خطة أردوغان العربية


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6461 - 2020 / 1 / 10 - 14:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

.لا يزال الحريق العربي مشتعلا ، بل إنه يزداد مع مرور الأيام استعارا ، ويمكن مشاهدة ألسنته الملتهبة في أقطار مختلفة . ويبدو أن ليبيا مرشحة لكي تكتوي به أكثر من غيرها في الأيام والاشهر القليلة القادمة . واذا كان ذلك الحريق قد انطلق في البداية من المغرب الى المشرق ، ومن تونس بالذات ، حاملا معه آمال الحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الانسان ، فإنه الآن يرتد على أعقابه ، متجها في حركة عكسية من المشرق الى المغرب ، بعد اصطدامه بالصخرة السورية ، وفي ثناياه تهديد ووعيد بالخراب والدمار .
وتتصدر الدولة التركية الآن صب الزيت عليه ، بعد استثمار أمريكا وأوربا شراراته الأولى ، ويبدو أن لرئيسها خطة بعيدة المدى للاستفادة من رماده ، سندها تمكين الإسلام السياسي في ليبيا ليكون نقطة ارتكاز للتمدد شرقا وغربا في اتجاه مصر وتونس والجزائر ، ومن ثمة لبقية الأقطار ، لما تمثله من عامل مساعد من حيث ما تمتلكه من ثروة بترولية طائلة أولا ، وثانيا لموقعها الاستراتيجي عربيا ، فهي حلقة الوصل بين المغرب والمشرق، ويظل المقصد الكنوز العربية التي يسيل لها اللعاب التركي.
وكان لافتا تهديد وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية فتحي باش آغا قبل أيام ، وهو في تونس بأنه اذا سقطت طرابلس فستسقط الجزائر وتونس أيضا .واذا كان البعض قد فهم من ذلك أنه كان ينبه الى خطر خليفة حفتر فإن الأرجح هو التهديد بالجماعات الدينية المسلحة ، التي ستتوجه غربا خاصة أن لها في الإرهاب التكفيري الذي استوطن منذ سنوات الجبال الجزائرية والتونسية قواعد يمكن استثمارها تكتيكيا لأجل تلك الغاية ، وهو ما تعزز مع رواج أخبار عن قوافل تكفيرية حطت رحالها في ليبيا قادمة من سوريا برعاية تركية .
ويبدو أن تركيا بعد خسارة السودان حسن البشير ، وأقاليم سوريا التكفيرية ، و مصر الاخوانية ، قد وجدت ضالتها في ليبيا ، التي تكاد تكون فرصتها الأخيرة لاستعادة ما خسرته أو البعض منه على الأقل .
ومن هنا نفهم تصريحات أردوغان المتلاحقة حولها ، باعتبارها إرث العثمانيين وأن أي تطور للأحداث فيها يهمه ، وسعيه الى لف الترك كلهم حوله في حملته عليها ، حتى أنه ذكر مصطفى كمال أتاتورك ، غريم الإسلام السياسي ودافن الخلافة الإسلامية بخير ، فقد عمل حسب قوله في ليبيا وأصيب في عينه كضابط عثماني في معارك درنة سنة 1911 .
والواقع أن خطة أردوغان العربية قديمة ، وليبيا ليست الا شطرها الأهم ، أو هي رأس جبل الجليد الذي برز حتى الآن منها ، فقد دعم لوقت طويل الجماعات الإسلامية ، وخاصة الاخوان المسلمين في أقطار عربية مختلفة ، وأُتهم أيضا باستعمال القاعدة وداعش ، وللغرض استضافت تركيا منذ سنوات قيادات الإسلام السياسي في حواضرها مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاكيا وأضنة ، بما في ذلك الدعاة والجهاديين الأشد تطرفا ، أي قيادات الحملة الفكرية السياسية والعسكرية على الأمة العربية ، التي لا يزال الإسلاميون الأتراك يحملونها المسؤولية عن زوال خلافتهم سنة 1924 ، عندما سلم رجل أوربا المريض الروح ، مرددين شعارا عزيزا على قلوبهم : عرب خيانات ، مُمنين النفس بالثأر منها لتجاسرها على الثورة ضدهم لحظة ضعفهم وانفصالها عنهم .
لقد واجه أردوغان صعوبات جمة خلال السنوات الأخيرة ، وكاد يفقد تركيا نفسها جراء المحاولة الانقلابية ، كما مُنى بهزيمة قاسية في الانتخابات البلدية الأخيرة وخسر حزبه مدينة إسطنبول التي بنى عليها مجده قبل وصوله الى الوزارة ، وقد تحرك داخليا بتصفية معارضيه من الترك والكرد والعرب ، وايداع الآلاف منهم السجون وطردهم من وظائفهم ، ونقح الدستور، مُحولا الحكم الى استبداد فردي . وهو الآن يتحرك خارجيا في اتجاه الوطن العربي بصورة رئيسية ، ليجعل منه مجالا حيويا لسياساته ، ووجد في انقسام الأنظمة العربية ضالته ، فالبعض يحتمي به والبعض الآخر يعاديه ، وليس أسهل عليه من ضرب هؤلاء بأولئك ، وفضلا عن ذلك استعـــــــمل الجماعات الدينية المحلية رأس جسر لتحقيق السيطرة المنشودة .
واذا كانت هناك أنظمة مشرقية تستظل به وتبني سياستها على التحالف الاستراتيجي معه لغايات معلومة ، فإن سير الأنظمة في المغرب العربي على ذلك الطريق سيجلب عليها كارثة استراتيجية ، فاعتقادها أن تناقضها ليس مع الدولة التركية وإنما مع الدولة المصرية سيجعلها في الأخير تجثو على ركبتيها أمام الإسلام السياسي ووقتها تكون خطة أردوغان العربية قد نجحت .