في الذكرى ال 32 لرحيل القائد النقابي الشيوعي العربي الفلسطيني جمال موسى


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 6647 - 2020 / 8 / 15 - 13:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


تحل في الـ14 من شهر آب الحالي الذكرى الـ 32 لرحيل القائد النقابي الشيوعي جمال موسى، الذي رحل عنا مساء يوم الأحد 14/8/1988 اثر إصابته بمرض عضال، ووري جثمانه في تراب بلدته أبو سنان عصر يوم الثلاثاء 16/8/1988، بحضور "الآلاف المؤلفة " من أبناء شعبه، ولا تُنسى كلمات رفيق دربه القائد نمر مرقس التي قالها يومها في تأبينه "يا تراب جليلنا الغالي، يا تراب الوطن، ستحتضن اليوم جمال موسى قائدنا ومعلمنا فتغدو أغلى وأغلى وستتضاعف مسؤوليتنا تجاهك وتجاه من يحيا عليك، عندما نودع اليوم فيك جثمان فارسنا الذي غرس في مدنك وقراك غرسات الشيوعية على مدار الأربعين عامًا".

التاريخ النضالي الوطني والنقابي للقائد النقابي جمال موسى حافل وشامل وهو بمثابة تاريخ نضال شعب كنت قد تناولت جانبًا منه في مقال نشر في "الاتحاد" بتاريخ 1/3/2019، وكما كتب رفيق دربه اميل حبيبي في تأبينه مؤكدًا على ما حمله هذا الجيل من هم نضالي "ما من جيل حمل أثقال النكبة، صامدًا على ظُلم ذوي القربى، كما حملها جيلنا هذا الباقي في وطنه يا جمال، برهانًا على أن العتمة لم تجئ- حتى في النكبة الكبرى – على قدر يد الحرامي."



كان للنقابي جمال موسى ورفيق دربه النقابي سليم القاسم دور هام في الحركة النقابية العربية الفلسطينية، وعرف عن النقابي موسى نضاله في تنظيم عمال المعسكرات البريطانية في "الطيرة" و"العزيزية" قرب حيفا وبين عمال سكة الحديد وعمال شركة تكرير البترول وغيرها، وكونه أحد مؤسسي "مؤتمر العمال العرب" ودوره في توزيع ودعم صحيفة "الاتحاد" التي وقف يوم صدور العدد الأول منها بتاريخ 14/5/1944 مع رفاقه ومنهم اميل حبيبي واميل توما الذي استذكر ذلك الأول منهم كاتبًا: "وقفت معنا على باب المطبعة في وادي النسناس في حيفا في انتظار صدور العدد الأول من "الاتحاد" سوية نزلنا إلى الأسواق والحواري، إلى مشاغل العمال ومكاتب "الاساتيذ" المحامين والمهندسين والأطباء، نوزع "الاتحاد" صحيفة العمال العرب العلنية الأولى في فلسطين …".

كنا قد أكدنا على الدور الذي لعبته الحركة النقابية العربية الفلسطينية في تأسيس "اتحاد النقابات العالمي" في العام 1945 وهذا ما يشير له النقابي جمال موسى وبفخر عندما يستذكر محطات من تاريخ الحركة النقابية العربية الفلسطينية، وقد حظي النقابي جمال موسى بالمشاركة في المؤتمر العاشر لاتحاد النقابات العالمي الذي عقد في العاصمة الكوبية هافانا، بتاريخ 10/2/1982 وبعد عودته من المؤتمر كتب تقريرًا شاملًا عن هذا المؤتمر نشرته صحيفة "الاتحاد" بتاريخ 2/3/1982.





لقد ترك لنا النقابي جمال موسى تاريخًا نضاليًا وطنيًا ونقابيًا ناصع الصفحات، انحاز من خلاله بلا تردد إلى جانب الطبقة العاملة وهمومها، نشر قسم منها في كتابه بعنوان "كفاح الشيوعيين في ليل المآسي"، الذي كتب مقدمته الرفيق محمد نفاع وكان تاريخ صدوره 26/4/1988، كما وترك لنا دراسة هامة بعنوان "وقائع ومعطيات حول الاستغلال الكولونيالي الإسرائيلي ضد العمال العرب في المناطق المحتلة"، لم يُكتب تاريخ الإصدار، لكننا ووفق مادة الكراس بالإمكان القول إنه صدر في أواخر العام 1982، وقد جاء في 72 صفحة من الحجم الصغير.

مادة هذه الدراسة الهامة التي كتبها الراحل جمال موسى، يناقش فيها إدعاءات حكومية إسرائيلية جاءت في كراس أصدرته وزارة العمل والرفاه في شهر شباط 1982 وباللغة الإنجليزية، تحاول من خلاله تبييض سمعتها بما يتعلق بالاستغلال الذي يتعرض له عمال المناطق العربية المحتلة ويكتب عن ذلك النقابي جمال موسى: "من الواضح أن هذا الكراس مخصص للدعاية الإسرائيلية في الخارج، في أوروبا وأمريكا وغيرها.



لقد سبق وأدانت المحافل العمالية، في منظمة العمل الدولية وفي اتحاد النقابات العالمي والاتحادات العمالية الأخرى لنقابات العمال، الاستغلال الوحشي الذي يتعرض له العمال العرب في المناطق التي احتلتها اسرائيل في حزيران 1967 وخاصة العمال الفلسطينيين". ص3

فصول الدراسة تتناول مختلف مناحي الاستغلال الذي تعرض له العمال العرب الفلسطينيين خاصة من الأراضي المحتلة من قبل اسرائيل، ونستطيع القول إن معظم القضايا التي تعرض لها النقابي جمال موسى في هذه الدراسة والتي جاءت كرد على الكراس الدعائي الحكومي، ما زال العمال الفلسطينيين يعانون منها حتى يومنا هذا، مثل كونهم قوى عاملة أقل كُلفة لأصحاب العمل الاسرائيليين، وقوى عاملة للأعمال الشاقة، خاصة فرع البناء ويليه الزراعة.

يتناول النقابي جمال موسى في هذه الدراسة العديد من القضايا، خاصة الإدعاء بأن توفير فرص عمل للعمال من المناطق المحتلة في إسرائيل، تؤدي إلى "انتعاش" اقتصادي في المناطق المحتلة!!!.

هذا الإدعاء ما زال قائمًا حتى يومنا هذا، حيث "يتناسى" قادة الاحتلال وحكومتهم، حقيقة كونهم نهبوا الأرض وبنوا عليها المستوطنات، حطموا الزراعة الفلسطينية والصناعة وكافة وسائل الإنتاج للإبقاء على الاقتصاد الفلسطيني ملحقًا بل مرتبطًا بشكل عضوي بالمصالح الإسرائيلية.

عن هذا يكتب النقابي جمال موسى تحت عنوان الحقائق الراسخة: "ولكن الحقيقة هي كالتالي: عمل الاحتلال الإسرائيلي، خلال عهده الأسود، على تحويل هذه "المناطق" إلى مستعمرات تابعة للاحتكار الرأسمالي – الكولونيالي. كما ربط اقتصادها وتجارتها وقوة العمل فيها بسلاسل التبعية والإلحاق الاقتصادي. أدى ذلك، عمليًا، إلى عرقلة نموها اقتصاديًا واجتماعيًا وحضاريًا، وإلى ضرب مستوى حياة وتطور شعبها معاشيًا واجتماعيًا، هذا بالإضافة إلى استغلال عشرات الوف العمال من سكان المناطق المحتلة في سوق العمل داخل اسرائيل بصورة بشعة". (ص5)



ثم يقدم العديد من الأمثلة منها مصادرة الأرض والاستيطان الاحتلالي الصهيوني وسلب مصادر المياه وإعاقة تطور الصناعات الفلسطينية ومنع التصدير وسلب امتيازات شركة كهرباء القدس وربط الجهاز المصرفي والنمو المالي برأس المال الإسرائيلي، فرض هيمنة المواصلات الاسرائيلية تدمير وهدم البيوت العربية وزج عشرات الألوف من الشبان والنساء في السجون.

كما يتناول مختلف أساليب الاستغلال للعمالة العربية الفلسطينية في سوق العمل الاسرائيلي، ووسائل نهب حقوق العمال ومقتطعات أجورهم للضمان الاجتماعي وأساليب دائرة المدفوعات الحكومية الواقعة تحت سيطرة الجيش، وقضايا تصاريح العمل واستغلال ذلك من قبل الحكم العسكري لمآرب مختلفة، والتعاون القائم ما بين أذرع قوات الاحتلال وأصحاب العمل في اسرائيل.





سماسرة التصاريح



تحت هذا العنوان خصّص النقابي جمال موسى فصلًا كاملًا استعرض فيه هذه الظاهرة التي بالإمكان القول عنها بأنها نوع من ظاهرة الاتجار بالبشر، وكنا قد استعرضنا هذه الظاهرة في عدة مراحل، والتي ما زالت متفشية حتى يومنا هذا تحت رعاية قوات الاحتلال، بل تزداد بشاعة واستغلال للضائقة المعيشية لأهلنا في الأراضي المحتلة. يكتب عن ذلك النقابي جمال موسى: "ويقوم سمسار العمل بزيارة أماكن العمل في اسرائيل حيث يحصل على طلبية من صاحب العمل ويجري كل المعاملات المطلوبة مع الدوائر الرسمية... ويشجع الحكم العسكري وأصحاب العمل نظام السماسرة".



ويضيف: "ويتفق صاحب العمل مع السمسار ليس فقط على عدد العمال المطلوبين بل يحدد معه الاجرة التي يدفعها عن كل عامل منهم ويدفع صاحب العمل للسمسار ويقوم السمسار بدوره بدفع اجرة العامل ولكن العامل لا يعرف مطلقًا كم هي الاجرة التي دفعت عنه للسمسار وانما يقبض ما يدفعه له السمسار دون أن يعرف ما هو الفرق (العمالة) بين المبلغ الذي قبضه والمبلغ الذي دفعه عنه صاحب العمل للسمسار". دون ان يقوم السمسار بدفع مستحقات الضمان الاجتماعي ومختلف الحقوق لصالح العامل.





ويشرح النقابي جمال موسى في هذا السياق العديد من أساليب الاستغلال التي يتعرض لها العمال من المناطق المحتلة، وتقاعس مختلف الجهات بما فيها النقابات الاسرائيلية ومختلف الجهات التي تشارك في عملية الاستغلال هذه وتجني الأرباح الطائلة، بينما تواصل قوات الاحتلال رعاية هذه الظاهرة وغيرها، ومواصلة الإبقاء على الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد مستهلك للبضائع والمنتوجات الاسرائيلية، وليس اقتصاد منتج يوفر فرص عمل للقوى العاملة المحلية.

يستعرض النقابي جمال موسى وضعية الحركة النقابية الفلسطينية في ظل الاحتلال وما واجهته وتواجهه من مضايقات وملاحقات، مشيرًا وبعزة إلى تاريخ هذه الحركة النقابية التي صمدت في مختلف الظروف مهما بلغ قمع المُحتل. ويضع الثوابت التي يعمل وفقها النقابيون في الكتلة النقابية في مختلف المحافل النقابية والتي تناهض الاحتلال، وضمان حرية نقابات وتوفير العمل والمساواة لكل عامل في الاجور وشروط العمل الاجتماعية وفق قوانين العمل والاتفاقيات الجماعية.



ويختتم النقابي جمال موسى دراسته ب: "لقد توخيت من هذا البحث أن أجلوا الحقيقة كما هي من أجل دعم الشعب الفلسطيني وعماله (فأنا ابنه وعامل من عماله) في سبيل التحرر من عبودية الاحتلال والاستغلال الرأسمالي الإسرائيلي والكولونيالي الوحشي.

وعلى كل حال فإن الشعب العربي الفلسطيني ككل شعب يتكاثر ويبدع ويعمر ويبني ويتطور اقتصاده ويرفع مستوى معيشته وثقافته ومجتمعه. وقواه المنتجة تعمل وتنتج وتخلق القيم الجديدة، المادية والثقافية من خلال دورة الحياة الكاملة التي تسير إلى الأمام رغم أنف الاحتلال الاسرائيلي والكولونيالية الأمريكية. وستنتصر آمال الشعب البطل وتتحقق أهدافه السامية في نهاية الأمر".

بهذه الكلمات النضالية التي كلها تفاؤل ينهي النقابي جمال موسى دراسته هذه، ليعمق فينا الإيمان بالأمل والتفاؤل، بأن هذا الاحتلال زائل لا محالة.