لبنان فى الميزان ...


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 6485 - 2020 / 2 / 7 - 17:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

سؤلتُ عن لبنان. كانت صيغةُ السؤالِ كما يلي : ما هو تقييمك لحالِ الحياةِ السياسية الراهنة فى لبنان الذى أعرف مدى وعمق حبك له ؟ فقلت : إجابتي يجب أن يسبقها توضيحٌ لمسألةِ "حبي للبنان". فأنا دون مناوراتٍ فكرية ولفظية "أُحبُ لبنان المارونية" ! فهى تعكس حبي لمصرَ التى كانت أيّ "مصر الكوزموپوليتانية" (The Cosmopolitan Egypt) أي "مصر البحر-أبيض-المتوسط" )The Mediterranean Egypt ) والتى لم يبق منها إلاَّ ذكراها وأطيافُها فى أفلامٍ مصريةٍ عمرها ما بين 70 و 90 سنة. فأنا مصريٌ سخَر حياته الفكرية والعقلية والثقافية للترويجِ لقيمِ الحداثة والمعاصرة ، مع فيضٍ من الجهد فى مجال "مكافحة" الدعوات الثقافية "الماضوية" و "الأصولية" وذلك فى شلالٍ من الكتب والمقالات والحوارات والمحاضرات. وهو ما أسس لولعي منذ ستينيات القرن الماضي ب "لبنان الأكثر حداثة وتماهياً مع ثقافات البحر الأبيض المتوسط". لبنان هذا أيضاً إعتراه ما إعترى "مصر ما قبل 70 سنة" ، ولكن بدرجة وكيفية مختلفة. أما وقد أوضحت تلك الخلفية بدون مواربة أو "دبلوماسية" أو تردد ، فقد أصبح بوسعي أن أعطيك تقييمي لحال لبنان السياسية الراهنة وأن أضيفُ "رؤيتي" لمستقبل الحياة السياسية فى هذا البلد الفريد بين البلاد الناطقة بالعربية. أما حالٍ لبنان السياسية الراهنة فهو ثمرة ما يلي : أولاً ، تاريخ من الطائفية لم ينجح اللبنانيون فى تجاوزه طيلة قرن من الزمان أي منذ أول سبتمبر 1920 أيٍّ منذ أَعلن الجنرال Henri Gouraud دولة لبنان. وثانياً ، الشيطان الإيراني المتمثل فى "حزب الله" والذى لم يكن له وجود قبيل إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية فى 1975. وثالثاً ، الواقع المحيط بلبنان منذ 1979 ومن أهم ملامحه سياسات سوريا و إيران وإسرائيل والصراع السني/الشيعي وغيرها. وما لم يحدث تتغيّر عناصر الواقع داخل و خارج لبنان ، فإن بقاء "الواقع اللبناني الراهن" على ما هو عليه الآن هو شيء مؤكد. وأهم هذه العناصر هى : (1) نفوذ إيران إقليمياً ولبنانياً ، و (2) المواطنة اللبنانية مقابل الطائفية ، و (3) الضغوط الخارجية على لبنان. وأغلب ظني أن واقع لبنان وواقع المؤثرات الخارجية على لبنان لن يشهد تغيرات كبيرة على المدى الزمني القصير. وهو ما يرجح عندي أن ظروف اللبنانيين المسيحيين الحياتية ستزداد قسوة لدرجة قد تؤسس لإستقلالهم بشكلٍ أو بآخرٍ. فمع كل ما ذكرتُه عن المتغيرات فى الواقع اللبناني ، فإن حقيقة أخرى تزيد من سوء حال اللبنانيين المسيحيين وهى أن النمو الديموغرافي/السكاني للبنانيين الشيعة الذين تتبع أغلبيتهم إيران تبعية مطلقة هى أكثر من ضعف معدل النمو الديموغرافي/السكاني للبنانيين المسيحيين. وأختم بالآتي : خلال نصف القرن الأخير شهدت المجتمعات الناطقة بالعربية نمواً رهيباً للهوس الديني تسبب فى تقلص أعداد المسيحيين فى عددٍ منها وفى تعاظم الضغوط على المسيحيين الذين بقوا بها. وواكب ذلك تعاظم الإنقسامات المجتمعية الذى وصل لحد الحرب الأهلية فى البلاد المتحدثة بالعربية. فى قلب هذا "المناخ البشع" يوجد لبنان بمعضلاته العويصة. وفى قلب كل هذه البشاعة يوجد مسيحيو لبنان. كتب يوم 6 فبراير 2020.