تونس : حكومة المخاتلة .


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6451 - 2019 / 12 / 30 - 01:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بعد مقترحي حكومة الأحزاب وحكومة الرئيس ، جاء مقترح حكومة الكفاءات في ظل الأزمة التي تعصف بالوضع السياسي في تونس . ويعتقد رئيس الحكومة المكلف أنه يقدم بذلك حلا مقبولا للصعوبات التي واجهته حتى الآن ، في محاولته تكوين الحكومة المرتقبة ، وهو ما يعبر عن سعيه الى النجاح في انجاز مهمته والبرهنة أنه تصور كل المشاكل التي يمكن أن تعترض سبيله فاحتفظ لنفسه بخطط مختلفة ، فاذا فشلت الأولى كانت الثانية والثالثة وهلم جرا ،في دلالة على فطنته .
غير أن شكوكا تحوم حول نجاحه في تحقيق ما عقد العزم على تنفيذه ، فإذا كان قد فشل في خطة التفاهم مع الأحزاب التي خطب ودها حتى الآن دون جدوى ، فلا شيء يضمن نجاحه في الخطة الثانية، المسماة حكومة الكفاءات المستقلة ، بل إن الشكوك تتسع أكثر حول ذلك النجاح والفشل ، عند التساؤل عما اذا كان الفشل الأول مرغوبا فيه من قبله ، على طريقة رب ضارة نافعة ، بما من شأنه أن يقدم اليه شهادة في براءة الذمة ليس لفائدته فقط وانما أيضا لفائدة حركة النهضة التي اختارته ، بالتظاهر أمام الشعب بأنه حاول تكوين حكومة مع شركاء برلمانيين ولكنهم تقاعسوا عن تحمل المسؤولية ، مما اضطره الى المرور الى تطبيق خطة حكومة الكفاءات .
وهنا أيضا يطرح تساؤل آخر عما اذا كان الحل الثاني يمثل فعلا أمرا جديا وهو الذي يعلم أنه من شبه المستحيل أن تحظى وقتها حكومته المقترحة بثقة البرلمان ، مما نستنتج منه أن الخطة الحقيقية هي تلك التي يناقشها منذ مدة رئيس حركة النهضة مع حزب قلب تونس وراء أبواب مغلقة ، وهي التي ستجد طريقها الى التنفيذ ، وليس معلوما بعد ما هو الثوب الذي ستخرج فيه الى العلن ، وان كان ليس مستبعدا أن تضم وجوها غير مثيرة للانتباه ، في مخاتلة لجمهور النهضة الانتخابي بدرجة أولى ، الذي صدق وعودا من قبيل أنها لن نلتقي أبدا مع المتهمين بالتهرب الضريبي وتببيض الأموال الخ ....
واذا صح هذا فإن ذلك معناه أن الحبيب الجملي لم يستهلك وقته سدى في نقاشات عقيمة ، وانما كان يخاتل ، طوال الوقت الذي كانت تنضج فيه نقاشات أخرى ، لا يخفي ان مولودها المنتظر سيكون مرحبا به من قبل قوى إقليمية ودولية كما ذكرنا في مناسبات سابقة ، فقد كان دوره مقتصرا على اطلاق سحب الدخان لحجب الرؤية ، وأن المخدوعين لا يجب البحث عنهم في بيت النهضة ، وانما في بيوت تلك الأحزاب ، التي صدقت أنها ستتقاسم معها السلطة ، مثلما فعلت سابقا مع نداء تونس ، فالوقت تغير ، وهي تريد الآن الكثير ،ولن تتخلى الا على بعض الفتات الذي لا يغني ولا يسمن من جوع .
ويبدو ان هذا ما أدركته تلك الأحزاب ، حتى أن بعضها أضحى يردد أن الأمر يتعلق بتكوين حكومة مخاتلة ، وكان ذلك هو العامل الذي جمعها حول نقطة واحدة ، رغم اختلافاتها الأيديولوجية والسياسية ، وهى ترك النهضة تناطح الصخور حتى يتكسر قرنها ، فهي تريد حكومة على صورتها ، رغم حجمها الانتخابي الضئيل ، ولها ما تريد ولكنها لن تناله.
لأجل هذا فإن مشكلة الحبيب الجملي الآن ، هي أنه رجل مستغرق في تنفيذ برنامج حركة سياسية ، تعتقد أن سر نجاحها يكمن دوما في اتقانها فنون المخاتلة
، ويبدو أن تلك العدوى قد ضربته بسوطها منذ وقت طويل ، معتقدا أن هناك من يصدقه عندما يقدم نفسه على انه مستقل ، ويعد بان حكومة كفاءاته المنتظرة ستكون مستقلة بدورها عن السياسة والسياسيين، بما في ذلك النهضويين الإسلاميين ، ولكن من الصعب أن تنطلي الحيلة.