الفأس والرأس .


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6609 - 2020 / 7 / 4 - 17:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

التقي رئيس الدولة يوم 1 جويلية 2020 الأمين العام لاتحاد الشغل ، وذلك بعد أيام قليلة من تجمع عمالي ضخم التأم في صفاقس ، ألقى خلاله نورالدين الطبوبي خطابا هاما ، قال فيه إن المعركة بين الاتحاد وأعدائه معركة كسر عظم ، وأنه بينه وبينهم دم ، متوعدا بالذهاب الى قصر باردو والاعتصام أمامه لتعديل البوصلة والدفاع عن السيادة الوطنية وصيانة الحقوق والمكاسب الاجتماعية . وهو الخطاب الذي سرعان ما تم الرد عليه بالتلويح باغتياله .
خلال اللقاء حرص الرئيس على الدمج بين العقل والإرادة ، فالعقل يقول قارع الحُجّة بالحُجّة عند الاختلاف ، بينما تقول الإرادة سر في طريقك ولا تشغل نفسك بالتهديدات فأنت مشروع شهادة ، واللافت أنه تكلم بصيغة الجمع في حضرة الأمين العام للاتحاد ، بما يعني أنه وضع نفسه وإياه في نفس المركب ، فالموت لا يخيفنا كما قال وللجبناء اطلاق تهديداتهم فهي لا ترعبنا ، مُضيفا أن الشعب سيحقق كرامته رغم مناورات أعدائه الحالمين بتفجير الدولة ـ التي تعني عنده الوطن ـ من داخلها بما يفهم منه ادراكه أن العدو لا يُخيم في الجبال فقط وإنما يسكن القلعة ، فقد يكون في برلمانها أو في حكومتها أو في بلدية من بلدياتها... مُتحينا الفرصة لتحويلها الى رماد.
أمين عام الاتحاد تكلم هو الآخر عقلا تارة وإرادة تارة أخرى ،قائلا إنه لا يُصغي الى المناكفات وأن الاتحاد له حججه وملفاته جاهزة لمن يريد الاطلاع عليها ، وهولا يطلب غير حقوق الكادحين، أما التهديدات بالاغتيال فهي آخر ما يفكر فيه. وبعد اللقاء قال إنه يثق في الرئيس ، فهو صوت الحكمة والعقل ومن سيحاول حل المشكلة الاقتصادية الاجتماعية ، بما يُؤدي الى حل بقية المشاكل .
وعندما يتكلم رئيس دولة وأمين عام أكبر منظمة نقابية على هذا النحو، نستنتج أن الوضع في تونس خطير، وهناك فأس مُشرعة قد تقع بين الفينة والأخرى في الرأس ،لذلك وصف زعيم المنظمة النقابية ذلك الوضع قبل اللقاء بالخطير والخطير جدا ، داعيا الى الاستفاقة من الغيبوبة قبل فوات الاوان.
وليست هذه المرة الأولى التي تلتقي فيها قرطاج ببطحاء محمد علي ، فمنذ أشهر ارتسمت ملامح تحالف بين الطرفين وازدادت الآن قوة مع استهدافهما من طرف اليمين الديني الذي يشن ضدهما حملة شعواء ، فالاتحاد فاسد وهو وكر لليساريين ، وقيس سعيد خادم لإيران حينا وفرنسا وروسيا حينا آخر ،غير أن تلك الحملة متناقضة فحركة النهضة التي تؤاخذ سعيد بخصوص تصريحه حول الحماية والتفريق بينها وبين الاستعمار هي نفسها التي رفضت التصويت على لائحة مطالبة فرنسا بالاعتذار عن غزوها لتونس ، وهي التي تبرر للأتراك غزوهم تونس سابقا وليبيا ماضيا وحاضرا ، أما ائتلاف الكرامة الذي يشاركها ذلك التناقض فإنه يتهم الاتحاد بالفساد وفي نفس الوقت يتحالف مع حزب قلب تونس ويعقد معه ندوة مشتركة ، بينما كان يصفه بكبير الفاسدين ، ويبدو أن هذا الحزب لا يصدقه وقد يرميه بين لحظة وأخرى بعيدا عنه لإدراكه أنه لا يساوى فلسا واحدا في بورصة السياسة التونسية وأن ضرره أكبر من نفعه .
ومن المرجح أن اليمين الديني بوجهيه يتوخى تقاسم الأدوار، فبينما تسعى النهضة الى الظهور بمظهر الإسلام الديمقراطي الرصين والمسؤول ، تحقيقا للمقبولية في المحافل الدولية ، فإنها تترك المجال للائتلاف كي يلعب داخليا ورقة الشعبوية الاسلاموية لاستعادة الخزان الانتخابي الذي أفلت في السنوات الأخيرة من يدها ، لذلك تكلفه بالمهام القذرة مثل شيطنة الاتحاد ومؤسسة الرئاسة التي حاولت عبثا ترويضها ، ومن هنا فإن التكتيك المعتمد هو العمل بقفازين واحد من حرير والأخر من حديد ، فالائتلاف يمثل بالنسبة الى النهضة من حيث الدفاع ممتص الكدمات أما من حيث الهجوم فهو مخلب يلحق بالعدو الجراحات والطعنات القاتلات .
وغير خاف وجود قوى عربية وإقليمية ترعى هذا التكتيك وتحرص على نجاحه ، وهو يكاد يكون نسخة طبق الأصل لتكتيكات مماثلة مورست في أقطار أخرى مثل مصر، التي كانت ضحيته لبعض الوقت قبل أن يؤدي الى هلاك أصحابه ، لذلك نبه أمين عام اتحاد الشغل الى وجود قوى اقليمية وصناديق تمويل تشير علي هؤلاء بضرورة تفتيت المنظمة الشغيلة وضربها لكونها مثلت حتى الآن الصخرة التي تحطمت عليها موجات السيطرة على تونس موجة بعد موجة ، غير أن ما فشل في تحقيقه بورقيبة وهو في قمة قوته ومجده لن ينجح فيه هؤلاء .
وبينما يبدو اليمين الديني الآن في حالة هجوم مُستقويا بتطورات الوضع الليبي حيث الحضور التركي المتعاظم ، فإن قرطاج وبطحاء محمد على في حالة دفاع وهما يعانيان خاصة من ضعف اعلامي مُريع ، كما من تردد في خطة المواجهة ، فالأمين العام للاتحاد يريد الذهاب الى باردو ولكن دون مطلب إسقاط البرلمان، أما الرئيس فهو لا يزال يعتقد أن تغيير القوانين كفيل بتحقيق مطالب الشعب الاجتماعية ، و مع مرور الوقت ستفرض المعركة نفسها باعتبارها أولا وأخيرا سياسية .