الأناركية . تعديل و تنقيح.


عبد الحسين سلمان
الحوار المتمدن - العدد: 6637 - 2020 / 8 / 5 - 21:10
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


تأليف: جورج لابيكا Georges Labica
ترجمة: الراحل خليل كلفت

Dictionnaire Critique du Marxime Paris, Presses universitaires de France, 1982

"معجم الماركسية النقدي"ترجمة دار الفارابي , بيروت 2003


anarchism may be regarded as the libertarian wing of socialism
يمكن أعتبار الأناركية الجناح التحرري للاشتراكية .
نعوم تشومسكي...م - 1

the doctrines and the revolutionary practice of libertarian socialism will serve as an inspiration and a guide



Anarchy, then, is the great war horse of their master Bakunin, who has taken nothing from the socialist systems except a set of slogan……..Marx 1872


Anarchism
ترجمها البعض الى الفوضوية والقسم الاخر الى اللاسلطوية , وأعتقد أن تعريبها الى الأناركية هو الصواب .

في السياسة :
هي معارضة الدولة والحكومة – لا دولة بعينها ولا حكومة بعينها ولكن كل الدول والحكومات وفى كل زمان ومن حيث المبدأ.

لكن في الفلسفة وعلم الاجتماع تعني معنى مختلف :
نظرية فلسفية في محاولة تأكيد الأسس الصارمة في المعرفة. Antifoundationalism أو ruleless الغير مقيدة بقانون .

لذلك يقول فيلسوف العلم الشهير باول فييرآبند Paul Feyerabend :
Science is an essentially anarchistic enterprise: theoretical anarchism is more humanitarian
العلم أساساّ هو مشروع سائب و أن النظرية الأناركية / الغير مقيدة بقانون / هي أكثر إنسانية وهي الأقرب إلى تشجيع التقدم…...م - 2


يبدوا للوهلة الأولى أن الأناركية و الماركسية يشكلان زوجين متضادين .
إنهما تبدوان وكأنهما عدوان لدودان متكاملان .
الأفراد من جهة و الطبقات من جهة أخرى .
الحرية من جهة و السلطة Authority من الجهة الأخرى.
الكومونة من جهة و الدولة من الجهة الأخرى.
العفوية من جهة و التنظيم من الجهة الأخرى…...الخ

وفيما تردّ كل واحدة منها إلى الأخرى لعناتها , فهي تُنازعها طموحاتها , أطروحاتها , ممارساتها , وحتى شعاراتها .
غير أن التاريخ قد أقام بين العقيدتين هاوية , بدلاً من ذلك :

كما ذكر إنجلز في رسالة إلى Pablo Iglesias ( القائد العمالي الأسباني 1850-1925 ) بتاريخ 26 آذار 1894 يقول فيها:

هناك فجوة بيننا و بين الأناركيون …...م – 3

وكما ذكر لينين في عام 1905 :
هناك فجوة واسعة بين الاشتراكية و الأنكارية….م – 4


أولاً.

في البداية, أي في الفترة التي تشكلت فيها حركات الاحتجاج الكبرى ضد نمط الإنتاج الرأسمالي و نظامه ألاجتماعي القهري , ساد الإبهام في دلالات الألفاظ semantic indistinctions .

وتجلى ذلك بوضوح عند ( موسى هيسّ Moses (Moshe) Hess ,والذي يدين له ماركس و إنجلز بالكثير ) , لما عرض في كراسه ( الاشتراكية و الشيوعية Socialism and Communism (1842) ) من أفكار جديدة , تنتقد الماضي و تنظم المستقبل .

ويكتب ( هيسّ Hess ) :
إلى فيتخه Fichte  يعود تاريخ الألحاد في ألمانيا .
وإلى بابيوف Babeuf في فرنسا, يعود تاريخ الشيوعية , أو كما يسميها برودون Proudhon الآن , بمزيد من الدقة : الأناركية , أي نفي كل سلطة سياسية , ونفي مفهوم الدولة أو السياسية…..م – 5


في عام 1872 وبعد كومونة باريس, واجه ماركس , أنصار باكونين Bakunin , بأصل معنى كلمة الأناركية:

تعني كلمة الأناركية لدى جميع الاشتراكيين ما يلي:
حالما يتحقق هدف الحركة العمالية , أي إلغاء الطبقات الاجتماعية , فإن سلطة الدولة التي تقام بإبقاء الغالبية الواسعة من المنتجين , تحت نير أقلية من المستغلَين , ستختفي , وتصبح الوظائف الحكومية مجرد وظائف إدارية ….م – 6


ولن يدهشنا و الحالة هذه أن هناك إساءات تفسير تمكنت , حتى بعد ذلك بوقت طويل جداً , أن تظل قائمة فيما يتعلق بمسألة ( هدف ) الدولة , كما يشهد عليه الجدال بين بوخارين و لينين…..م – 7 .

ويؤدي بنا ذلك , بما يتسق مع المعنى الأول, إلى أن نقد الدولة هو في آن معاً , القاسم المشترك بين مختلف أشكال الأناركية , وحجر العثرة بين هذه الأخيرة وبين الماركسية, حيث تلح الأناركية بمختلف أشكالها على أجراء تحطيم فوري للدولة , في حين أن الماركسية , تبرمج هذا الأجراء ضمن سياق مراحل ديكتاتورية البروليتارية.


ثانياً .

أن تعقيد العلاقات بين الأناركية و الماركسية , سجل بصورة مباشرة في تشابكات تاريخهما . وسوف نميز مع أحالة القارئ إلى المداخل بين :

1. أناركية ما قبل الماركسية .
وهي تعني في الواقع , توأماً الفردية Individualism , ( ماكس شتيرنر Max Stirner 1806-1856 : فيلسوف ألماني , أحد رواد العدمية والوجودية ونظرية التحليل النفسي وما بعد الحداثة والأناركية الفردية ) , والتي عرضها في كتابه الرئيسي
The Unique and His Property 1845

عندما نعلم أن القسم الأساسي من الأيديولوجية الألمانية ( كتاب ماركس و إنجلز المشترك 1845-1846 ) , مكرّس لدحض نظرية ماكس شتيرنر , فإننا نقدر أهمية الرهانات , كما يذكر ماركس في مقدمة نقد الاقتصاد السياسي 1859:
عندما وفد إنجلز في ربيع عام 1845 ليستقر بالمثل في بروكسل، قررنا أن نصنف بالتعاون بيننا الاختلافات التي كانت بين أفكارنا وتصور الفلسفة الألمانية الأيديولوجي. أردنا في الواقع تصفية نظرياتنا الفلسفية القديمة former philosophical conscience. وحققنا مشروعنا بأن كتبنا دراسة نقدية للفلسفة بعد عصر هيجل….م – 8

أي لحظة عشية advent الماركسية.

ومن الثورة إلى الدولة . ومن الملكية الخاصة إلى تقسيم العمل . ومن المجتمع المدني إلى الجمعية Association.
تشكل هذه المفاهيم الرئيسية موضوعاً لغربلة دقيقة أولى.

وفي ذلك الحين, كانت براهين ماركس تقدم أسانيدها في كتاب الأيديولجية الألمانية , حيث كتب أوغست كورنو ( Auguste Cornu 1888-1981 مؤرخ ماركسي فرنسي ):
القديس ماكس شتيرنر Max Stirner , هو العملية التاريخية الفعلية ( مقلوبة رأساُ على عقب) ، هو التأمل الخاص، وجهة نظر البرجوازي الصغير الذي , مهما يؤلمه ذلك , يكرّس النظام القائم .غير أن وراء كل ذلك , كان هناك ما هو مشترك : الانتماء لليسار الألماني , وإلى مشروعه الخاص بالهدم المنهجي , و برنو باور Bruno Bauer ( 1809-1882 فيلسوف ألماني ) الذي تعاون معه ماركس و مجموعة ( المنعتقين : هكذا ترجمت دار الفارابي الكلمة الفرنسية Affranchis , وهذه ترجمة غامضة , والصحيح في الألمانية Die Freien و في الأنكليزية The Free Ones , أي الأحرار : وهم : مجموعة من الشباب الهيجلي, تشكلت في جامعة برلين . كان زعيمها برونو باور )
والتي أنتمى اليها إنجلز في وقت من الاوقات…….م – 9

وهناك قبل كل شيء , هيجل الأب , الذي جرى التنكرّ له مرتين , في كل من :
الأناركية الفردية و المادية التاريخية.
والذي كان هو ذاته ( هيجل ) مزدوجاً double .


2. أناركية محاذية للماركسية , وهي البرودونية
( نسبة إلى برودون Pierre-Joseph Proudhon 1809-1865 , والذي يعتبر نفسه أول أناركي وهو الذي يقول عنه ماركس : لم يكتب برودون لصالح البروليتاريا حسب، بل كان هو نفسه بروليتارياً. كان عمله بيان علمي للبروليتاريا الفرنسية……..من سوء حظ برودون , لم يفهمه احداً في اوروبا ) .

وتعني هذه المرة ( الأخوة الأعداء falschen Bruders / false brother ) , كما رود في رسالة ماركس الى جوزيف فايدمير بتاريخ الأول من شباط عام 1859…..م – 10

وبعبارة أخرى, تعني مزاحماً لم تكف الشيوعية عن مجابهته في قلب الحركة العمالية.


3. أناركية ما بعد الماركسية و ضدها.
تُعتبر الباكونية ( نسبة الى باكونين ), ابناً ساقطاً من الوراثة , أو أبن عم يطمع في الوراثة, وذلك باسم شرعية أخرى , جيوبوليتكية Geopolitics  ( شرعية البلدان الأقل تطوراً , وشرعية الشعيلة travailleurs / workers الأقل بروليتاريةً ).


وإذا كان صحيحاً في نهاية الأمر أنه لا وجود , لمدونة أناركية , فإنه يظل صحيحاً بالمقدار نفسه, أن الأشكال الثلاثة:

(1) أناركية ما قبل الماركسية .
(2) أناركية محاذية للماركسية , وهي البرودونية
(3) أناركية ما بعد الماركسية و ضدها

تقدم أكثر من أوجه تشابه , ذلك أن علاقتها عضوية . فهي تشكل سلسة مترابطة , بشهادة ممثليها البارزين, وبوجه خاص, شهادة باكونين و شهادة خصومهم .

ويشدد إنجلز على ذلك في رسالة إلى Max Hildebrand بتاريخ 22 تشرين الأول 1889 , بالقول:
أن أناركية برودون التي لا قيمة لها والتي يقتصر معناها على أصل اللفظة أي ( غياب السلطة السياسية ) , لم يكن من شأنها قط أن تفضي إلى المذاهب الأناركية الحديثة , لو لم ينفخ فيها باكونين Bakunin , الكثير من روح التمرد الشتيرنري Stirnerian rebellion ( نسبة إلى Max Stirner )….م – 11


ثالثاً .

أن فترة مجابهات المبادئ ( الأيديولوجية الألمانية 1845 و بؤس الفلسفة 1847 ) , أعقبتها فترة المجابهات السياسية, التي بلغت ذروتها في الأعوام الأخيرة للأممية الأولى , مع النضال ضد تحالف الديموقراطية الاشتراكية الذي أسسه باكونين Bakunin .

ومنذ ذلك الوقت تطورت الأمور على على الأرضية المحددة لنضال الطبقات في أسبانيا بوجه خاص ( مقالة إنجلز : الباكونيون في العمل 1873 The Bakuninists at Work 1873 …..م -12

وخلال الفترة الطويلة الفاصلة بين الأمميتين , وأثناء المؤتمرات الأولى للأممية الثانية , ضد ما يسمى أحيانا ( الأناركية الشيوعية anarcho-communism.) والتي كان كروبوتيكين أحد ممثليها الأقوى نفوذاً
( Pyotr Alexeyevich Kropotkin 1842-1921 , ثوري وعالم واقتصادي وعالم اجتماع وفيلسوف روسي).


ومن هنا تعمقت الهوة بين الماركسية و الأناركية , والتي انتهت بإنجلز الى شجب الأنكارية , و وصفها ( كاريكاتير للحركة العمالية ) مدعومه مالياً من جانب حكومات أوروبا و أمريكا …...م – 12



إما مع لينين, فقد تفاقم الموقف أكثر , وهو يقوّم منذ بداية القرن العشرين , حصيلة أربعين عاماً من تاريخ الأناركية . مسجلاً عليها ثلاثة أشكال من عدم الفهم :

(1) حول أسباب ألاستغلال: يلاحظ لينين أن الأنكاريين لا يقدمون شيئاً حول الملكية الخاصة والاقتصاد السلعي. أن الأناركية هي ( فردية بورجوازية معكوسة ) لا تفهم شيئاً عن أيضاً عن السلطة السائدة.

(2) لتطور المجتمع , وبوجه خاص الانتقال الضروري من نمط الإنتاج الرأسمالي إلى الاشتراكية . ( (الأناركية هي نتاج اليأس. نفسية المثقف غير المستقر أو المتشرد وليس البروليتاري).

(3) لنضال البروليتارية الطبقي : نفي سياسية و تنظيم البروليتارية. و إجمالاً غياب أي عقيدة No doctrine , وإخفاق التجارب التاريخية , وخضوع لسياسة البرجوازية...م – 13

ويدمج لينين في كثير من الأحيان, الأناركية في التطرف اليساري أو الانتهازية , ليعاود بلا انقطاع الهجوم على جبهتين:

ضد مختلف تعبيراتها التاريخية .
و ضد ضلالاتها العقائدية ( العمل المباشر أو التعارض بين من هم في / الأسفل / ومن هم في / الأعلى/ ) .

وسيقوم لينين , ملحاً على واقع أن البلشفية كان عليها , أن تتشكل في النضال ضد الأناركية , سيقوم خلال الحرب الأهلية, بقمع تمرّد ماخنو Makhno movement , الذي كان يريد تنظيم تسيير ذاتي و ألغاء الأجور.
( Nestor Ivanovych Makhno 1888 – 1934 , الملقب بالأب .كان ثوري أناركي أوكراني وقائد لجيش أناركي في أوكرانيا من 1917- 1921.) .


وفيما كان لينين يواصل بدأب مطاردته لتأثير الأناركية داخل الحزب, فإنه لن يكلّ من أعلان :
أن الاناركية كانت في كثير من الأحيان , بمثابة نوع من العقاب للانحرافات الانتهازية في الحركة العمالية….م - 14


إما ستالين فقد كتب مقالة عام 1907 بعنوان : أناركية أم اشتراكية ؟ مؤكداً من البداية أن:
الاشتراكية تتألف من ثلاث تيارات أساسية: الأناركية والاصلاحية والماركسية…..م – 15



وسوف تصبح أحزاب الأممية الثالثة وريثة هذا التقليد, مرددة اللعنات , وبأشد الطرق تصلباً , في كل مرة واجهت فيها تهديدات الأناركية .
كان هذا هو الحال في فرنسا في ربيع 1968.

وربما كان تعايش الرايات الحمراء ( الماركسية) مع الرايات السوداء ( الاناركية ) في مظاهرات الشوارع ,التي استجدت مؤخراً , أكثر من مجرد رمز.


مصادر


Dictionnaire Critique du Marxime Paris, Presses universitaires de France, 1982

"معجم الماركسية النقدي"ترجمة دار الفارابي , بيروت 2003
1.

https://theanarchistlibrary.org/library/noam-chomsky-on-anarchism#fn_back1
2.

https://theanarchistlibrary.org/library/paul-feyerabend-against-method?fbclid=IwAR1avUk3j1vdgbasZxTz-Qqel-egvvD1nmc9Ah4PxM7eKQLMPnCdL5S9rz0#toc1
3.

http://www.hekmatist.com/Marx%20Engles/Marx%20&%20Engels%20Collected%20Works%20Volume%2050_%20Ka%20-%20Karl%20Marx.pdf

https://marxwirklichstudieren.files.wordpress.com/2012/11/mew_band39.pdf
4.

https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1905/nov/24.htm
5.

https://marxists.architexturez.net/archive/hess/1843/philosophy-deed/index.htm


https://www.marxists.org/deutsch/referenz/hessm/1843/21bogen/philthat.htm
6 .

https://www.marxists.org/archive/marx/works/1872/03/fictitious-splits.htm
7.

https://www.persee.fr/doc/raipr_0033-9075_1977_num_44_1_1905_t1_0126_0000_3
8.

https://www.marxists.org/archive/marx/works/1859/critique-pol-economy/preface.htm
9.

Karl Marx und Friedrich Engels Leben und Werk : 3. Band: 1845 - 1846
أوغست كورنو: "ماركس وانجلز-حياتهما وأعمالهما الفكرية" أربعة مجلدات ، ترجمة كل من جورج طرابيشي والياس مرقص دار الحقيقة بيروت 1971-1975
10.

https://marxists.catbull.com/archive/marx/works/1859/letters/59_02_01.htm
11.

http://www.hekmatist.com/Marx%20Engles/Marx%20&%20Engels%20Collected%20Works%20Volume%2048_%20Ka%20-%20Karl%20Marx.pdf
12.

https://www.marxists.org/archive/marx/works/1873/bakunin/
13.

https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1901/dec/31.htm
14.

https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1920/lwc/ch04.htm
15.

https://www.marxists.org/reference/archive/stalin/works/1906/12/x01.htm