مع احمد راضي انتهكت حقوق المريض تماما، فكيف بانسان (عادي)؟


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 6612 - 2020 / 7 / 7 - 13:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لم اكن انوي ابدا الكتابة عن وفاة النجم الدولي السابق لكرة القدم، احمد راضي، ولكن اطلعت يوم امس على فيدو، فوجد من الصعب السكوت عنه. يظهر الفيدو طبيب هو على الارجح مدير مستشفى النعمان في بغداد، الدكتور صلاح العزي مع فريق طبي بجانب السرير الذي كان يرقد عليه راضي وهو يتعالج من كوفيد-19 ليرد على " ادعاءات بعض الفضائيات حول التقصير ونقص ادوية بسيطة مثل البراسيتامول". يكشف هذا الفيدو الذي يبلغ حوالي 6.5 دقيقية عن التقهقر الفظيع الذي فرضته السلطة الطائفية- القومية على المجتمع في العراق. اذ يكشف عن كل ما على الكادر الطبي عدم القيام به تجاه المريض وعن تجاوزات فاضحة على معظم حقوق احمد راضي كمريض وعن الثقافة المتخلفة التي تطغي على الميدان الطبي فيما يخص حقوق المريض.
في البداية، يجب ان اتطرق الى حقوق المريض المتفق عليها بشكل عام لكي نعرف ماهي الحقوق التي تم التجاوز عليها من خلال هذا الفيدوالقصير. الحقوق بشكل مختصر هي : 1- الحق المريض في الحصول على الخدمات والرعاية الصحية والعلاجات التي تلبي حاجته الشخصية. 2-حق السلامة، اي حق الحصول على رعاية صحية امنة وعالية الجودة تفي بمعايير البلد او العالمية. 3- حق الاحترام، اي ان يعامل المريض كفرد وبكرامة واحترام، والاعتراق بمعتقدات وخيارات الفرد واحترامها. 4- حق الشراكة، اي ان يكون للمريض الحق في طرح الاسئلة والتواصل مع الكادر الصحي ومقدمي الرعاية الصحية بشكل مفتوح وصريح وان يكون شريك في اتخاذ القرارات بقدر الذي يختاره المريض والقادر عليه. 5- حق الحصول على المعلومات، اي حصول المريض على معلومات واضحة عن حالته والفوائد والمخاطر المحتملة من الاختبارات والعلاجات المختلفة حتى يتمكن من الموافقة عليها عن علم. 6- حق الوصول إلى المعلومات الصحية الشخصية، اي ان يخبر المريض إذا كان هناك شيء خاطئ أثناء رعايته الصحية ، كيف حدث ، كيف يمكن أن يؤثر عليه وما يتم القيام به من اجل جعل الرعاية امنة. 7- حق الخصوصية، اي احترم خصوصية المريض الشخصية والاحتفاظ بالمعلومات عن المريض وعن صحتيه آمنة وسرية. 8-حق تقديم ملاحظات أو تقديم شكوى دون التأثير على الطريقة التي يعالج بها المريض والرد على تلك الملاحظات والشكاوى بطريقة شفافة وفي الوقت المناسب. 9- حق المريض بان لايستغل باي شكل من الاشكال.
يتبين بان مقطع الفيدو هذا استخدم كوسلة دعائية، ربما دعاية سياسة ومهنية، حيث تم استغلال احمد راضي من اجل هدف غير متعلق بصحته والرعاية الصحية التي احتاجها. ومن الواضح جدا من الفيدو بانه لم يتم الحصول على موافقة راضي ، حيث بدا الى حد ما مذهولا، وغير راغب في الكلام والمشاركة في هذا الموقف المصطنع. ان استخدام مريض ايا كان للدعاية ، سواءا كانت سياسية او مهنية او شخصية هو اسوا شئ يمكن ان يقوم به مقدم رعاية صحية ، اذ يتجاوز بشكل فاضح معظم حقوق المريض التي اوردتها اعلاه.
تبين لا من الفيدو، بل من تصريحات مدير مستشفى النعمان في وقت لاحق، بان احمد راضي ازال جهاز الاوكسجين من وجه ودخل الحمام مخالفا للنصيحة الطبية ، فوجد فاقدا للوعي في الحمام بعد عشر دقائق. لنفترض بان هذا الادعاء الذي استخدم كتبرير لكون سبب الوفاة هو نتيجة عدم التزام احمد راضي بالنصيحة الطبية هو امرا صحيحيا، فان هذا الحدث في الحقيقية يدل بان الرعاية الصحية التي كان يحصل عليها احمد راضي لم تكن تلبي حاجته الشخصية. اذا كان وضع احمد راضي بالخطورة بحيث يفترض عليه عدم الذهاب الى الحمام بدون اوكسجين، اذن كان يتوجب ان يكون هناك شخص موجود في كل لحظة يوضح لاحمد خطأ مثل هذه الخطوة ، واذا اصر على القيام بما هو ضد النصيحة الطبية، فكان على الكادر الصحي ان يراقبه لحظة بلحظة، وليس ان يكتشفوه ميتا بعد عشر دقائق . ان القاء اللوم على المريض هو شئ غريب و مثير للشفقة.
كما ان الكشف على قناة تلفزيونية عن وجود احمد راضي في مستشفى النعمانية، وهو فوق هذا شخصية عامة، هو خرق لحق السلامة. ليس بالضرورة سلامة الرعاية الصحية، بل قد يكون كشف مكان تواجد المريض في حالات معينة بمثابة تعريضه للخطر لاسباب سياسية او شخصية. كما تبين من الفيدو حيث يقوم الطبيب بقراءة قائمة كل الادوية على "طبلة" احمد كدليل على عدم وجود اهمال او نقص في الادوية بانه كان يستلم من بين عقاقير اخرى عقار الامينوفيلين وعقار الكلووركوين. من المعروف ان كلا العقاريين تحدث اضرابات في نبضات القلب، بعضها قد تكون قاتلة. وهناك اسباب تجعلنا نعتقد بان وفاة احمد راضي ربما كانت بسبب اضطراب في نبضات القلب. فحسب رواية المستشفى، فان احمد راضي كان في وضع يمكنه من ازالة جهاز الاوكسجين لدخول الحمام ولكن وجد بعد 10 دقائق فاقدا للوعي. ان مثل هذا السيناريو يجعل من انحفاض في اوكسجين الدم بسبب اصابة الرئة كسبب للوفاة حسب ادعاء المستشفى شئ اقل احتمالا. ان خلط عقار الامينوفيلين مع عقار الكولوركوين هو شئ يصعب تبريره. استخدم الكلوكوين في البداية في الكثير من الدول قبل ثبات فعاليته بشكل قاطع ولكن خلطه مع الامينوفيلين الذي توقف استخدامه في معظم الدول يخل بشروط السلامة بدون شك.
كما لم يعامل احمد راضي في هذا الفيدو باحترام. فمن جهة يتبين بانه لم ياخذ رأيه كطرف اساسي في تسجيل الفيدو، ومن جهة اخرى يعرض هذا الفيدو راضي في وضع ضعف خالي من الاناقة في وقت انه يعرف عنه اهتمامه بالاناقة والمظهر.
كما لم يتم في هذا الفيدو تقديم اي معلومات حقيقية الى المريض عن حالته الصحية وعن الادوية التي كانت تعطى له وعن مخاطرها وفوائدها او شئ اخر يتعلق بالرعاية الصحية المقدمة له، في حين ان اي لقاء بين مقدم الرعاية الصحية والمريض يجب ان يكون مناسبة لتقديم المعلومات الى المريض. وبهذا، فان الفيديو يبين ايضا بان راضي لم يكن شريك في القرارات التي كانت تؤخذ فيما يتعلق بالرعاية الصحية التي كان يتلقاها.
و يبين هذا الفيدو بان الطبيب قد خرق حق الخصوصية بشكل فاضح. فمن اجل الرد على " ادعاءات بعض الفضائيات" قد كشف على قناة تلفزيونية للعالم كله معلومات خصوصية جدا عن حالة المريض الصحية مثل رقوده في المستشفى ومعاناته من ضيف في التنفس ومعدل الاوكسجين في دمه وكوكتيل الادوية التي كان عليها الخ. في حالات معينة قد يشكل الكشف عن حالة المريض ضربة ليس لخصوصيته فحسب، بل لفرصة الحصول على وظيفة وضمان صحة الخ.
هذا ليس الفيدو الوحيد التي وجدته في هذا المجال التي يشمأز منه الانسان، بل ان هذه الظاهرة اصبحت شائعة، فهناك الكثير من الفيدوهات التي تهط من كرامة المريض وتتجاوز على خصوصيته وعلى حقوقه الاخرى بشكل واضح وهي تنشر على اليوتيوب دون موافقة المريض لكي تبقى هناك الى الابد ليطلع علهيا كل من يريد.
التجاوز على حقوق المريض يحتاح الى بحوث مطولة، اذ ان العلاقة بين المريض والكادر الصحي خاصة الاطباء في بلد مثل العراق هي علاقة غير متكافئة. اذ يعامل المريض عادة بشكل فوقي وخالي من الاحترام، ويعتبر التجاوز على المريض لفظيا شيئا مقبولا. فكثيرا ما نسمع عن اطباء مشهورين ومتمكنين في اختصاصاتهم ولكن معروفين بخشونتهم وفظاظتهم تجاة المرضى. وتعتبر التجاوزات الجنسية على المريضات او مرافقات المرضى واستغلال المرضى ماديا الخ كلها امور شائعة الى حد مذهل. ترتقي الانتهاكات التي تمارس بحق المرضى في المستشفيات في العراق وخاصة التجاوزات الجنسية ضد النساء الى جرائم لايمكن لاي مجتمع انساني قبولها.
الانحطاط الذي كشف عنه هذا الفيدو يعكس التراجع الذي فرض على المجتمع العراقي في العقود الاخيرة نتيجة للحروب والحصار والاستبداد وما رافقها من نشر قيم واخلاق رجعية ومتخلفة ودخيلة على المجتمع الانساني. فالانهيار في مجال حقوق المريض هو جزء من الانهيار الشامل، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحقوقي الذي فرض على المجتمع.
ان وضع حد للتطاول على حقوق المريض مرتبط بتغير كل الواقع المتخلف الذي فرض على المجتمع في كل المجالات و بتغير السلطة السياسية الطائفية –القومية الميليشائية. بدون كنس هذه السلطة المغرقة في الرجعية، لايمكن تحقيق حقوق المريض كجزء من حقوق الانسان.