تونس : اشتدي أزمة تنفرجي.


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6432 - 2019 / 12 / 8 - 17:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تتواصل مشاورات تكوين الحكومة المرتقبة ، وفي الأثناء يُصرح رئيسها المكلف بأن وضع البلاد صعب جدا ولا سابق له ، ويُحذر وزير المالية من عجز الدولة عن تسديد مرتبات الموظفين هذا الشهر، وتحدُث استقالات في صفوف حزب النهضة المعني رئيسيا بذلك التكوين ، وفي البرلمان مشاحنات يصف خلالها النواب بعضهم البعض بأبشع النعوت ، في نفس الوقت الذي صرح فيه رئيس الجمهورية أن الفساد قد تفشى في البلاد ، حتى أن المخدرات تنساب في الموانئ والمطارات بسهولة ، بينما من الصعب إدخال سيارات إسعاف . وفي قلب هذه اللوحة السوداء هناك شعب حزين على إثر حادثة الحافلة في عمدون ، وحرق شاب في جلمة جسده في احتجاج على الفقر والبؤس ، وما تبعه من مواجهات واعتقالات ، فضلا عن مُعاناة الفلاحين من المضاربات بصابة الزيتون . وهو ما دفع الى التساؤل عما إذا كانت هناك قوى خفية تدفع في اتجاه تعميق الأزمة للفوز بثمارها على حساب دماء ودمُوع المعذبين .
وعلى عكس ما هو ظاهر يبدو أن من مصلحة حركة النهضة توتير المشهد السياسي واستفحال الأزمة فخطة التمكين لا يمكنها النجاح دون ذلك ، خاصة أن عينها مركزة على تغيير القانون الانتخابي، بما يسمح لها مستقبلا بالاستفراد بالحكم والتحرر من الضغوطات الموجودة في البرلمان والهيئات الدستورية وتجاوز عقبة التوافق مع أحزاب أخرى بما تفرضه من محاصة وترضيات وتنازلات متبادلة .
فهي تريد المرُور من الحكم التوافقي الى حكم هو خليط من الأوتوقراطية والثيوقراطية ، أو الحكم الفردي المستند الى خلفية دينية ، حيث يمكنها اتخاذ القرارات وتنفيذها باستقلالية تامة . و تعلم أن الظرف الذي تمر به تونس ظرف أزمة على مختلف الأصعدة ، وهى في تصاعد وصولا الى لحظة انفجارها ، بما يُهدد وجودها ذاته ، فهى قابلة للاستثمار من طرفها ولكن أيضا من طرف آخرين ومن سينجح في ذلك هو من يمتلك الخطة المناسبة والأدوات الكفيلة بتطبيقها .
وتجد الحركة في سياسات اتحاد الشغل وبعض الأحزاب الساعية الى زرع العوائق في طريقها ودفع حكومتها المرتقبة الى منطقة الزوابع ، بما يعنيه ذلك من مواجهة الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات والانتفاضات المتنقلة من جهة الى أخرى ، فرصة يمكن استثمارها بالتنصل من الأزمة وتحميل وزرها لتلك القوى ، ومن ثمة القول إن القانون الانتخابي قد ثبُت عجز وواجب تغييره في الاتجاه الذي حلمت به طويلا .
ولكن سيرها في هذا الطريق محفُوف بالمخاطر فالحكم الفردي لم يعد سهلا ، وفي تونس اليوم ، حيث تتصاعد نار تلك الازمة فإن أسوء شيء يمكنك التورط فيه هو الحكم ، حتى أن عددا من الأحزاب البرلمانية بدا عازفا عن المشاركة في الحكومة مما عمق عزلة حركة النهضة وزاد من ورطتها ، فهي إن حافظت على قواعد اللعبة ستخرج خاسرة ، مثخنة بالجراح وسينفض من حولها الشعب أكثر فأكثر . وإن كانت قد تحملت نتائج ورطاتها السابقة فإنها الآن مدركة أنه لم يعد أمامها الكثير مما تخسرُه ، لذلك عليها تغيير تلك القواعد ، والأساسي فيها هو كما ذكرنا القانون الانتخابي ، وصولا الى تغيير الأركان التي تقوم عليها منظومة الحكم .
وهى تواجه اجمالا أربع عقبات أساسية ، توجد الأولى في البرلمان مُمثلة في ضغوط أحزاب تريد اقتسام السلطة معها أو تركها لمصيرها ، والثانية في مؤسسات انتاج الثروة وتقديم الخدمات وفي الشارع ممثلة خاصة في اتحاد الشغل ، وتتمثل الثالثة في أجهزة الدولة التي ورثتها عن سلطة بن على وهى التي قال عنها يوما رئيسها انها غير مضمونة ، أما الرابعة فهي العامل الخارجي حيث تناقص مقبولية تلك الحركة في صلة باستنفاد الإسلام السياسي الغرض من وجوده
وباجتماع تلك العقبات تشبه حركة النهضة اليوم ديمقليس في الأسطورة اليونانية، الجالس وسيف مشدود فوق رأسه ، فمتى قام قطعت رقبته ، لذلك قد تحبذ الجلوس مغلولة اليدين ، فالحكم رقص مع الذئاب أو سير على رؤوس الثعابين، كما قال يوما رئيس يمني سابق ، قبل أن يتجرع سمها ، في انتظار تغير الظروف وتبدل موازين القوى ، مُنشدة : اشتدي أزمة تنفرجي * قد آذن ليلك بالبلج .