درس في الديموقراطية


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6630 - 2020 / 7 / 28 - 20:44
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

كتب الدكتور طلال الربيعي يترجم مقالاً بعنوان "ستالين ومعركة البروليتاريا من أجل الديموقراطية" فكان أن تنطح له الزيرجاوي وهو يعمل عمل الجواسيس من أعداء الشيوعية دون أجر متمثلاً بالجاسوس التروتسكي جورج أورويل الذي فضحته جريدة النيويورك تايمز قبل سنوات قليلة كجاسوس لل (MI5) في الحرب الأهلية في اسبانيا ثم لل (MI6) وهو على فراش الموت يرسل صديقته تحمل رسالة منه إلى مكتب مقاومة الشيوعية (MI6) الذي أسسة الجاسوس بأجر للإستخبارات الأميركية إرنست بيفن (Ernest Bevin) وزير خارجية حكومة العمال، وفي الرسالة أسماء جميع الشيوعيين الذين عرفهم اورويل في اسبانيا وفي بريطانيا . تنطح الزيرجاوي متمثلاً بالجاسوس جورج اورويل وكتب استشهادات من جملة من أعداء الشيوعية تحت عنوان "ستالين والديموقراطية" مسترشدا بقول للجاسوس اورويل يقول فيه .. "نقد روسيا وستالين هو دلالة الأمانة الفكرية" !! ليس ما يثير القرف من مثل جاسوس يختبئ في جحر تحت الأرض في لندن تحت قصف طائرات هتلر يكتب مزرعة الحيوان (Animal Farm) يشبه الروس بالحيوانات مستعيرا هذا التشبيه من أفواه جنود النازي حيث الجنود السوفيات لا يتراجعون في الحرب وهم الذين "قدت قلوبهم من الفولاذ" كما حفر الملك جورج السادس على سيفه الذي أهداه لجنود ستالينجراد، ووقع الملك مذكرة مع رئيس وزرائه ونستون تشيرتشل إلى ستالين في ديسمبر 43 تقول .. "لن تنسى شعوب يريطانيا مدى الحياة أفضال الجيش الروسي في الحفاظ على حريتها" . كان ذلك متزامناً مع نص اورويل، فمن هو الحيون الملك جورج والرئيس تشيرتشل أم التروتسكي الجاسوس جورج أورويل الذي يتمثل به الزيرجاوي !!؟

أنا ومنذ سنوات عديدة أقاطع الزيرجاوي، لا أحفل بكتاباته ولا أرد على تعليقاته وذلك ليس لأنه ورّاق لا يفهم ما يقرأ فقط بل لأنه أيضاً يتعدى حدود الأدب في المخاطبة . لكنني وجدت نفسي مؤخراً مضطراً لأن أعلق على مقالته "ستالين والديموقراطية " ليس لأن الوراق الزيرجاوي لا يفهم الديموقراطية، وهو أمر من طبيعة الوراقين، بل لأن موضوعة الديموقراطية تشكل طلسما على كافة المتثاقفين العرب فلم يجرؤ أحد منهم أن يواجه التحدي الذي طرحته بوجههم ويقوم بتعريف الديموقراطية دون أن ينبس أحدهم بحرف باستثناء الزيرجاوي الذي عرّف ما لا يعرف .
للديموقراطية أهمية قاطعة طالما أنها المفتاح الوحيد للعلوم السياسية بمختلف ألوانها ودرجاتها . وعليه فإن جميع الذين كتبوا في السياسة دون امتلاك مفتاحها وهو الديوقراطية فهم ليسوا إلا أفاقين أوغادا . هذا ما يرتب علي أن أعلم هؤلاء الأوغاد درساً في الديموقراطية .
الديموقراطية هي ذاتها وسائل القهر والقمع التي تتحوط عليها الدولة لاستخدامها في الحفاظ على الحقوق والأنصبة المحددة في النظام الاجتماعي ومثبتة في الدستور والقوانين . لذلك كانت الديموقراطية في أثينا وفي روما في عصر العبودية غير الديموقراطية في عصر الإقطاع كما في الوثيقة العظمى (Magna Carta) 1215 غيرها في عصر الديوقراطية البورجوازية كما في انجلترا منذ 1688 .
يعتقد العامة وألشيوعيون العرب منهم أن الدولة وما تمتلك من أدوات قهر وقمع هي التي نوزع الحقوق بالشكل المناسب لسادتها وهي التي تحافظ على استمرار هذا التوزيع وثباته . نعم، الوظيفة الكليّة للدولة على اختلاف مؤسساتها وأنشطتها المتناقضة ظاهرياً أحياناً إنما هي قصراً الحفاظ على توزيع الحقوق والأنصاب القائم بين الطبقات والمواطنين، لكن ليس هي الدولة التي توزع وتقرر تلك الحقوق والأنصاب بين الطبقات والمواطنين . أدوات الإنتاج هي التي تقرر توزيع الحقوق في مختلف المجتمعات ؛ أدوات الإنتاج التي تقرر أيضاً ما يلزمها من قوى العمل لتشغيلها . العلاقة الديالكتيكية بين أدوات الانتاج من جهة وقوى العمل من جهة أخرى هي حصراً مفاعل التطور الإجتماعي . مفاعل التطور الإجتماعي لا يتوقف عن العمل، وحين تصطدم أطر النظام الاجتاعي القائم بفعل تطوره فمصير هذه الأطر التفكك وقيام نظام اجتماعي جديد يلغي منظومات الحقوق القديمة ويخلق منظومات حقوق جدبدة وتقوم دولة جديدة تحافظ على منظومات الحقوق الجديدة بديموقراطية جديدة خاصة بها .

مما تقدم يمكن تعريف الديموقراطية على أنها السياسات التي تنتهجها الدولة بهدف الحفاظ على منظومات الحقوق القائمة بدعوى الشرعية في الدولة المعنية .
تنعدم الديموقراطية في دولة المافيا طالما أن هذه المافيا تعبث بالحقوق الشرعية التي ترتبها أدوات الإنتاج وتقترف شتى الجرائم لتغتصب حقوقاً ليست لها كعصابة حافظ الأسد وصدام حسين ومعمر القذافي، والقائمة تطول في العالم العربي ,

محاكمة ستالين في محكمة الديموقراطية أمام قاض متفقه بقواعد الديموقراطية وأحكامها لن يتردد ذلك القاضي في رفض هذه القضية بسبب عدم الإختصاص طالما أن ستالين يؤكد أن ليس في دولته، دولة دكتاتورية البروليتاريا أية حقوق فالبروليتاريا وحالما تؤول إليها السلطة تنكر كل الحقوق بما في ذلك حقوق البروليتاريا نفسها . ولذلك تفتقد دعوى الديوقراطية كل سند لها في المجتمع الإشتراكي . وبافتراص أن أحدهم أنكر على البروليتاريا الحق في إنكار حقوقه فيلزم تنبيه هذا المواطن إلى أن البروليتاريا لا تمارس حقاً في إنكار حقوقه طالما أنها تنكر على نفسها كل الحقوق . التطور الإجتماعي افتضى البشرية في نهاية التاريخ الذي امتد عشرات القرون أن تدخل مرحلة دكتاتورية البروليتاريا من أجل أن تلغي مختلف منظومات الحقوق وهو المعبر الوحيد للشيوعية .
وهكذا لا يُسأل ستالين عن الديموقراطية فتاريخ ستالين تجاوز الديموقراطية بمعناها العلمي المتواجد في المجتمعات الطبقية حيث الحقوق المتباينة المختلفة، أما المجتمع الاشتراكي فليس لأي مواطن فيه أية حقوق حتى لنفس ستالين وهو ما دعاه لأن يقول .. "أنا لا أعمل بغير تنفيذ الأوامر التي تأتيني من تحت" . تلك هي "الديوقراطية" الني لا تناظرها أي من الديموقراطيات السالفة .