تونس : من هو الرئيس ؟


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6580 - 2020 / 6 / 1 - 19:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في سابقة هي الأولى تونسيا أرسل رئيس البرلمان راشد الغنوشي برقية الى رئيس حكومة الوفاق الليبية ، مهنئا باسترجاع السيطرة على قاعدة الوطية القريبة من الحدود التونسية ، مما فُهم منه انحيازه لطرف من أطراف الصراع الليبي والضرب عرض الحائط بالسياسة الرسمية القائمة على الحياد إزاء ذلك الصراع ، وبما أن ذلك الطرف محسوب على الإسلام السياسي الإخواني فقد أتهم شيخ حركة النهضة بأنه خاضع لتأثيرات المركز العالمي للإخوان المسلمين ورعاته الإقليميين والدوليين، وأنه وظف البرلمان التونسي لصالحه بغير وجه حق ، وهو ما أثار موجة عارمة من السخط .

وسرعان ما جاء الرد على لسان رئيس الجمهورية، الذى تلا لأول مرة خطابه مكتوبا فقد كان يحدق في الورقة التي أمامه لكي يزن كلماته ، وبدا أكثر رصانة من السابق ، وكانت الشحنة الدينية حاضرة أكثر هذه المرة في كلامه ، وهذا مفهوم من زاويتين ، أولا من زاوية المناسبة الدينية ، ونعني عيد الفطر ، وثانيا في علاقة بمن يرد عليه وهو الذي يقدم نفسه على أنه شيح دين ، ولكنه سرعان ما تجاوز الديني الى السياسي .

قال الرئيس أن ظروفا غير مسبوقة قد مرت بها البلاد في الحرب على كورونا ، وأن الوضع لم يكن سهلا ، وأن عقبات كثيرة برزت خلال المعركة فبعضها طبيعي وبعضها الآخر أملته الظروف والتبعات والمراجعات، وأنه تم تجاوز الكثير منها وأن ذلك تحقق بإيمان الجميع بالتكاتف بين التونسيين داخليا وخارجيا.

وفي جوهر الموضوع تناول الصراعات الموجودة منبها الى أن هناك من اعتكفوا لترتيب الأوضاع وتحقيق ما يراودهم من أضغاث الأحلام، في إشارة الى الإسلام السياسي ، ثم تحدث عمن يحن الى الماضي في إشارة الى الدستوريين الذين لم يتعظوا بتجارب السنين ومعاناة المضطهدين ، وهم الآن في غيهم سابحين ، قبل أن تأتيهم اللطمة القاتلة، ثم ختم الحديث بالإشارة الى البعض الآخر الذي دأبه النفاق و الرياء والكذب والافتراء ، و هم الذين في قلوبهم مرض ، قاصدا اعلاميين مأجورين ، .بينما مدح المؤسسة الأمنية العسكرية .

وبدا واضحا أن الرئيس يراهن على الأخلاق للتغلب على مؤامرات الذين يحرقون الوطن ويخلطون بين الشرعية والمشروعية ويريدون معالجة الأزمة الحقيقية باختلاق الأزمات الوهمية .

وقال فيما يشبه الاعتذار والنقد الذاتي إن الوقت لم يسمح بتقديم مبادرات لحل المشكلات أما الآن فقد حان الوقت للقيام بذلك، وإنه سيظل على العهد وفيا مثلما وعد وسيتقدم بها في الإبان وليتحمل كل مسؤوليته، مبينا أنها تتعلق بالمسألة الاجتماعية وما تحيل اليه من استرجاع الأموال المنهوبة ، لكي يخلص الى القول أن في تونس رئيس واحد للداخل والخارج متهما الإسلام الســــياسي باغتيال العقول وفرض الكمامة عليها معتبرا ذلك أخطر أنواع الأوبئة.

والسؤال هو هل قال قيس سعيد ما يتوجب عليه قوله ؟ الاجابة هي نعم ، فرهان الغنوشي عليه كان خاسرا منذ البداية ، فالرئيس ليس من هؤلاء الذين يبحثون عن حلول تحت الطاولة وانما فوقها وأمام الجميع ، وليس من يُصغي الى المخاتلة ويغتر بها لذلك أدخل الفزع صلب مؤسسات السلطة وهو ضمنها ، وهذا الطريق سيقوده الى القيام بما لوح به مرارا ونعني مشاريع قوانين ستعجل بفرز سياسي ، وبعدها قد يحدث الاصطدام الكبير فالمعركة القانونية ( بما فيها التأكيد على الرئيس الواحد ) تتحول الى معركة سياسية ، وهذه الى معركة أخرى لا يعرف حتى الآن كيف ستكون ماهيتها بالضبط .، فالانتفاضات والثورات التي لا تنجز مهامها ورغم فشلها تولد أزمات على مستوى أجهزة الدولة، بما فيها مؤسسات الحكم التي تستمر في الحشرجة قبل أن تسلم الروح .

الشيخ راشد الغنوشي رد بسرعة بدوره على خطاب رئيس الدولة بكلمة مقتضبة ليس فيها محتوى ، ولكن الشكل كان حاضرا بقوة ، تكلم ليقول أنه أيضا رئيس ، واللافت أنه لم يتكلم قبله أي رئيس برلمان في مثل هذه المناسبة ، فعادة هناك كلمة المفتي الدينية ، تتلوها كلمة رئيس الجمهورية . و ما قام به يعزز مخاوف كثيرين، بمن فيهم رئيس الدولة من أن انقلابا حقيقيا يحصل حاليا وبالتقسيط ، يقوم به الإسلام السياسي منذ مدة ، ولكن على مهل ودون ضجيج .