الحلقة العشرون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكارثة


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 6400 - 2019 / 11 / 5 - 00:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الفصل السابع
تدويل الأزمة السورية
1-مقدمة:
يمكن القول بثقة اليوم أن جميع الأطراف السورية الأساسية سواء من المعارضة أم النظام لم تكن جادة في الحوار، في أية مرحلة من مراحل الصراع، فكل طرف كان يراهن على العمل العسكري لحسم الصراع لصالحه. مع ذلك ينبغي الاعتراف بأن النظام ادار سياسته وسلوكه تجاه الحوار بطريقة أفضل بكثير من المعارضة السورية. فهو على سبيل المثال لم يرفض رسميا وعلنيا أي دعوة للحوار، لكنه كان يجد في مواقف المعارضة ما يجعله يحملها مسؤولية فشل الحوار، في حين لم توافق المعارضة على أية دعوة للحوار، وبقيت أسيرة شعارات غير واقعية.
لقد وافق النظام مثلاً على كل مبادرة لحل الأزمة السورية، سواء صدرت عن جامعة الدول العربية او جهات دولية مختلفة، ومنها بطبيعة الحال الأمم المتحدة، او في الحد الأدنى لم يكن يعلن رفضها، إلا بعد أن تعلن المعارضة رفضها. بدورها المعارضة الخارجية التي اعترفت بها دول كثيرة كانت ترفض كل مبادرة تصدر سواء عن جامعة الدول العربية او الأمم المتحدة، ولم توافق أصلا على بيان جنيف1 ، البيان الذي صار لاحقا أساسا لكل ما صدر عن المجتمع الدولي من مبادرات إلا قبيل عقد جلسة التفاوض الأولى في جنيف بأيام قليلة. ومع أن جميع المبادرات الدولية لحل الأزمة السورية كانت تدعو إلى حوار سوري – سوري، في عملية تعتيم وإيهام لحوار كان مطلوبا بين النظام والمعارضة الخارجية. بكلام آخر يمكن القول أن ما سمي بالحوار السوري – السوري كان مجرد كذبة كبرى.
2-الحوار السوري- السوري كذبة كبيرة!!
في أول ظهور إعلامي له، رئيس وفد النظام السوري إلى مفاوضات جنيف3، بشار الجعفري قال: أن فاتحة قرآن نظامه في هذه المفاوضات هي " محاربة الإرهاب، والحوار السوري – السوري، بدون أي تدخل أجنبي". بجملة واحدة ، جمع الجعفري بين مسألتين: واحدة فيها الكثير من المصداقية، أما الثانية فلا تعدو كونها محض افتراء. فعندما جعل الجعفري محاربة الإرهاب في مقدمة قرآن نظامه فإنه أراد الاستثمار السياسي في مصطلح صار شائعا، ومستقرا في الإعلام، وفي الخطاب السياسي الدولي، يشير إلى محاربة داعش والنصرة، كجواز مرور للاستمرار في محاربة كل من يعارضه، وبصورة خاصة، أولئك الذين رفعوا السلاح في وجه نظامه، سواء للدفاع عن النفس بداية، أو في سبيل نصرة مشروع سياسي إسلامي تالياً. غير إن ما يتجاهله السيد الجعفري، هو أن محاربة الإرهاب من منظور كثير من السوريين تشمل نظامه بالدرجة الأولى لأنه بالأساس، وفي سياق وجوده واستمراره، قام على الإرهاب بكل أشكاله، بدء من الطرد من الوظائف والحرمان من مصادر الرزق، إلى السجن الطويل( أكثر من عشرين سنة) كما فعل مع قادة حركة 23شباط لعام 1966، بمن فيهم رئيس الدولة الدكتور نور الدين الأتاسي، وأغلب أعضاء قيادة حزب البعث والحكومة في تلك الفترة، بل وعمد إلى تصفية بعضهم في السجن، وكما فعل خلال صراعه مع الإخوان المسلمين في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، إذ استغل المناسبة لكي يسجن كل معارض له من قوى قومية ويسارية لفترات طويلة أيضاً . وقد تجلى إرهابه بصورة جلية في مواجهة انتفاضة الشعب السوري السلمية ضده، في أروع ملحمة شهدها تاريخ سورية، ليس فقط من خلال الزج بعشرات الآلاف من السوريين في سجونه، بمن فيهم النساء والأطفال، ومواجهة المتظاهرين السلميين بالنار، بل والدفع باتجاه عسكرة الانتفاضة لكي يخلق مبررا لسياساته القمعية، وقد نجح بذلك. وما كان له أن ينجح في تطبيق استراتيجيته هذه لولا العمل على أسلمه الانتفاضة منذ البداية، إضافة إلى المساعدة الموضوعية لهذا العمل من بعض الدول العربية والإقليمية، وحتى البعيدة، التي ادعت صداقة الشعب السوري، لكنها في الواقع شجعت على الإرهاب في سورية، ودعمته بكل الوسائل لأهداف تخصها ، يقف في مقدمتها تدمير سورية وتمزيق وحدة شعبها.
ومنذ أن صار السلاح العنصر الحاسم في الأزمة السورية، تعززت أكثر فأكثر مقولة الحوار السوري- السوري مجرد كذبة كبيرة، إذ لم يعد لا النظام ، ولا أغلب فصائل المعارضة الفاعلة، وخصوصا العسكرية منها، مستقلة الإرادة السياسية، بل مجرد أدوات للقوى الدولية المتصارعة على سورية. فمن جهة صار النظام رهينة لإيران والميلشيات الطائفية التي دفعت بها إلى حلبة الصراع في سورية لنصرة النظام، وكذلك لروسيا التي لم تكتف بتزويده بكل مستلزمات الحرب ، بل أرسلت قواتها الجوية لمنع انهياره. هذه المساعدات الأجنبية للنظام أسست، لضغوطات سياسية عليه أخذت في البداية شكل نصائح، لكنها تاليا أخذت صيغة أوامر دبلوماسية، وهذا ما تمثل في قبول النظام، بعد زيارة رئيسة منفردا إلى موسكو، بإعداد دستور جديد، وتشكيل حكومة ذات مصداقية، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد ثمانية عشر شهراً.
من المثير للسخرية أن يتحدث وفد النظام في جنيف عن عدم "التدخل الخارجي" في الحوار "السوري- السوري"، وهو في وضعية الرهينة للقوى الأجنبية التي تدعمه وتزوده بكل أسباب بقائه.
أما من جهة المعارضة، وتحديدا تلك التي صارت تعرف بالمعارضة الخارجية، متمثلة في المجلس الوطني السوري، ولاحقا بالائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، عداك عن المعارضة المسلحة بكل تشكيلاتها، فهي، في النشأة والتكوين واستمرار الوجود، كانت حصيلة إخصاب أجنبي متعدد بأنبوب حمل سوري. في ظل هذا الواقع من السخرية أيضا الحديث عن استقلال الإرادة السياسية لهذه "المعارضة السورية" ، إنها في الواقع مجرد أدوات في مشاريع أجنبية متصارعة على سورية، وفي سورية. هذه الأحكام السياسة عليها كان أول من أصدرها أعضاء من داخلها، رغم أنها معلومة لغيرهم، وحتى الدول المتدخلة في شؤونها لا تخفي ذلك. ففي مؤتمر الرياض الأول للمعارضة السورية، على سبيل المثال، لم يكن للسوريين أنفسهم أي دور مهم في الدعوة للمؤتمر، أوفي تنظيمه، أو في مخرجاته. المؤتمرون الحقيقيون كانوا سفراء الدول الأجنبية الراعية للمعارضة السورية في الكواليس حيث تصدر الأوامر. وحتى الراعي السعودي لم ينكر ذلك، فبعد أن كان مقررا دعوة نحو خمس وستين شخصية معارضة، وصل العدد إلى نحو مائة وستة عشر عضوا، فكل دولة أجنبية، أرادت حضور من يمثلها من المعارضة السورية، أو تثقيل حضور من تحسبهم عليها.
وفي جنيف3، وبمجرد وصول وفد النظام، فقد لبى فورا دعوة الجانب الروسي للقائه، ليس لشرب الشاي والمجاملة بالتأكيد، وهكذا فعل وفد المعارضة، ما إن وصل إلى جنيف حتى وجد بانتظاره دبلوماسيين أتراك، وقطريين، وأمريكان، وفرنسيين، وبريطانيين، وسعوديين، وغيرهم لتلقي " النصائح"(كذا).
إن مقولة الحوار "السوري –السوري بدون تدخل أجنبي" كذبة كبيرة، وما أكثر الأكاذيب في خطاب السلطة والمعارضة. ويبدو لي أن الأكاذيب التي رافقت انتفاضة الشعب السوري كانت من جملة الأسباب التي حرفتها عن اتجاهها الصائب، مما تسبب بدمار البلد، وتعريض الشعب لمعاناة غير مسبوقة في التاريخ. وصار واضحا بعد تدويل الأزمة السورية انه لا حل لها ولا مخرج إلا إذا جلست القوى الدولية المتدخلة في الشأن السوري لاتخاذ قرار ملزم واجب التنفيذ الفوري لحل الأزمة السورية. وهذا على ما يبدو ما زال بعيداً.
3- التدخلات الأجنبية في سورية عقدت أزمتها
تعيش سوريا وشعبها منذ آذار 2011 أزمة حادة، غير مسبوقة في التاريخ وتكاد تكون الأولى من نوعها في الاقليم العربي. لقد تفجرت الأزمة، بعد طول حمل موضوعي، على شكل تمرد لقطاعات معينة الشعب السوري، وخصوصا الشباب، مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، لتتحول خلال أشهر قليلة إلى انتفاضة جماهيرية ذات طابع شعبي تطالب بإسقاط النظام البعثي الاستبدادي، لتطور الأحداث لاحقا إلى صراع مسلح على السلطة نتيجة العنف المفرط الذي استخدمته آلة النظام الحربية أولاً، والتدخلات الخارجية في الأزمة، وعلى رأسها تركيا الجارة ثانياً. لقد فتحت حدودها الطويلة مع سورية لكل متطرف وارهابي ليدخل ويقاتل في سورية، وسهلت امداده بالسلاح والمال، الذي أخذ يتدفق من دول وجهات عديدة.
ما كان للدوائر الغربية الرسمية عموماً، والأمريكية منها على وجه الخصوص، وكذلك حكومات العديد من الدول العربية والإقليمية، أن تقبل بدور المتفرج على ما يحصل في بعض الدول العربية، من انتفاضات شعبية، تطرح لأول مرة في التاريخ أسئلة تتعلق بالأنظمة السياسية المستبدة الحاكمة فيها، في منطقة لطالما وصفت مصالحها فيها بأنها حيوية، دون أن تبدي أية ردة فعل. وإذا كانت انتفاضة الشعب التونسي وانتفاضة الشعب المصري قد فاجأتا هذه الدوائر إلى حد كبير، مما جعلها تعمل لاحقا على احتوائها، فإنها في انتفاضة الشعب الليبي، وكذلك في انتفاضة الشعب اليمني، وفي انتفاضة شعب البحرين، قد أدت الدور الحاسم. في الأولى عن طريق التدخل العسكري المباشر، وفي الثانية عن طريق فرض ترتيبات معينة، فتحت الطريق أمام حصول تغييرات في المستوى السياسي، في حين أنها في حال البحرين لجأت إلى إرسال قوات لحماية النظام الملكي القائم. أما في سورية فإن الوضع كان مختلفا منذ البداية، إذ أنها كانت تراقب ما يمكن أن يحصل في هذا البلد العربي الذي كانت تعتبره غير صديق، بدفع وتحفيز من انتفاضات الشعوب العربية بصورة رئيسية، وبدفع وتحفيز منها ثانية، عن طريق
وسائل الإعلام على الأقل .
لكن ما إن شرع الشعب السوري أخيراً بالتمرد على حكامه، حتى بادرت دول عديدة عربية وإقليمية وبعيدة تتدخل في الشأن الداخلي السوري تحت عناوين مختلفة، ظاهرها دعم الشعب السوري في مطالبه العادلة، وباطنها الدفاع عن مصالحها الخاصة. واللافت أن التدخل الخارجي جاء بداية من سلطات الدول التي كانت تعد صديقة للنظام السوري مثل قطر وتركيا، لتتحول سورية لاحقا، وخلال زمن قصير، إلى ساحة صراع دولية لم يُشهد لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.
إن نهج العنف، في الظروف السورية، هو نهج قطع مسار تحول الانتفاضة الشعبية إلى ثورة وفتح الطريق أمام خيارات وممكنات الثورة المضادة، وهذا كان مستهدفا لذاته من قبل السلطة السورية، لكنه لم يكن بعيدا عن استهداف دول عربية وأجنبية أخرى، ولكل أسبابه الخاصة.
لقد تدخلت دول عربية وأجنبية في سورية لأنه كان لها مصلحة حقيقية في وقف مد " ثورات الربيع العربي " والقضاء على احتمالات انتقالها إلى دول أخرى. لذلك فهي قد شجعت وساعدت على انتشار العنف في سورية لإدراكها أنه في ظروف سورية سوف يدفن هذه الاحتمالات على الأقل في المدى المنظور.
من جهة أخرى؛ فإن دولاً عربية وأجنبية قد وجدت في الصراع العنيف في سورية فرصة سانحة للقضاء على تحالفها مع روسيا وإيران مما يضعف هذه الأخيرة، من خلال استنزاف قدراتها المالية والعسكرية، وفضح سياساتها الداعمة للنظام السوري في مواجهة شعبه، ويبعد روسيا عن المنطقة من خلال القضاء على آخر حليف لها.
غير أن تدمير سورية، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، والقضاء على دورها الفاعل والمحوري في المنطقة لم يكن أيضا غير ملحوظ في سياسات كثير من الدول الأجنبية وفي مقدمتها الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي، وذلك خدمة لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وفي مقدمتها مصلحتها في الحفاظ على أمن إسرائيل.
على المقلب الآخر فإن حلفاء النظام كانوا مدركين منذ البداية لأهداف تدخل الدول الغربية في الشأن الداخلي السوري، لذلك وقفوا بقوة إلى جانب النظام، حليفهم الاستراتيجي في المنطقة، وقدموا له كل الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي.
لقد أدى التدخل الخارجي في سورية إلى تأجيج الصراع المسلح فيها، بحيث صار يملأ كامل المشهد. في جهة تصطف قوى المجموعات المعارضة المسلحة التي صار يغلب عليها الطابع الجهادي المتطرف مدعومة من ألاف المقاتلين الأجانب القادمين إليها من أكثر من ثمانين بلداً، تساندها عسكريا وماليا وسياسيا مجموعة دول ما يسمى بـ " أصدقاء الشعب السوري ". وفي الجهة الأخرى يصطف النظام بكل قدراته العسكرية والأمنية مدعوما على الأرض من آلاف المقاتلين من حزب الله اللبناني وبعض التنظيمات شبه العسكرية العراقية، والإيرانية وغيرهم. هذا المشهد الذي يتميز بالاستقطاب الحاد سوف يلقي بظلاله على أفاق الزمن القادم في سورية، خصوصا لجهة الحلول المطروحة ورسم ملامح سورية المستقبل.
في الواقع لم تشهد أية ساحة عربية من ساحات ما سمي بـ "الربيع العربي" من تدخل قوى خارجية كما شهدتها الساحة السورية، سواء لتقديم الدعم لهذا الطرف او ذاك، او لتقديم المبادرات للحل، بدءاً من بعثة المراقبين العرب، وانتهاءً بمؤتمر فيينا، غير أن جميع المحاولات باءت بالفشل لأن جميع هذه الأطراف غلبت مصالحها الخاصة على مصالح الشعب السوري. فبعد نحو تسع سنوات من عمر الأزمة السورية بات واضحاً للجميع أن الحل في سوريا لا بد أن يكون سورياً بحتاً عبر مشروع سوري ديمقراطي، يلبي طموحات جميع مكونات الشعب السوري، فالخيار العسكري حتى لو حسم الصراع في جانبه الميداني، لن يغني عن ضرورة الحل السياسي. فالمشكلات التي نجمت عن الصراع اكبر بكثير من امكانية كل طرف وحلفائه، ولا بد، من ثم، من مشاركة جميع السوريين في اعادة الاعمار، واعادة اللحمة إلى النسيج الوطني الذي تهتك كثيرا.
لقد بات تأزم الوضع السوري وتفاقمه، يشكل خطراً على مصالح الدول الكبرى في المنطقة، وعلى مصالح الدول الاقليمية العربية وغير العربية، لذلك بدأت هذه الدول التي تدخلت لتأجيج الصراع المسلح طيلة سنوات الأزمة قبل عام 2018، تحاول اليوم، وبعد التغيرات الميدانية الحاسمة لصالح جبهة النظام التدخل لإيجاد حل يحفظ لها مصالحها على المدى المتوسط والبعيد. في هذا المجال يلاحظ كثرة جلسات مجلس الأمن الدولي بخصوص الأزمة السورية، وكذلك مؤتمرات عديدة مختلفة، وتحت عناوين وأسماء مختلفة أيضاً، سواء عبر مسار جنيف ولخدمته، أو عبر مسار استانا، ويحاول شق طريقه اليوم مسار جديد اسمه مسار" سوتشي".
4-جامعة الدول العربية ودورها في سورية(66).
لقد كانت جامعة الدول العربية أول جهة دولية تحاول لملمة الوضع السوري، فتقدمت بخطة أولى لحل الأزمة رفضها النظام، فعدلتها في مشروع خطة جديدة وافق عليها النظام السوري بتاريخ 2 تشرين الثاني لعام 2011. لقد جاء في قرار جامعة الدول العربية ما يأتي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
66- المبادرة العربية لحل الزمة السورية،www.wikipedia.org تاريخ الدخول 2/11/2018
1- ضرورة، ووقف كافة أعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين
2-مطالبة الحكومة السورية بما يلى :
أ- الإفراج عن المعتقلين، وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات الجامعة المعنية، ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع، ورصد ما يدور من أحداث.
ب- سحب الجيش السوري وأية قوات مسلحة من مختلف التشكيلات لثكناتها ومواقعها الاصلية .
ت- ضمان حرية التظاهر السلمي بمختلف أشكاله وعدم التعرض للمتظاهرين.
ث- دعوة الحكومة السورية إلى تسهيل مهمة بعثة المراقبين والسماح بإدخال كافة المعدات خاصة أجهزة الاتصال .
ج- الاستمرار في دعم وزيادة عدد بعثة مراقبي جامعة الدول العربية وتوفير ما يلزم لهم من الدعم الفني، والمالي، والإداري، والتعاون مع الامين العام للأمم المتحدة لدعم البعثة.
3- دعوة الحكومة السورية وكافة أطياف المعارضة إلى بدء حوار سياسي جاد تحت رعاية جامعة الدول العربية، في أجل لا يتجاوز أسبوعين من هذه الدعوة وذلك لتحقيق المبادرة التالية:
أ ـ تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين من تاريخه، تشارك فيها الحكومة والمعارضة برئاسة شخصية متفق عليها تكون مهمتها تنفيذ بنود خطة العمل العربية، والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة، بموجب قانون ينص على إجراءاتها بإشراف عربي ودولي.
ب ـ تفويض رئيس الجمهورية نائبه الاول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوفاق الوطني لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية.
ت ـ إعلان حكومة الوحدة الوطنية حال تشكيلها بأن هدفها هو اقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي يتساوى فيها المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي.
ث ـ قيام حكومة الوحدة الوطنية على إعادة الأمن والاستقرار في البلاد، وإعادة تنظيم اجهزة الشرطة لحفظ النظام، وتعزيزه من خلال تولي المهام الامنية ذات الطابع المدني، وتتعهد الدول العربية بتمويل هذا الجهد بالتنسيق مع جامعة الدول العربية.
ج ـ إنشاء هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وإنصاف الضحايا.
ح ـ قيام حكومة الوحدة الوطنية بالإعداد لإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية على أن تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية، وذلك خلال ثلاثة أشهر من قيام حكومة الوحدة الوطنية، وتتولى هذه الجمعية إعداد مشروع دستور جديد للبلاد، يتم إقراره عبر استفتاء شعبي، وكذلك إعداد قانون انتخابات على أساس الدستور.
4-تكلبف الأمين العام لجامعة الدول العربية بتعيين مبعوث خاص لمتابعة العملية السياسية.
5-دعوة المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم لحكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء مهمها.
6-الطلب من رئيس اللجنة والأمين العام إبلاغ مجلس الأمن لدعم هذه الخطة طبقا لقرارات مجلس الجامعة.
بموجب هذه الخطة تعهد النظام بسحب قواته من المدن، والافراج عن السجناء السياسيين، وإجراء محادثات مع زعماء المعارضة خلال 15 يوماً كحد أقصى.
لكن النظام اخذ يماطل لكسب الوقت، ولذلك اتخذت الجامعة العربية قرارا بأغلبية ساحقة، بتاريخ 16/تشرين الثاني 2011، تم بموجبه تجميد عضويَّة سوريا في الجامعة العربية، وامهلها القرار مدة 3 أيام للتوقيع على بروتوكول لإرسال مراقبين عرب إلى سورية، وهو ما أثار سخط الحكومة السورية. وتم تمديد المهلة حتى مساء يوم الجمعة 25 تشرين الثاني من العام ذاته ، لكن الحكومة السورية رفضت، مما استدعى ان تفرض عليها الجامعة العربية عقوبات اقتصادية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه.
وفي 19 كانون الأول 2011 وافقت الحكومة السورية أخيراً على توقيع المبادرة ودخلت بموجبها طلائع البعثة العربية البلاد يوم الخميس 22 كانون الأول عام 2011 وانتهت أعمالها فيها في 16 كانون الثاني عام 2012، أي بعد نحو أقل من شهر من بدء مهامها في سورية.
وفي 23 كانون الثاني/يناير عام 2012 طرحت الجامعة العربية بالإجماع مبادرة جديدة لحل الأزمة في سوريا، تقضي بأن تشارك المعارضة مع النظام في حكومة وحدة وطنية، على أن يسلم بشار الأسد لاحقاً صلاحياته إلى نائبه بالتعاون مع هذه الحكومة لإنهاء الأزمة، لكن النظام رفض المبادرة، لتنتهي بذلك محاولة الجامعة العربية بالفشل.
ردت جامعة الدول العربية على رفض النظام تنفيذ خطتها لحل الأزمة بإصدار عدد من القرارات جمدت بموجبها عضوية سورية في الجامعة، وفرضت عقوبات عليها. ففي اجتماع مجلس الجامعة بتاريخ12/11/2011 قررت الجامعة:
1-تعليق مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من يوم 16/11/2011 وإلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة
السورية والتي اعتمدها المجلس في اجتماعه بتاريخ 2/11/2011
2- توفير الحماية للمدنيين السوريين، وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل، يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بما فيها الأمم المتحدة، وبالتشاور مع أطياف المعارضة السورية لوضع تصور بالإجراءات المناسبة لوقف هذا النزيف، وعرضها على مجلس الجامعة الوزاري للبت فيها في اجتماعه المقرر يوم 16/11/2011
3-دعوة الجيش العربي السوري إلى عدم التورط في أعمال العنف والقتل ضد المدنيين.
4- توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية ضد الحكومة السورية.
5- دعوة الدول العربية لسحب سفرائها من دمشق مع اعتبار ذلك قراراً سياديا لكل دولة.
6- دعوة جميع أطراف المعارضة السورية للاجتماع في مقر الجامعة العربية خلال ثلاثة أيام للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية المقبلة في سورية، على أن ينظر المجلس في نتائج أعمال هذا الاجتماع ويقرر ما يراه مناسباً لشأن الاعتراف بالمعارضة السورية.
7- عقد اجتماع على المستوى الوزاري مع كافة أطراف المعارضة السورية بعد توصلهم إلى الاتفاق كما جاء في سادساً.
8- بقاء المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة الموقف.
وهناك قرارات اخرى عديدة صدرت عن مجلس جامعة الدول العربية، بخصوص الأزمة السورية. بصورة عامة يمكن القول ان دور جامعة الدول العربية لم يكن جيدا ولا بناء في الأزمة السورية، إضافة إلى دفعها بالأزمة إلى التدويل، وهذا ما حصل فعلاً.
5- لماذا فشلت مبادرة جامعة الدول العربية ؟
بعد نحو ثمانية أشهر من بدء انتفاضة الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته، سقط خلالها ألاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمهجرين، تحركت جامعة الدول العربية للتدخل في الشأن السوري بما يفتح مسارات سياسية للخروج من الأزمة العامة التي تعيشها سورية، وتسبب بها النظام الاستبدادي بالدرجة الأولى. لقد عرضت جامعة الدول العربية على النظام السوري مبادرة توصل إليها أعضاؤها بعد مساومات لم تكن سهلة فقبل بها النظام دون تحفظ. لقد ركزت المبادرة على إيقاف حمام الدم في سورية، ولم تتضمن مقترحات سياسية مباشرة، كتلك التي تضمنتها مبادرتها الأولى ورفضها النظام، من قبيل تحديد مدة بقاء الرئيس في السلطة إلى نهاية ولايته فقط دون أن يكون له الحق بالترشح ثانية. المسائل ذات الطابع السياسي تركتها المبادرة إلى طاولة الحوار التي من المفترض أن يتحلق حولها ممثلو السلطة والمعارضة على قدم المساواة لأول مرة في تاريخ سورية. من غير المألوف، في تاريخ سورية الحديث، أن تعترف السلطة بوجود معارضة أصلا، عداك أن تعترف بها ندية لها، وأن توافق على الجلوس معها على طاولة واحدة. لقد صارت المعارضة في ثقافة البعث وخطابه بعد عام 1970 قوى عميلة وخائنة، و تعامل معها بناء على ذلك بالقمع والاعتقال والقتل أو التهجير. ما أود قوله هو أن تاريخا طويلا من فقدان الثقة بين المعارضة والنظام السوري ليس سهلا تجاوزه، وسوف يكون حاضرا بقوة على طاولة المفاوضات، وسوف يترك أثاره على فرص نجاح المبادرة. لذلك فإن المطلوب من النظام أفعال لا أقوال، ومطلوب من المعارضة أيضاً التحلي بالصبر، والابتعاد عن شخصنة القضايا السياسية، وبذل الجهد من أجل التفوق الأخلاقي والسياسي على النظام من خلال تعاليها على جراح الماضي والتطلع نحو المستقبل. هذا درس سياسي مستفاد من تجارب بعض الدول الأوربية، وغير الأوربية التي شهدت تحولاً من الأنظمة الشمولية أو الدكتاتورية إلى الأنظمة الديمقراطية عبر المفاوضات والنهج السلمي المتدرج. كثير من الدول العربية وغير العربية المتدخلة في سورية لم تكن مع التدخل العسكري الأجنبي في سورية لإسقاط النظام، كما حصل في ليبيا مثلاً، بل مع الخيار السياسي التفاوضي. من هذا المنطلق دعم كثير منها مبادرة جامعة الدول العربية لحل الأزمة السورية.
كان واضحا منذ البداية أن فرص نجاح مبادرة جامعة الدول العربية يتوقف على سلوك النظام أولاً، وعلى سلوك المعارضة تالياً. وبغض النظر عن الأسباب التي دعت النظام إلى الموافقة على مبادرة جامعة الدول العربية والتي منها بالدرجة الأولى صمود الشعب السوري وتحديه لآلة القتل التي تفنن النظام بها، وتعرض مؤسساته الأمنية إلى ضغط شديد من جراء تزايد الانشقاقات عنها، وبروز أثار الحصار الاقتصادي والسياسي للنظام على الدولة والمجتمع، واحتمال تخلي أصدقاؤه عنه. يضاف إلى ذلك بدأت التساؤلات الجدية المقلقة تطرح في داخله في ضوء مصائر حكام تونس، ومصر، وليبيا، وما ينتظر حكام اليمن، وغيرهم من حكام دول عربية أخرى. أقول بغض النظر عن كل هذه الأسباب فإنه لا يمكن الوثوق بالسلطة التي رغم شدة الخناق عليها سوف تحاول المراوغة، من خلال تفريخ "معارضات" من هوامشها، أو محاولة الاستفادة من بعض التباينات في خطاب المعارضة التقليدية، ومن غياب ممثلين حقيقيين للحراك الشعبي من داخله، أو من خلال المماطلة في تنفيذ بعض المطالب المحقة للشعب السوري بذريعة عدم توفر الظروف المناسبة. وليس مستبعدا أبدا تأجيج بعض مظاهر العنف بملبوسات ومظاهر مختلفة، لكي يتم احراج جامعة الدول العربية، وكل ذلك حصل بالفعل.
فلم يلتزم النظام بإيقاف الخيار الأمني وسحب الجيش والأمن من الشوارع، وإطلاق سراح جميع الموقوفين على خلفية الاشتراك بالتظاهر، وإصدار عفو عام وشامل عن جميع السياسيين وغيرها من متطلبات. كما أنه لم يلتزم بالسماح بالتظاهر السلمي للمعارضين والمؤيدين للكشف عن الحجم الحقيقي لكل منهما، لأخذه بالحسبان أثناء المفاوضات في مسألة واحدة على الأقل وهي مسألة بقاء الرئيس في السلطة حتى نهاية ولايته أو الاستقالة.
أما بالنسبة للمعارضة السورية بإطاريها الرئيسيين: هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي بصفتها الممثل الرئيسي لمعارضة الداخل وامتداداتها الخارجية، والمجلس الوطني السوري بصفته الممثل الرئيسي للمعارضة في الخارج وامتداداتها في الداخل، هي الأخرى لم تقدم شيئا يذكر لنجاح المبادرة العربية، فرفضتها معارضة الخارج، في حين قبلت بها معارضة الداخل، وهكذا بقي الانقسام في صفوف المعارضة حول اهم مبادرة عربية طرحت لحل الأزمة السورية. وصار واضحا فيما بعد أن بعض الدول العربية لم تكن حريصة على حل الأزمة السورية في ذلك الوقت، فعملت على تدويلها، وهذا ما حصل فعلا.