السياسيون الأفّاقون الأوغاد


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6603 - 2020 / 6 / 27 - 20:42
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

السياسيون الأفاقون الأوغاد
لم تكد شمس الرأسمالية تعلو الأفق قليلاً حتى ظهر في ألمانيا عالمان عبقريان في الفلسفة
وعلم التاريخ، كارل ماركس وفردريك إنجلز، وتشاركا في إعلان البيان الشيوعي (Communist Manifesto) في العام 1848 أكدا فيه أن التناقض الرئيس في بنية النظام الرأسمالي العالمي – وهو أول نظام عالمي تنتهجه البشرية جمعاء – هو التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، بين العمال من جهة والرأسماليين من الجهة المقابلة، وهو التناقض الذي يكتب تاريخ البشرية بحروف دموية بارزة حتى النهاية بعد أن تنتظم البشرية جمعاء في الحياة الشيوعية .

نشاط الإنسان حيثما يعمل وحيثما بعيش لا يجوز الإفتراض، مجرد الإفتراض، أن ذلك قد يتم خارج إطار هذا التناقض الرئيسي في النظام الرأسمالي طالما أن الإنسان نفسه يستدر معاشه من هذا النطام . يعي الإنسان أم لا يعي أن جميع الأعمال التي يقوم بها وكل الأفكارالتي تخطر له ويتبنى بعضها لا بدّ وأن تكون بمختلف أطيافها ذات علاقة بالتناقض الرئيس في النظام الرأسمالي فإما أن تكون على المحور السلبي أو على المحور الإيجابي .

الحقيقة الأساس التي يتناساها سياسيو العصر وهي أن النظام الرأسمالي نظام عالمي له مركز وأطراف ؛ كان قد بدأ متمركزاً في بضع دول في أوروبا الغربية، أما باقي دول العالم فهي أطراف تابعة لدول المركز . في عشية الحرب العالمية الأولى كانت بضع دول امبريالية تحتل كامل سطح الكرة الأرضية تقريباً . يضاف إلى ذلك أن المراكز الرأسمالية متناقضة، ينقض أحدها الآخر بسبب التفاوت في التنمية مما يستدعي تعديله حرباً كبرى يروح ضحيتها عشرات الملايين من أبناء الشعوب المقهورة .

من الحقائق الأولية التي بنى عليها ماركس نظريته العبقرية هي الوحدة العضوية للعالم في ظل النظام الرأسمالي، ولذلك بنى ماركس مشروعه الثوري العالمي على عمال العالم متحدين (يا عمال العالم اتحدوا !!) ليقوموا بثورة دائمة (Permanent) لا تهدأ قبل أن يدخل العالم، كل العالم، في مرحلة الحياة الشيوعية ؟
وزاد لينين في تأكيد الوحدة العضوية للعالم عندما كتب في رسالته الشهيرة إلى شعوب الشرق يقول .. "إذا كان ماركس قد قال يا عمال العالم اتحدوا أما أنا فأقول يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا !!" .
ما يلزم الإشارة إليه هنا هو أن ماركس ولينين لم يناشدا عمال العالم وشعوبه المضطهدة لخلق وحدتهم غير الموجودة أصلاً في النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي بل ليعوا وحدتهم الموجودة أصلاً حيث استغلال العمال في المركز الرأسمالي هو ما يؤدي إلى استغلال الشعوب في المستعمرات . ولما كان العدو هو نفسه في الحالتين فلا بد أن بحارب العمال في العالم والشعوب المضطهدة في المستعمرات في جبهة واحدة .
تبدت وحدة العالم بصورة صارخة في نتائج الحرب العالمية الثانية وقد انتهت الحرب ببروز الإتحاد السوفياتي كقوة عظمى تقرر مصائر العالم . تبعاً لتلك الحقيقة هبت شعوب آسيا وأفريقيا ثائرة تطالب بالإستقلال فكان أن تحررت جميع المستعمرات ما بين 1946 و 1972 حين أصدرت الأمم المتحدة إعلانا يؤكد إنتهاء كل أثر للإنبريالية في العالم مما اقتضى حل لجنة تصفية الاستعمار التابعة لها . عندما قال ستالين في المؤتمر العام التاسع عشر ببحزب في أكتوبر 52 .. "أن النظام الإمبريالي سينهار في وقت قريب" لم يكن يرجم في الغيب . لا بل تأخر الإنهيار بضع سنوات بسبب انحراف خروشتشوف وتصالحه مع الدول الإمبريالية .
ومرة أخرى تأكدت الوحدة العضوية للعالم حيث بعد أن بدأ الحزب الشيوعي السوفياتي مساره الخياني، خيانة الثورة الاشتراكية في العام 1953 سرعان ما انهارت العوالم الثلاث الموروثة عن الحرب العالمية الثانية ليقوم اليوم عوضاً عنها عالم مسطح يصفه السياسيون المفلسون بالعولمة الرأسمالية مع أن ألفباء علم الإقتصاد تقول أن النظام الرأسمالي بات تحت التراب في سبعينيات القرن الماضي .

فيما قبل انهيار العوالم الثلاثكان كل نشاط سياسي لا بدّ له من أن يتوضع في إحدى الجبهتين المتصارعتين دون توقف وحالتئذٍ لا بد للسياسي من أن ينسّق نشاطه مع الأمر اليومي الذي يأتيه من علٍ من عيئة رئاسة أركان الجبهة . مجموعة دول الحياد الإيجابي لم تكن تحارب في جبهة ثالثة محايدة كما ادعت بل كانت تحارب في الجبهة الإشتراكي لا بل في مقدمة الجبهة الإشتراكية حيث انهارت الجبهة الرأسمالية الإمبريالية في مواجهة مباشرة مع قوى التحرر الوطني العائدة لدول عدم الانحياز .|

أما فيما بعد انهيار العوالم الثلاث، في عالم مسطح لا صراع فيه فكيف للإنسان أن يتمثل السياسة وما تقتضيه السياسة من الولوج في صراع مع الأعداء الطبقيين!!؟
الإشتراكيون والرأسماليون أجروا مصالحة مع طبقة البورجوازية الوضيعة في العالم ونسوا حربهم المصيرية وكأنها لم تكن .
فلول بعض السياسيين العجائز عزّ عليهم أن يفقدوا تاريخهم الحربي فتعزَوا بابتداع عدوٍ من ماضيهم المنصرم وأشهروا سيوفهم في وجهه . مجندو الإمبريالية اختاروا ستالين ليس بلا سبب وألقوا بكل زبالتهم على قبره علما بأن ستالين شخصياً هو من حمى الدول الرأسمالية من غول النازية باعتراف أساطين الرأسمالية أنفسهم .
أما فلول الشيوعيين الذين تصالحوا مع البورجوازية الوضيعة فلم يعزيهم بعد أن فقدوا تاريخهم السياسي غير الإدعاء بأن الإمبريالية لم تهلك بل هي التي انتصرت في صراعها ضد الثورة البلشفية دون أن يعي هؤلاء الأفاقون الأوغاد أن بادعائهم مثل هذا الإدعاء فهم إنما بستنكرون تاريخهم ولا يفقدونه فقط، ولذلك هم لا يستحقون التعزية إذ من المفترض أنهم سعداء بفقدان الثورة البلشفية المنكرة .

بناء على ما تقدم يترتب على مختلف السياسيين بمختلف أطيافهم أن بحددوا طبيعة النظام الدولي القائم والتناقض الرئيس فيه محرك تطوره وبغير ذلك فإنما هم أفاقون وأوغاد .