وقد تكون مصلحة نتنياهو المهدد بالسقوط وحدها هي التي تمنع توقيعا جماعيا فهو يحتاج لانتصارات عديدة ليبقى في الحكم وستسهل له مجموعة هذه الدول مثل هذا الانجاز وتماما كما تحدث ترامب عن براعته بسرقة اموال العرب بكل بجاحة فعل مثله نتنياهو وبلا خجل عن حجم الاستثمارات العربية القادمة من الصلح مع امارات الخليج حتى انه لم يكلف نفسه بالتحدث عن أي فائدة يمكن ان تجنيها الامارات ولو وهما من دولة الاحتلال.
احد من العرب لم يدين ولم يشتم ولم يحتج بل ان العديدين رحبوا وأيدوا وحتى الجالية الفلسطينية بالإمارات أصدرت بيان تأييد لمعاهدة السلام الإماراتية مع دولة الاحتلال وقد نقلت وسائل الإعلام عن رئيس الجالية الفلسطينية في الإمارات مهند خنفر قوله " لننتظر ونرى ماذا سيكون رد فعل اسرائيل بعد إعلان هذه المعاهدة ونأمل لان يصب في صالح تحقيق السلام العادل وان يكون حافزا ومرحلة جديدة لإنهاء الاحتلال وتلبية حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس " وقد نقلت صحيفة البيان الإماراتية تصريحات مؤيدة لفلسطينيين مقيمين في دولة الإمارات وهذا يعني ان الشعب الفلسطيني غير موحدين خلف قيادته.
ردود الأفعال لا معنى لها من كل الجهات ففي رام الله انحصر الأمر ببيان واجتماع للقيادة وكان واضحا ان البيان الصادر عن اجتماع القيادة اقتصر على نداءات ومناشدات للغير كجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة وفيما عدا الموقفين الإيراني والسوري الأكثر وضوحا ورفضا للاتفاقية فان أيا من الآخرين لم يكن جديا على الإطلاق في معارضته لهذا الاتفاق والاهم من ذلك ان عديد الآراء جاءت لترفض معارضة الفلسطينيين للاتفاق على قاعدة ان الفلسطينيين هم أول المطبعين والموقعين بعد أوسلو واحد لن ينسى ان بلد كامب ديفيد اليوم مرحب بها كوسيط مرغوب به بين حماس وإسرائيل وكذا هو دور قطر فما الذي سيجعل الإمارات ومن سيهرول بعدها يعتقد بعداء فلسطيني حقيقي لها وهم اليوم في أفضل علاقة مع قطر عرابة أمريكا الخطر في المنطقة وأول دولة عربية أقامت علاقات مع اسرائيل وكذا العلاقة مع تركيا التي تمتلك أفضل علاقات مع اسرائيل.
لن تكون الامارات الدولة العربية الوحيدة والاخيرة كما هي ليست الاولى التي ستوقع اتفاقيات سلام وتطبيع مع اسرائيل ونحن ندرك ذلك جيدا بل ونعرف من تلك الدول ومن هي الاولى ومن ستليها ومع ذلك فنحن نواصل الانتظار والتعداد ولن نفعل شيئا بل اننا قد نجد انفسنا غدا ونحن نطلب من هذه الدولة او تلك ان تقوم بوساطة ما مع دولة الاحتلال وقد يطلب الاحتلال نفسه من دولة الامارات غدا مساعدة لقطاع غزة ويصبح تطبيع الامارات مباح ونهاجم من سيفعل ذلك بعدها
ان المطلوب فلسطينيا وقبل ان نجد أنفسنا جلوسا تحت يافطة يتيمة مكتوب عليها بكل وضوح " يا وحدنا " ان نعيد صياغة برنامجنا الرافض لكل تنازلاتنا السابقة والمطالب فقط بفلسطين واحدة موحدة لا تقبل القسمة فلقد بات يقينا للجميع ان القسمة غير ممكنة وغير واردة في حسابات دولة الاحتلال وحلفائها وقد يكون معيبا ان نقبل بقسمة بلادنا بينما يصر المحتل على توحيدها لصالحه, كل البدائل مستحيلة التحقيق وغير ممكنة ولا واردة في حسابات احد بما في ذلك العرب وها نحن نخسر يوميا حلفاء لنا على طريق تنازلنا في حين نواصل مطالبة العالم حد الاستجداء تنفيذ قرارات شرعيته والغريب أننا نتجاهل بشكل لافت قرار التقسيم علما بان هاهم قرار أممي وهو رغم تسميته إلا انه لم يشر الى أي تقسيم مكاني او اقتصادي لفلسطين بل اقتصرت نصوصه على التقسيم السياسي او تقاسم الحكم فقط بمعنى انه يقرر قيام دولتين بكيان اقتصادي واحد فما الذي يجعل القيادة الفلسطينية تغض النظر عن هذا القرار وأي رؤية جديدة لهذه القيادة بعد ان تبخرت أحلام الدولتين وأحلام الاستقلال تحت الاحتلال وبات واضحا أنهم لن يقدموا لنا أكثر من حكم ذاتي مهتريء لكيانات مشتتة بلا رابط بينها وقد بات الجميع مقتنعا ان هذا ما سيأتي غدا الذي قد لا يطول انتظاره.
لا بديل إذن للشعب الفلسطيني عن العودة الى مربعه الأول القائم على كنس الاحتلال الصهيوني وإسقاط مشروعه العنصري المتخلف لصالح إعادة توحيد فلسطين التاريخية واحدة موحدة فهو المشروع الوحيد القابل للحياة والقادر على عزل العنصرية والشوفينية الصهيونية كليا وعلى مستوى العالم وهو المشروع الأقدر على جذب احترام العالم لشعبنا وعزل الاحتلال ومشروعه وذلك لن يكون ممكنا بالبيانات وحالة العجز والانتظار والشلل التي باتت تعيشها المؤسسة الرسمية الفلسطينية والتي تجد انعكاساتها في الموقف الشعبي غير المكترث بما يجري على الارض وبالتالي فانه لا بديل على الإطلاق عن إعادة إنعاش المشروع الكفاحي الفلسطيني على الارض عبر فعل كفاحي وطني شعبي قادر على خلق تحالفات حقيقة فاعلة مع قوى الخير والسلام والحرية والديمقراطية في العالم ووحده ذلك من سيعيد لنا احترامنا لأنفسنا أولا حتى نتمكن من الحصول على احترام العالم لنا وسيفتح الطريق على مصراعيه لاستعادة حقوقنا في كامل أرضنا وحريتنا فلا احد سيمنح العاجزين ومن هم خارج الخدمة حقا لم يسعوا لنيله بايديهم.