يكاد المريب أن يقول خذوني !!!


حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن - العدد: 6554 - 2020 / 5 / 4 - 16:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ليس من الغريب ولا العجيب أن يصدر حزب النور السلفي بياناً يدين فيه العملية الإرهابية التي تمت يوم 30 إبريل 2020 في بئر العبد بشمال سيناء ..
وهو الحزب الذي قام أساساً علي مناورة سياسية خادعة جوهرها حصول جماعة دينية علي رخصة للعمل السياسي القانوني في كنف ورعاية وتحت بصر النظام السياسي في حركة التفاف كبري علي كل قيم الدولة الوطنية ، والحياة المدنية الديمقراطية ..
وقد احتوي متن البيان نصاً علي التالي :
((.. .. هذه العناصر الإجرامية الخسيسة التى لم تراع حرمة الشهر المبارك ولا ما تمر به البلاد من ظروف عصيبة، دفعهم لذلك أفكار منحرفة ونفسيات مريضة غير سوية، ومن ورائهم مخططات خارجية هدفها إضعاف مصر وضرب إستقرارها، ولكن-بإذن الله- لن تزيد هذه العمليات الشعب المصري إلا صلابة وعزيمة على مواجهة هذا الإرهاب الأسود ..))
كان طبيعياً ألا يقترب في إدانته لتلك العملية الإجرامية إلي الإدانة علي أساس أية أسباب جادة ، وجوهرية تضرب في مضمون فكرة الإرهاب الديني ، لأن ذلك كان سوف يضرب جوهر الفكرة السلفية وجوهر الفكر التأسيسي حزب النور ذاته ، ومن ثم جوهر وقيمة العائد من وجوده لدي جمهرته السلفية التي تلتف حول فكرتين أساسيتين :
الأولي /فكرة أنهم من ينحصر فيهم فقط وصف أهل السنة والجماعة طبقاً لنسخة حياة أهل السلف الصالح ، وهم بذلك الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ..
والثانية / أن الدنيا أما دار حرب أو دار سلام ..
، أما دار السلام فهي ديار المسلمين من أتباع السلف الصالح المنحصر في مجتمع الصحابة واتباع ابن حنبل ومن بعده بن تيمية وتلميذه بن القيم الجوزية ، بالإضافة لإتباع تلميذ الأخيرين ، وإمام السلفيين في التاريخ المعاصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب (بمعني أنها تنحصر في جماعات الإسلام السلفي فقط لاغير) ..
، ومن ثم فهي ديار يحكمها أمير المؤمنين أو الخليفة ، ولاتكون المشورة فيها إلا لإهل الحل والعقد من فقهاء وعمامات الطائفة المنصورة ..
أما ديار الحرب فهي ديار الكفار .
، وهم كل من كان من غير المسلمين ، واتباع من خالف الحاكمية ولم يحكم بمااعتبروه (شرع الله) حتي لو كانوا من المسلمين وأصحاب المذاهب المفارقة لأهل السنة والجماعة الذين تم تحديدهم سلفاً ..
ولإنه طبقاً لمذهب الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية الذي يشكل الركن الأساسي للفكر السلفي أن فإن ديار غير المسلمين هي ديار حرب لابد من غزوها واخضاعها لحكم الطائفة المنصورة الذي هو حكم الخلافة الإسلامية ، وبالتالي فإن كافة بلدان العالم بالنسبة لجميع الجماعات السلفية ليست إلا مشروعاً لولايات إسلامية ينبغي اخضاعها لحكم أهل العقد والحل ..
، ويمكن في بعض الحالات الإستثنائية تقدير الجزية علي أهل الديانات المسيحية واليهودية ، والصابئين إن وجدوا ، وماعدا ذلك فكل أموال وأراضي ديار الحرب يحل قنصها واغتنامها ، ويحل سبي نساءها وبناتها وولدانها ، بما في ذلك أصحاب الديانات الإبراهيمية الأخري الذين لم يدفعوا الجزية المقررة ..
هذه هي ركائز الفكر السلفي الذي ينتمي إليه حزب النور ، وهذه عقيدتهم الفكرية ، وإيديولوجيتهم المترسخة في عقولهم ، بغض النظر عن برنامجه السياسي الذي أعد لكي يتقدمون به للجنة الأحزاب ، وتم تمريره علي وجه السرعة بمعرفة المجلس العسكري في 2011 ..
ولذلك فحزب النور عندما صاغ بيانه فهو لجأ إلي الإلتفاف السياسي حول جوهر الفكر الإرهابي الذي يحمل السلاح .. فاستند علي سببين أساسيين لإدانته للعملية الإرهابية هما (عدم مراعاة حرمة شهر رمضان المبارك) ، وكذلك عدم مراعاة (ماتمر البلاد به من ظروف عصيبة) ..
وهذا التفاف تكتيكي إذ لا يجب أن يتصور أحد أن حزب النور سيدين جوهر الفكر الذي أسس لحمل السلاح لسبب بسيط أن هذا الفكر - وبوصفهم سلفيين - هم حملته ، وهم منظروه الحقيقيون ..
وهكذا هم في النهاية أدانوا العمل الإرهابي بوصفه جاء في توقيت غير سليم ، وظرف صعب ..
ولامانع من إضافة عبارات إنشائية عامه وزلقة الدلالات تتحدث عن انحراف الفكر إلي درجة هذا الفعل (وهذا تبرؤ تكتيكي لاأكثر ولاأقل من الذين قاموا بفعل القتل والتفجير ، وإخلاء لساحة المسئولية عن حمل السلاح ، ونستطيع التعرف عليه من خلال قراءاتنا لخطابات الأجنحة السياسية للأحزاب والتظيمات ذات الأجنحة العسكرية الفاشية حيث يمكن - في اللحظات التي تستوجب الحرص أو التقية - أن يتبرأ القلم في اليد الظاهرة من فعل السلاح الذي تحمله اليد المختبئة في لحظة ما ، وفي لحظة أخري سانحة يكون السلاح أصدق أنباءً من القلم والمنصات السياسية) ..
حزب النور لايستطيع القيام بمحاكمة للأفكار التي شكلت الباعث والدافع لحمل السلاح في مواجهة الدولة لأنها في النهاية هي أفكار الفرقة الناجية ، أو الطائفة المنصورة التي يحمل أصحابها السلاح ويقاتلون لتجسيدها علي الأرض ، والسير نحو تحقيق الوهم السلفي العظيم ..
وهم إعادة إنتاج شروط وسياق ودولة الخلافة الإسلامية ..