كإفريقي وكإنسان أتحدث


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 6598 - 2020 / 6 / 20 - 16:36
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

النخب الأوربية المهيمنة التي تتأفف الآن من الإرهاب الشرق أوسطي ، وتلزم أنظمة شمال أفريقيا بتأدية واجب حماية شواطئها الجنوبية مما تسميه بالهجرة الغير شرعية ، وأوربا التي تتصاعد داخلها الآن تيارات شعبوية عنصرية تري أن الرجل الأبيض هو الصانع المركزي للحضارة الإنسانية ، وأن ماعداه من أبناء شعوب اللون غير الأبيض هم أغبياء وكسولين ومتخلفين ومتطفلين علي الرفاهية التي صنعها الرجل الأبيض ..
الأوربيون الذين يروجون لذلك الآن عليهم أن يدركوا أن هناك حقائق عنيدة لابد أن يقف عليها الضمير الأوربي المعاصر .
، ومنها مثلاً :
أن الحضارة الإنسانية سياق متصل عبر تيار متدفق يبدأ من المراكز الحضارية القديمة في كل من مصر القديمة وبلاد الرافدين و الصين كمضخات لتيارات عظيمة من الحضارة الإنسانية التي انتقلت تياراتها للمراكز الحضارية الإغريقية والتي ساهمت في تدفق تيار الحضارة الإنسانية إلي أوربا .. لنصل لنتيجة مؤداها أن الحضارة الإنسانية لاتدين بالفضل إلي جنس فريد أو شعب وحيد .. بل إلي كل الإنسانية ..
وأن أبناء أوربا من المستعمرين الأوائل منذ أن رست سفنهم الملاحية في القرن السادس عشر علي شواطئ علي أراضي أفريقيا ظلوا - لأكثر من ثلاثمائة عاماً - يقومون بنزح معادنها وزراعاتها وخيراتها ويسوقون الملايين من فلذات أكباد أبنائها عبيداً إلي مزارعهم في أمريكا ، وهذا مالعب دوراً مفصلياً في تراكم الثروات في أوربا وأمريكا الذي اكتشفها المستعمر الأوربي فيما بعد ، ولعب دوراً هاماً في بلوغ أوربا عصر النهضة والإكتشافات العلمية التي أدت إلي هيمنة ظاهرة الإستعمار الكلونيالي في القرنين التاسع عشر والعشرين ، بينما قتلت هذه الظاهرة إمكانات التطور عند شعوب العالم التي تم تجريف ثرواتها الطبيعية ونزحها إلي أوربا وهي عملية لم تتوقف حتي اليوم ..
يجب علي الضمير الأوربي أن يتوقف بالقراءة عند حقيقة أن الإستعمار الكلونيالي الأوربي قد مارس أبشع أنواع الظلم ضد شعوب أفريقيا وبقية شعوب العالم المستعمرة حين عمل علي تمزيق هوية أبنائها عبر تكريس الشعور بالهزيمة الحضارية لدي أبناء هذه الشعوب ، وتكريس الشعور بالإغنراب الإنساني ، ودفع شباب وفتيات ورجال هذه الشعوب إلي دوامة من الصراعات العرقية والدينية ، وتشجيع ورعاية ودعم جماعات دينية متطرفة كالوهابية في الجزيرة العربية ، والجماعة الإسلامية في الهند ، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر ، وكثير من الجماعات العرقية في وسط وجنوب أفريقيا ، فضلاً علي هذا ذلك التشويه المتعمد للهوية ، والذي مارسه المستعمر الأوربي في العديد من الدول خاصة في الشام وشمال غرب أفريقيا ، وهو ماساهم ميراثه اللعين في ظاهرة الطرح الحاد للهوية في تلك البلدان ..
ثم كانت الطامة الكبري بإنتاج الحركة الصهيونية كحل لصداع المسألة اليهودية الأوربية ، وتنظيم عملية تهجير اليهود الأوربيون الفقراء المهزومين حضارياً إلي فلسطين واستغلالهم في تصعيد الأوهام والأساطير التوراتية في أرض الميعاد إلي العمل نحو إنشاء دولة يهودية في فلسطين علي حساب سكانها العرب ، وهذا ماأشعل نيران الحروب الشرق أوسطية فيما بعد وساهم في تغذية وازدهار وصعود تيار الإصولية الإسلامية مع توالي الهزائم العربية أمام العصابات الصهيونية ونجاحها في تأسيس الدولة الصهيونية علي أيدي الصهاينة الأوربيون ، وبدعم استعماري أوربي علي كل الأوجه ..
ذلك كله لخدمة هدف استراتيجي مهم هو ضمان هيمنة الإستعمار الكلونيالي هلي هذه الشعوب ، ومن ثم ضمان هيمنته في المرحلة الإمبريالية ، وقتل أية إمكانية لأي نهوض يستتبعه أي تحرر وطني أو إنساني حقيقي من قيود المستعمر الأوربي والتشديد من قيود التبعية لضمان سواء في المرحلة الكلونيالية أو في مرحلة الهيمنة الإقتصادية والسياسية التي تضمن تسرب فوائض هذه الشعوب ومقدراتها إلي المراكز الرأسمالية العالمية .
هذا هو النصيب الذي ساهمت به أوربا (ومستحدثها الأمريكي) في تعميق الفقر في أفريقيا وبالتالي لجوء سباب القارة الإفريقية المهزومون اقتصادياً وحضارياً إلي الهجرة إلي الشواطئ الأوربية اليوم ولو كان في ذلك المخاطرة بحياتهم عبر قوارب سماسرة البشر والمهربون (الأوربيون) المنظمون لهذه الهجرة .. ولعل الضمير الأوربي يدرك هنا كيف يأكل الأوربي هنا لحم وعظام أبناء أفريقيا ثم يسمد أرضه بناتج سحق هؤلاء البشر ، في عملية تاريخية لم تنته بعد ..
ولعله يدرك قدر مساهمته الكبري في إشعال الأصوليات الإسلامية ونشوء ظاهرة الإرهاب ، وتدرك معه النخب الأوربية المهيمنة (التي تعيد انتاج الشعبويات اليمينية العنصرية بنوع من عدم الإتعاظ من حقبة إنتاج الفاشية والنازية) ؛ أن تأففها من ظواهر الإرهاب والهجرة ليس إلا محض خداع وزيف ، لايواجه الحقيقة ولايتعامل معها ..