لماذا خرج المصريون من التصنيف العالمي للإنسانية؟


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 6566 - 2020 / 5 / 17 - 16:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هذا المقال تكملة لمقال سابق بعنوان: ما سبب إضطراب الشخصية المصرية؟! نجده على العنوان التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=663301

في الآونة الأخيرة تكرر حدوث ظاهرة جمعية في مصر، هي إعتراض المواطنين على دفن ضحايا وباء فيروس كرونا في المقابر خوفًا من إصابتهم بالعدوى، آخرها وفاة السيدة سونيا عبدالعظيم، في 11.4.2029، وهي طبيبة وقد فارقت الحياة جراء إصابتها بفيروس كورونا، فتظاهر جمع غفير من أهالي قريتها (شبرا البهو التابعة لمركز أجا بمافظة الدقهلية)، رفضا لدفن جثمانها، خوفا من انتقال العدوى إليهم. وظل جثمانها حائرًا لساعات عديدة بين قريتها وقرية زوجها، حتى تدخلت قوات الأمن، وفضت المتظاهرين، وألقت القبض على البعض منهم!
ما الذي جعل المصريين يقومون بهذا العمل المجرد تمامًا من الإنسانية، مع ما نسمعه دائمًا على ألسنتهم (المتأسلمة) من أن إكرام الميت دفنه؟
لماذا فقدوا الإحساس بالكرامة الإنسانية وتحولوا إلى أوغاد لا يخشون من انتقال العدوى فيما بيهمهم وهم أحياء، فيتجاهلون تحذيرات الدولة من تجمعاتهم معًا في مكان واحد، ويتكدسون في غباء منقطع النظير للصلاة جماعة في أماكن مختلفة وصلت إلى أسطح المنازل، وفي نفس الوقت يعترضون بعنف على دفن ضحايا الوباء في مقابر الموتي.
عندما نشاهد كيف تعيش الحيوانات المنزلية في البلدان العظيمة، سنفهم أنّ طبيعة الثديات من الفأر إلى الإنسان هو انّه كلما ربَّيناها وهذبناها واعتنينا بها، فسوف تكون دائما مميزة. والبلاد التي يُهذَّب فيها كلبٌ أو قطٌّ أو قردٌ أو حتى طيرٌ، ليصبح مميزًا في سلوك وصفات معينة، يمكن القول إنها بلاد الحياة الإنسانية الحقيقية، أما الدول التي حتى الإنسان نفسه يصبح أقل تهذيبا من كلب في بلاد أخرى ولا يتحكم بغرائزه ولا يشبع ولا يتم تعليمه وتربيته، فلا بد أن دولته قد أفسدت كل فرص الحياة أمامه، وانه متوجه نحو التوغُّد، فيعمل فقط على تطوير أكله وشربه دون أن تتطور حياته ابدا. وسيبقى قيمته على سطح الأرض أقل من كلب أو قط، فذلك الحيوان الذي يموت في الشارع بلا قيمة هو ليس مجرد حيوان مات في إحدى شوارع دولته، بل نموذج عن الحياة فيها، ومثلما مات سوف يموت يوما ما هو أيضًا بمثل موتته.
من المتبع في المجتمعات العظيمة التي قطعت شوطًا كبيرا في طريق الإنسانية، أنة عندما يشذ شخصٌ ما بصورة علنيَّة عن التنصيف المعترف به دوليًا للإنسانية ويفقد الإحساس بكرامته، ويتحول إلى وغد، أن يتم التعامل معه بأساليب قانونية حازمة، قبل أن يتكاثر الأوغاد من حوله، وحتى لا يخرج المجتمع بكامله عن هذا التصنيف ويتحول إلى مجتمع من الأوغاد.
والعجيب والشاذ في مجتمع الأوغاد ألَّا يسأل أحد عن الأسباب الحقيقية في تحوُّله من التصنيف الإنساني إلى مجتمع لا إنساني يسود فيه الأوغاد، وتعم الغوغائية وتنعدم الإنسانية، ويتحول أفراده إلى قطيع من الوحوش الضارية.
العبقري نجيب محفوظ أدرك هذه الحقيقة في رواية ”المرايا“ حيث نقرأ:« بت أعتقد أن الناس أوغاد لا أخلاق لهم، وأنه من الخير لهم أن يعترفوا بذلك، وأن يقيموا حياتهم المشتركة على هذا الاعتراف، وعلى هذا تصبح المشكلة الأخلاقية الجديدة هي كيف نكفل الصالح العام والسعادة البشرية في مجتمع من الأوغاد».
https://foulabook.com/ar/book/المرايا-pdf
علم الأنثروبولوجيا الثقافيّة أو ( الحضاريّة ) الذي يهتم بدراسة آداب وأساطير وخرافات وعادات الشعوب، والتغيرات الاجتماعيّة، والتطورات الحضارية لها، يؤكد بأن الوصم نتيجة المرض مسألة تاريخية كامنة في الوعي الجمعي للشعوب المختلفة، فمن المعروف أن القبائل البدائية كانت تنظر للمرض على أنه من الأرواح الشريرة أو مسٌّ من الجن، فكانت تعزل مرضاها أو تقتلهم. لذلك فإن هذه الظاهرة تعكس ارتدادًا حضاريًا وتغيرًا في بنية المجتمع خلال العقود الأخيرة، كنتيجة حتمية لتدهور الحالة الاقتصادية والثقافية وعدم احترام حقوق الإنسان والرحمة والتسامح وانتشار القسوة والعنف ضد الإنسان والحيوان وتفشي الجهل والفوضى.
المفكرون والعلماء يقرِّبوننا من الحقيقة أكثر، فيقول الثوري الكوبي تشي جيفارا (1928-1967): « الثورة يصنعها الشرفاء، ويرثها ويستغلها الأوغاد».
ويقول الكاتب والروائي الأمريكي بول أوستر (1947) في رواية .”حماقات بروكلين“ في فصل ”عن الأوغاد“، ص 63: « إن المحتالين والمخادعين هم اللذين يديرون العالم، الأوغاد يسودون، أتعلم لماذا؟ لأنهم أشدّ نهما مِنّا، لأنهم يعرفون ماذا يُريدون، لأنهم يؤمنون بالحياة أكثر مِنّا». (حماقات بروكلين، ترجمة : أسامة منزلجي، دار المدى ، دمشق 2012,).
ونقرأ في رواية الأبله لفيودور ديستويفسكي ص 248:
« ماكادت نلمحه حتى طفقت تشتم وتلعن قائلة:
- هذا هو، هذا هو الوغد النجس الوقح! قلبي حدثني بأنه آتٍ ..
تمتم الجنرال قائلا وهو يصطنع ابتسامة بريئة:
فلندخل، لا قيمة لهذا!
ولكن هذا لم يكن غير ذي قيمة»
ترجمة سامي الدروبي
https://books.google.com.ng/books?id=PpNqDwAAQBAJ&pg=PT245&lpg=PT245&dq=من+هو+
وأورد الفيلسوف الألماني الشهير نيتشة بابا عن ”الوغد“ في كتابه ”هكذا تكلم زرادشت، كتاب للكل ولا لأحد“، قال: « ما الحياة إلا ينبوع مسرة، ولكن أيان شرب الوغد فهنالك جدول مسموم أحب كل ما هو نقي، ولكنني لا أحتمل رؤية الأشداق تتثاءب معلنة ظمأ الأرجاس، وقد جاءوا يسبرون أعماق البئر بأنظارهم فانعكست في قرارتها ابتسامتهم الشنعاء توجه سخريتها إليَّ.
لقد دنسوا المياه المقدسة بأرجاسهم، وما تورعوا فدعوا أحلامهم القذرة سرورًا فدسوا سمومهم حتى في البيان.
إن اللهب يتعالى مشمئزًا عندما يعرضون قلوبهم المائعة عليه، والروح نفسها تغلي وتتصاعد بخارًا عندما يقترب الأوغاد من النار، والأثمار نفسها يفسد طعمها وتتراخى عندما يلمسونها بأيديهم، وإذا ما حدجوا بأنظارهم الأشجار المثمرة فإنها لتجف على أعراقها».
https://www.hindawi.org/books/19595390/
من هو إذن الوغد؟
أجمعت معاجم العربان على أنَّ الوغد هو: الشخص الحقير، الدنيء، الرذيل، الخفِيف، الأَحمقُ، الضعيفُ العقْلِ.
وفي كتاب جديد لأستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد روبرت سوتون، بعنوان: "دليل العيش بين الأوغاد" أو ”كيف تتعامل مع الناس الذين يعاملونك مثل القذارة؟“، الترجمة الألمانية:
Der Arschloch-Faktor: Vom geschickten Umgang mit Aufschneidern, Intriganten und Despoten in Unternehmen, Heyne, 2008, ISBN 3453600606
عرّف الوغد بأنه: « ذلك الشخص الذي لا يولي إلى وجودنا أي اعتبار أو قيمة في تعامله معنا، ويقذف في وجوهنا كل الألفاظ والتصرفات التي من شأنها أن تجعلنا نشعر بالدونية وربما الاضطهاد، ويوضح روبرت أن أيا منا يمكن أن يصبح وغدا تحت ظروف ما، لكن هذا الأمر يكون مؤقتا، بينما الوغد الحقيقي الذي يتحدث عنه هو من يتخذ التغول والحط من الآخرين طريقة للعيش على نحو مستمر».
الوغد تسيطر على ذهنه الأوهام فيظن نفسه دائمًا متفوقًا على الآخرين، ويفرط في الشعور بأهمية ذاته، ويحاول أن يجسد ذلك على شكل ادعاءات متعجرفة، وتصرفات وقحة تحط من شأن الآخرين. إنه يتخذ الغطرسة الاجتماعية كأسلوب للحياة، واستراتيجية لتحقيق النصر والإنجاز بطريقة سريعة حتى لو كان على حساب غيره. إنه يستغل بؤس الآخرين ويتعامل معهم بعنجهية شديدة وعلو خسيس ولؤم وضيع. إنه يتكلم في كل شيء ولا نرى منه أي شيء، يتكلم دائمًا عن الأخلاق النبوية المزعومة ولا نرى لها أثرًا لديه، وعن حريته ولا نرى سوى عبوديته، وعن ثقافته وثقافة المثقفين ولا نجدهم سوى أطلال نخل خاوية، إذا مررنا عليها يجب علينا تناولها من على قارعة الطريق ووضعها جانبًا من باب منع الأذى عن الطريق وهو أقل الإيمان.
يقول ساتون في كتابه: ”التعايش مع الأوغاد طريقة يمكن تعلمها، أما الاستسلام لغطرستهم بدون فعل شيء ربما يجعلنا ندفع الثمن على حساب صحتنا النفسية وسير حياتنا“،  لذا فهو يحث على ضرورة أن نتحمل مسؤوليتنا في التعامل مع الأوغاد قبل أن يحولوا حياتنا إلى جحيم.
ماذا جرى للمصريين؟ لم يكونوا قط بهذا القدر من السوء. إنهم حقًّا لم يكونوا مثاليين شأنهم شأن غيرهم من البشر، ولكنهم لم يكونوا كذلك عُصْبَةً من الأوغاد، يمارسون أقصى درجات الإقصاء الاجتماعي للأفراد والجماعات والفئات والطبقات، ويرفضون جميع التصرفات التي قد تسبب لهم الاذى العاطفي من دون الأذى البدني؟ لماذا تحولوا من الإحساس بالكرامة الإنسانية إلى العبودية ككيان حانق لوجودهم المجتمعي والإنساني دون تمييز؟. لماذا أصبحوا يكرهون أنفسهم ويكرهون وطنهم أكثر من أي وقت مضى، ويسيرون في دروب الانحطاط الأخلاقي والاجتماعي والعلمي دون وعي أو هداية؟.
إن وجود ظاهرة الأوغاد في المجتمع لا تكشف فقط عن تدني مستوى التعليم والثقافة العامة لدى المواطنين أو يعكس غياب الثقة لديهم في الرسالة التي توجهها الدولة بنخبها المختلفة، بل وتلقى بظلالها على سطوة الأدوات المؤثرة والجاهلة أو السافلة من القيادات الأمنية والإعلامية والدينية، وغياب منظمات المجتمع المدني والأحزاب الفاعلة، وجماعات النقد والتقويم، لذلك لا يمكن أن نلقي باللوم على هؤلاء البسطاء وحدهم لتدني تعليمهم وانعدام وعيهم وانحطاط تصرفاتهم.
أينما توجه المرء الآن يصطدم لا محالة بالأوغاد، وعندما يفتح فمه يقفله رصاص الأوغاد، لقد أصبح الصالح العام رهنا بالأوغاد وسعادة الإنسان مقيدة بهم في مجتمع من الأوغاد!، حتى الشباب انقسموا أصنافا متباعدة، وأنفسهم التي كانت في في يوم ما مشتعلة للتغيير والتقدم أطفئت شعلتها وحل محلها الظلام والضلال، كل الآمال اندثرت، والأخلاق انعدمت.
لعل الكلمات التالية للعبقري نجيب محفوظ توجز السبب في ذلك:« كيف نواجه عصرًا يُطالب أهله بالكمال في العلم والعمل والقيم؟ ما هذه بفطرتنا الأصيلة، ولكن تعاقب الحروب، والأزمة الاقتصادية، والتردد بين التجارب الشرقية والغربية، وتضافر المِحَن على صفوة الأمة الذين ندعوهم بذوي الدخل المحدود، حَمَّلَهم ما لا يطِيقون، وانتزعهم من مبادئهم وانتمائهم. إنهم وغيرهم ضحايا الحكم الشمولي الذي يُعنَى بالمجتمع ويهمل الفرد، الحكم الشمولي الذي لا يذكر الفرد إلا وهو يطالبه بالتضحية، بدون أن يقدم له قُدوةً هادية، على حين يتمتع هو بجميع طيبات الحياة بصورة مستفزة لا ضمير لها».
الحكم الشمولي الذي يسعى لإخضاع كل جوانب حياة الفرد لسلطة الحكومة، ينتقي دائمًا النخب المناسبة له والتي تعمل ضمن منهجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني، وهو منهج يتسم دائمًا بالفساد والانحطاط وتردي الأخلاق وعدم المهادنة أو الرحمة لأحد، وذلك ضمن توجهات طويلة الأمد، من شأنها إثارة النعرة القبلية والانقسام الطائفي، ووصم الآخر بالعداء، فتصبح الشمولية نمطًا للحياة يلتزم به المواطنين أنفسهم ويتماهون معه ويكيِّفون حياتهم الخاصة على منواله.
يقول الأستاذ محمود العلالي في مقال له عن ”الشمولية والسلطوية فى الذهنية المصرية“: « ومن المؤكد أن العقلية الشمولية والسلطوية لا يستأثر بها الحكام فقط، ولكن المثير أنها تتمكن من المحكومين وأنساق التفكير وردود الفعل لديهم، وهى تتفق مع العقلية الدينية من حيث اليقين المؤكد، والإيمان الشديد بما يتبعون، مع النفور المبالغ فيه من أى تيار أو فكر لا يتوافق معهم، بغير سند إلا الشعارات والخطب الرنانة التى يتم إلقاؤها بمناسبة أو بدون، حتى إننا لنجد هذا المواطن يخاف من التغيير أكثر من خوفه من واقعه المر، تبعًا لاعتياده أن هناك من يتخذ له قراراته، ويتحمل أعباء معيشته ويخطط له حاضره ومستقبله».
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1417296
يخضع المصريون للحكم الشمولي لفاشية عسكرية ممنهجة منذ عهد البكباشي عبد الناصر، وعندما حاولوا التمرد عليه بعد 60 عام، في عهد مبارك، أسرعت المؤسسة العسكرية إلى إعادته مرة أخرى، بأكثر شمولية وفاشية من ذي قبل، حيث لم تعد الديكتاتورية الفردية وحدها هي المتحكمة في مصير الدولة بل ومعها جمهورية الضباط بكاملها.
ليس من الضروري أن يكون الحاكم الشمولي (التوتاري) وغدًا من الأساس، ولكن من المحتم أن تكون لديه القابلية النفسية لكي ينجرف إلى التوغُّد (أن يتحوَّل إلى وغد)، والسماح لمن يحيطون به بالتوغَُد، تحت وطأة شديدة من رونق السلطة وإغراءات الثروة وسيطرة النفوذ، ومن المحتم أيضًا أن يحيط نفسه بثلة من الأوغاد القذرة والحمقى والرذلاء والمأفونين، ليختاروا له كل شيء وكل شخص، ويملوا عليه ما يقوله ومالا يقوله، وما يقوم به وما يتخلى عنه. يتم كل هذا وغيره في جو من التغييب المتعمد للمؤسسات المدنية وجماعات المجتمع المدني المستقلة، وملاحقة من تسول له نفسه الاعتراض على ما يفعله الأوغاد ووضعه في السجون المعدة خصيصًا، أو تصفيته جسديًا أو معنويًا.
الحاكم الشمولي الوغد لا يعترف بشيء إسمه الديمقراطية أو تبادل الآراء والمعارف، ولا يعترف بمبدأ فصل السلطات، ولذلك يعتبر نظامه هو المسؤول أولًا وأخيرًا عن كل فساد وشر يحدث في الدولة، وكل أنواع التخلف في جميع قطاعات المجتمع. فهو نظام إرهاب، يستخدم الأدوات الأمنية العنيفة والشرطة السرية في قمع المواطنين، كما يحتكر وسائل الاتصال والإعلام، ويدس قبضته في القضاء والتعليم والثقافة العامة من خلال التوجيه المركزي والسيطرة على الاقتصاد، مما يعمل على تثبيط مؤسسات القطاع الخاص والمنظمات الاجتماعية والخدمية التقليدية وقمعها، وإضعاف النسيج الاجتماع، حيث يعمد المواطنون إلى التجسس على بعضهم البعض لإرضاء النظام، مما يضعف الثقة بين الناس، فينقسمون بين مؤيد للسلطة ومعارض لها، وكل منهم يرفض قبول الآخر. والقضاء على الاختلاف الصحي بين الأفراد، فلا يجرؤون على التعبير عن آرائهم بحرية، وبذلم يتحولون إلى قالب واحد. حكم الأوغاد الشمولي يجيز العنف بحجة الدفاع عن إيديولوجيته، فتعمل الشرطة من خلاله دون ضوابط أو قوانين سوى ما يوافق أهواء الحاكم بأمره، فقد تعتقل الناس في الشوارع لمجرد الشبهة ومن دون إذن رسمي، ويوضع في السجون لفترات طويلة من دون محاكمة، بما يتعارض مع القانون والأعراف الدولية، وذلك بتبريرات عديدة، أهمها: الادعاء بالحفاظ على أمن الوطن والمواطنين ممن يتربصون بهم، وهم كثر في الداخل أو في الخارج!. والزعم بأن الديمقراطية لا تتماشى مع الدين الإسلاموي الحنيف.
ولأن الحاكم الشمولي وغد حتى النخاع فلابد وأن يعمل بنصيحة ميكيافيلي: ”على الأمير أن يدعم دينًا ما حتى وإن كان يعتقد بفساده. الدين ضروري لا لخدمة القضية ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس” (كتاب الأمير لميكيافيلي).
وعادة ما يتمخض النظام الشمولي للأوغاد عن أسوأ الإجراءات الممكنة، مثل:
1- عسكرة الدولة والمجتمع، وقتل الحياة الطبيعية والمدنية في البلاد، بفرض ما يُسمى بقوانين الطوارئ العرفية الدائمة، وغرس عناصر عسكرية واضحة المعالم أو موالية له في كافة المؤسسات والهيئات والمعاهد والجامعات وغيرها لمراقبة آدائها وتوجيهها نحو المنهج الفاشل.
2- اعتبار التسلط والقهر والقمع شيئاً عادياً في ظل أدوات قمعية لا تحترم أحد ولا ترحم أحد.
3- تدمير القيم السامية والعليا في المجتمع عن طريق بث الذعر والرعب في كل زاوية من زواياه، مع إعلاء مكانة الكذب والخداع.
4- نشر مختلف أنواع الرذائل والشرور بحرية تامة، إلى جانب الخرافات والدجل السياسي والديني، لتحويل أنظار المواطنين عن التدبُّر في أحوالهم ومعرفة أسباب انحطاطهم وتخلفهم.
5- نشر التخلف والانحطاط والفساد المادي والمعنوي في مختلف مجالات الحياة كتحصيل حاصل بحيث يتواءم المواطن معه، ويكيِّف حياته تبعًا له.
كل هذا وغيره الكثير يجعلنا لا نتساءل بعد اليوم عن الخروج اللاإنساني للمصريين من التصنيف العالمي، بل نتساءل عما سيؤول إليه مصيرهم؟