على هامش قمة المناخ 25 بمدريد


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 6430 - 2019 / 12 / 6 - 11:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

1 - تنعقد بمدريد ما بين 2 و13 دجنبر 2019 قمة المناخ 25، في ظل واقع مناخي وبيئي، تؤكد كافة الدراسات العلمية، على أنه أكثر تفاقما من سنة 2015 تاريخ انعقاد قمة المناخ 21 بباريس، والتي تم خلالها التوافق بين الدول الأطراف على التزامها الجماعي بتخفيض نسبا معينة مما تتسبب فيه صناعاتها من انبعاثات غازية تتسبب في الاحتباس الحراري العالمي.

2 – وقد أفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية يوم الاثنين 25 نونبر 2019 بأن مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وهي ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وثنائي أكسيد النتروجين، قد سجلت رقما قياسيا جديدا مرة أخرى. مع ما يتسبب فيه كل ذلك من تقلبات مناخية خادة كارتفاع الحرارة المفرطة والفيضانات المفاجئة وما ينجم عن ذلك من ضحايا في الأرواح وانتشار للأمراض الخطيرة ومن تكاليف اقتصادية يصعب تحملها...

3 - فاستمرار هذا الاتجاه من الاحتباس الحراري على المدى الطويل وتفاقمه يعني أن الأجيال القادمة ستواجه في حياتها اليومية محليا وعالميا تأثيرات حادة ومتزايدة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ومواجهة طقس أكثر تطرفا وإجهاد مائي وارتفاع مستوى سطح البحر واختلال النظم الإيكولوجية البحرية والبرية.

4 – فعدم التزام الدول الأطراف في قمة باريس لعام 2015 كوب 21 بالتوصيات الصادرة عنه، كان له مفعول على ارتفاع نسبة بالغازات الدفيئة طويلة العمر بنسبة 43% في إجمالي التأثير الإشعاعي -تأثير الاحترار على المناخ. كما ارتفع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بحوالي 80%.

5 -إن ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي له أضرار خطيرة لأنه يعمر في الجو لعدة قرون وفي المحيطات لفترة أطول. ويشير الخبراء إلى أن الأرض عندما كانت تحتوي على تركيزات مماثلة من ثاني أكسيد الكربون، كانت درجة الحرارة أكثر ارتفاعا بنحو 2-3 درجة مئوية ومستوى سطح البحر أعلى بنحو 10-20 مترا من الآن.

6 -وتشير الدراسات العالمية أيضا إلى أن نسبة غاز الميثان في الغلاف الجوي قد وصل إلى مستوى جديد حيث بلغ 1869 جزءا في المليار في عام 2018، أي أكثر من اثنين ونصف من مستوى ما قبل الصناعي. فنشاط الانسان الصناعي يشكل مصدر 60 في المائة من هذا الغاز إضافة الى أن ما تبقى يتأتى من تربية المواشي الواسعة ومن حقول الأرز ومن المناجم ومركبات النفايات وحرق الكثل الحيوية.

7 – وترتبط المسؤولية المباشرة عن الصناعات المرتبطة بنمط الإنتاج الرأسمالي، حيث يفوق حجم الإنتاج الصناعي الرأسمالي 14 مرة حاجيات ساكنة الأرض التي تصل الى سبعة مليارات نسمة. فهناك اليوم استنزاف تاريخي غير مسبوق للموارد الطبيعة المتنوعة المستخدمة في الصناعة من أجل رفع معدلات الأرباح الرأسمالية.

8 - ويؤدي النمط الإنتاجي والتوزيعي الرأسمالي غير العادل الى تفاوت اجتماعي صارخ والى افقار للملايير من الناس عبر العالم افقارا مدقعا رغم قدرة الإنتاج الرأسمالي الفائض ورؤوس الأموال الزائدة بشكل هائل على القضاء بشكل عملي ومطلق على المجاعات والبؤس المدقع.

9 – وبالموازاة مع ذلك تنتجعن هذا النمط من الإنتاج الى حدوث سيرورة متصاعدة من التدمير الكارثي الملموس للإنسان والحيوان والنبات والمياه والهواء والتربة، والذي أصبح يتهدد بيئة الكائنات الحية بالفناء المحتوم.

10 – إذن فالأزمة البيئية والاحتباس الحراري المتفاقمة أصبحت ظاهرة في جميع القارات، فنرى جفاف الغابات أو اشتعال الحرائق فيها وتزايد مياه البحار بسبب ذوبان الجليد على القطبين وتسرب كميات هائلة من غاز الميثان في الغلاف الجوي. ويطال التدمير البيئي للتربة والهواء والماء بطريقة كارثية، يعمق بعضها أوضاع البعض الآخر.

11 – أمام التفاقم الكارثي لانعكاس الاحتباس الحراري على الانسان والطبيعة، وانطلاقا من الوعي العالمي بمسؤولية نمط الإنتاج الصناعي الرأسمالي عن هذا الوضع، وعدم التزام الدول الأطراف بتوصيات مؤتمرات المناخ حتى بحدها الأدنى واستهتار بعضها الآخر بها، كانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منها، فإن شعوب العالم لم تبق مكتوفة الأيدي تشاهد قواعد حياتها تهتز أمامها، بل بدأت في بلورة عدد من الحركات الاحتجاجية من أجل قيادة صراع طبقي عالمي ضد تدمير النظام الرأسمالي لوحدة الإنسان والطبيعة.

12 – من بين هذه الحركات البيئية الجماهيرية المناضلة، حركة الشباب الدولية تحت تسمية "الجمعة من أجل المستقبل" فقد خرجت في مدن أكثر من 100 دولة للاحتجاج كل يوم جمعة في نوع من الاضراب المناخي. خرج الشباب المغربي هو الآخر للاحتجاج المناخي على غرار باقي شباب بلدان العالم يوم الجمعة 27 شتنبر 2019 في كل من مدينتي الرباط والدار البيضاء. وقد تم خلال يومي 20 و27 تنفيذ ما مجموعه 6388 تظاهرة احتجاجية في مختلف القارات في 170 دولة، احتج خلالها 7 ملايين شخص على التدمير الرأسمالي لوحدة الإنسان والطبيعة. وشاهدنا خروج مليون شخص إلى الشوارع في إيطاليا، و 400.000 في أستراليا، و250.000 في نيويورك، ومليون ونصف في ألمانيا.

13 – وعلاوة على دور الشباب في تجدير الوعي بالجدور العميقة للتدمير البيئي في قوانين عمل نمط الإنتاج الرأسمالي والامبريالية، فإن الطبقة العاملة على الصعيد العالمي بدأت هي الأخرى تعي بأن الرأسمالية والامبريالية لا تستغل فقط قوتها العضلية وتستنزفها، بل انها تهدد حقها في بيئة سليمة من أجل مراكمة الأرباح. وفي هذا الإطار بدأنا نشاهد التحاق الحركة العمالية على الصعيد العالمي بإدماج النضال البيئي في صراعها الطبقي اليومي. وهذا ما قام به عمال المناجم في البيرو حينما رفعوا خلال حركتهم الاحتجاجية مطالب من أجل الأجور والعمل القار وحماية البيئة الطبيعية. نفس الشيء عبر عنه منظمي المؤتمر الدولي الثاني لعمال السيارات في جنوب افريقيا الذي ادمج عنصر النضال من أجل البيئة ضمن صراعه الطبقي في مواجهة البرجوازية الصناعية للسيارات في مختلف البلدان.

14 - إن نمط الإنتاج الرأسمالي والطبقة الرأسمالية المهيمنة عالميا بدون شريك تنطلق من قاعدة لاأخلاقية لممارسة عمليات إجرامية خسيسة في مواجهة وحدة الانسان والطبيعة. فالقيم التي ترتكز عليها البرجوازية المهيمنة وتعمل على نشرها وفرضها فرضا على ساكنة العالم هي ان قيمة الانسان تقوم على تقديس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وأن من يملك هو أفضل من لا ملكية له، علما ان من يستطيع التملك هي فقط الأقلية المهيمنة في مقابل الملايير من الكادحين الذين يؤمنون بصعوبة قوت يومهم. ومن تم تصبح المنافسة غير الشريفة والاستغلال الوحشي للإنسان والطبيعة من أجل تأويج الأرباح وتملك الثروات حتى وان كان ذلك على حساب الحياة على الأرض.

15 - إن نظاما رأسماليا اقتصاديا واجتماعيا مجرما أخلاقيا يستهدف الاستغلال والتدمير وفناء البشرية لا يمكنه بأي حال من الأحوال ان يكون إنسانيا ويعمل على انقاد بيئة الكائنات الحية، وأن منظوره البرجوازي المهيمن على البيئة هو منظور استغلالي يحاول طمس معالم جرائمه في حق الانسان والطبيعة عبر ما يسمى بالاقتصاد الأخضر أو بالأحرى الغسيل الأخضر والذي بواسطته يتم تبييض الوجه الاجرامي البشع للرأسمالية. وبالتالي فان مؤتمرات الأمم المتحدة حول المناخ التي أصبحت الشركات متعددة الاستيطان تسيطر عليها من خلال التمويلات وارشاء العلماء والمختصين لتغليط الجماهير الشعبية المسحوقة العالمية، لا تنعقد الا لتلميع وجه نمط الإنتاج الرأسمالي المجرم.

16 – يقول كارل ماركس بخصوص وحدة الانسان والطبيعة في مخطوطاته الباريسية لسنة 1844 ما يلي: " الفاعلية الاجتماعية والاستهلاك الاجتماعي، والماهية الإنسانية للطبيعة لا توجد أولاً إلا بالنسبة للإنسان الاجتماعي، لأنه هنا فحسب توجد الطبيعة بالنسبة له كرابطة مع إنسان – كوجوده بالنسبة للآخر ووجود الآخر بالنسبة له – كعنصر الحياة للعالم الإنساني. هنا فحسب أصبح ما هو بالنسبة له وجوده الطبيعي هو وجوده الإنساني، وأصبحت الطبيعة هي الإنسان بالنسبة له. وهكذا فإن المجتمع هو الوحدة المكتملة في الجوهر بين الإنسان والطبيعة – البعث الحقيقي للطبيعة – طبيعية الإنسان وإنسانية الطبيعة وقد وصل كلاً منهما إلى تحققه".

17 - فوحدة الانسان والطبيعة تتحقق عن طريق العمل، فالعمل هو الشرط الطبيعي للحياة الانسانية ويشكل بذلك جوهر الكائن الانساني. فمن خلال العمل الإنساني المباشر لتطويع المصادر الطبيعية لإشباع حاجياته تتحقق هذه الوحدة. لكن البرجوازية المهيمنة بدون شريك من خلال هيمنتها من خلال قانون الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وهيمنتها من خلال ذلك على العمل الإنساني المأجور، تستغل بعنف الطبيعة واليد العاملة الإنسانية وتعمل من خلال ذلك على تدمير وحدة الانسان مع الطبيعة.

18 - فالعامل المغترب لم يعد ينتج من أجل اشباع حاجياته الأساسية، وانما من أجل اشباع حاجيات البرجوازية المالكة لوسائل الانتاج. ومن هنا يصبح الانسان مغتربا اتجاه سيرورة العمل واتجاه منتجات عمله. ويتحول هذا الاغتراب اتجاه العمل أيضا إلى اغتراب الإنسان اتجاه الطبيعة، التي يتملكها البرجوازي.

19 – ويشير كارل ماركس بخصوص العمل المغترب في مخطوطاته الباريسية الى ما يلي: "خلال العمل المغترب، ينتج العامل علاقة إنسان غريب عن العمل ويقف خارجه بهذا العمل، فعلاقة العامل بالعمل تولد علاقة الرأسمالي – أو أي أسم يختاره المرء لسيد العمل – بالعمل. وهكذا فإن الملكية الخاصة هي نتاج العمل المغترب – العلاقة الخارجية للعامل بالطبيعة وبذاته – ونتيجته وعاقبته الضرورية. وهكذا تنتج الملكية الخاصة بالتحليل النهائي عن مفهوم العمل المغترب، والحياة المغتربة، الإنسان المغترب".

20-ويعكس اغتراب الانسان اتجاه الطبيعة في ظل النظام الرأسمالي علاقة الاستغلال اللاأخلاقية التي توجد في قاعدة الانتاج الرأسمالي. لأجل ذلك يتكرس باستمرار النهب والتسميم وتشويه الطبيعة في الرأسمالية كظاهرة متلازمة مستمرة لنمط الانتاج الرأسمالي.

21- ويشير كارل ماركس في مؤلفه الايديولوجية الألمانية إلى أن الأيديولوجية المهيمنة دائما هي أيديولوجية الطبقات المهيمنة، وليس في ذلك غرابة، فالطبقة المتحكمة في دواليب الاقتصاد هي نفسها المتحكمة في أجهزة الدولة السياسية والقانونية والبوليسية وعبر هذا التحكم تفرض اختياراتها بما يخدم مصالحها حتى وان كانت متعارضة مع مصالح أغلبية الطبقات الشعبية المسحوقة. لذلك فإن نمط التفكير البيئي البرجوازي يخضع لمصالح هذه الطبقة والعمود الفقري لنمط الإنتاج الرأسمالي هي قانون الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ومن خلال ذلك وبواسطة رؤوس الأموال المتراكمة تتمكن البرجوازية من الهيمنة على الأراضي والجبال والسهول سواء بشكل مباشر أو عبر سلطة الدولة كأداة طبقية قمعية في متناولها وبواسطة أجهزتها.

22– وقد جعلت البرجوازية من الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من المبادئ المقدسة التي جعلت من "المستحيل" المساس بها لكونها أساس تراكمها الرأسمالي، ومن خلالها تستبيح البرجوازية البيئة الحيوية لحياة الانسان والحيوان والنبات وتعمل على تسليعها المكتف لتلبية حاجيات سبعة مليارات من سكان الأرض بشكل مضاعف ب 14 مرة. فهذا الاستغلال الوحشي للموارد الأولية هو الذي يسرع من وثيرة الكارثة البيئية الكوكبية.

23– حول ارتباط حياة الانسان بالموارد الطبيعية التي تتحكم فيها الطبقة الرأسمالية اليوم، يقول كارل ماركس في مخطوطاته الباريسية: " إن حياة النوع – سواء عند الإنسان أو عند الحيوان – تتألف ماديًا من حقيقة أن الإنسان (كالحيوان) يعيش على الطبيعة غير العضوية، وكلما ازدادت كلية الإنسان بالمقارنة بالحيوانات ازدادت كلية مجال الطبيعة غير العضوية التي يعيش عليها. وتمامًا كما تشكل النباتات والحيوانات والأحجار والهواء والضوء إلخ.. جزءًا من الوعي الإنساني في مملكة النظرية، جزئيًا كموضوعات للعلم الطبيعي وجزئيًا كموضوعات للفن – طبيعته الروحية غير العضوية، غذاءه الروحي الذي ينبغي عليه أولاً أن يعده كي يكون سائغًا وقابلاً للهضم – فإنها تشكل كذلك في مملكة الممارسة جزءًا من الحياة الإنسانية والنشاط الإنساني. ومن الناحية البدنية لا يعيش الإنسان إلا على منتجات الطبيعة هذه – سواء ظهرت في شكل طعام أو دفء أو ملابس أو مسكن أو أي شيء آخر. وكلية الإنسان تظهر في الممارسة بالتحديد في الكلية التي تجعل من الطبيعة بأسرها جسمه غير العضوي – سواء من حيث أن الطبيعة هي (1) وسيلته المباشرة للعيش و(2) مادة وموضوع وأداة نشاط حياته. فالطبيعة هي جسم الإنسان غير العضوي – ونحن نشير هنا إلى الطبيعة من حيث أنها ليست هي الجسم الإنساني. فكون الإنسان يعيش على الطبيعة – يعني أن الطبيعة هي جسده الذي ينبغي أن يظل البدنية والروحية ترتبط بالطبيعة يعني أن الطبيعة ترتبط بذاتها، لأن الإنسان جزء من الطبيعة".

24 – ليست قضية البيئة ترفا فكريا، أو تشويها للفكر الطبقي وتحويلا لانتباه الطبقات الشعبية المسحوقة نحو موضوع خاص بالبرجوازية المهيمنة، بل تشكل موضوعا يدخل في صميم الصراع الطبقي والسياسي بين الطبقتين الأساسيتين في المجتمع: البرجوازية والبروليتاريا. فتدمير البرجوازية للبيئة هو تدمير أيضا للإنسان وللطبيعة التي يستمد منها حياته، يقول ماركس: " إن العامل لا يستطيع أن يخلق شيئًا دون الطبيعة، دون العالم الخارجي المحسوس، إنها المادة التي يتحقق فيها عمله، التي يمارس فيها عمله، التي ينتج منها وبواسطتها. ولكن كما تزود الطبيعة العمل بوسيلة الحياة بمعنى أن العمل لا يستطيع أن يعيش دون موضوعات يعمل عليها، فإنها من الناحية الأخرى توفر وسيلة الحياة – بالمعنى الضيق للكلمة، أي وسيلة الوجود الجسدي للعامل ذاته".

25-ففهم الصراع الطبقي السياسي بين الطبقتين الأساسيتين يشمل الأخذ بعين الاعتبار كامل قوة وضعف العدو الطبقي. ومن أجل ابراز بشاعة نمط الانتاج الرأسمالي أمام البروليتاريا، لا بد من التأكيد على الكيفية التي تعمل بواسطتها البرجوازية على تدمير أساسات البقاء على قيد الحياة للإنسان والحيوان والنبات على سطح الكوكب الأرضي. فالعناصر الأساسية المكونة للكوكب هي الهواء والماء والتربة، ومن خلالها تنبثق التفاعلات الديالكتيكية للحياة بكافة تجلياتها. وها هي الشروط الأساسية للحياة توجد اليوم، نتيجة قوانين عمل نمط الانتاج الرأسمالي وما تؤدي إليه من احتباس حراري وتلويث مدمر لمكونات الحياة الأساسية الثلاثة، في طور الانتقال نحو وضع كارثي، مما يتطلب اتخاذ قرار ثوري عاجل من أجل إسقاط نمط الانتاج الرأسمالي لأنه لا حلول لانقاد البيئة من دون اسقاط هذا النمط. والقضاء بالتالي على الاغتراب الإنساني اتجاه العمل والطبيعة معا.

26-فالمتهم الرئيسي بالتدمير التام لشروط الحياة فوق كوكبنا الأرضي، هو نمط الانتاج الرأسمالي تحت ادارة القوى الامبريالية المهيمنة بدون شريك. كما أن الخاسر الأكبر في هذا التدمير الكارثي هي الطبقة العاملة، لذلك لا يمكن معالجة الوضع البيئي بمعزل عن تغيير راديكالي في الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد.

27-وإذا كانت النظريات البرجوازية والبرجوازية الصغرى تضع الانسان في مواجهة الطبيعة على أساس رؤية مثالية رجعية تخفي المنظور العلمي للطبيعة، فإن نمط التفكير البروليتاري المادي الجدلي عليه ان ينظر الى الانسان كجزء من الطبيعة وأنه منتوجها الأسمى، وأن ينظر الى البيئة نفسها على أنها تطورت وتغيرت بتفاعل مع الحياة ومع عمل الانسان. فالمحيط البيئي للكائنات الحية في مرحلتها الحالية أصبحت مطبوعة بشكل حاسم بالتأثير النشيط للإنسان وتشكل القاعدة الطبيعية للوجود الانساني وتطوره نحو مستوى أعلى.

28– وللقضاء على اغتراب حياة الانسان نحو العمل والطبيعة يرى كارل ماركس ان الحل يكمن في الشيوعية: " الشيوعية باعتبارها التخطي الإيجابي للملكية الخاصة، أو لاغتراب الذات الإنسانية، وبالتالي باعتبارها التملك الحقيقي للماهية الإنسانية من جانب الإنسان وللإنسان، وبالتالي الشيوعية باعتبارها عودة الإنسان الكاملة إلى ذاته ككائن اجتماعي (أي إنساني) – عودة تصبح واعية ومكتملة في إطار كل ثروة التطور السابق. وهذه الشيوعية – كطبيعية مكتملة التطور – تساوي الإنسانية، وكإنسانية مكتملة التطور تساوي الطبيعية، إنها الحل الحقيقي للنزاع بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان – الحل الحقيقي للصراع بين الوجود والماهية، بين التموضع وتأكيد الذات، بين الحرية والضرورة، بين الفرد والنوع. الشيوعية هي لغز التاريخ وقد حل، وهي تعرف نفسها باعتبارها هذا الحل".

29– ولقد سبق لكارل ماركس سنة 1843 في رسالة الى روج، أن حدد المقصود بالشيوعية حينما قال: " إصلاح الوعي ليس من خلال أفكار دوغمائية، وإنما من خلال تحليل الوعي الغامض الذي لا يمكن فهمه في ذاته، سواء كان ذلك تجليًا في شكل ديني أو سياسي. سوف يصبح من الواضح بعد ذلك أن العالم كان يحلم منذ فترة طويلة بامتلاك شيء ما، وكان ينقصه الوعي الواضح فقط لكي يمتلكه حقيقة في الواقع. فالمسألة ليست وصفة فكرية عميقة تربط بين الماضي والمستقبل، وإنما العمل على انجاز أفكار الماضي. أخيرًا، سيتضح أن الجنس البشري لا يشرع في انجاز عملً جديدً، ولكنه يستكمل عمله القديم بشكل واع". فالشيوعية إذن ليست اختراعا ذهنيا مجردا لأحد المفكرين أو الفلاسفة وإنما هي الحياة المادية التي عاشتها البشرية لملايين السنين قبل حدوث الانقسام الطبقي في العصر الحجري الأعلى في ظل الثورة الزراعية. وهدف الشيوعية خو القضاء على الطبقات وعلى العمل المأجور وعلى تدمير وحدة الانسان والطبيعة.