لتكن تظاهرة البصرة السلمية نموذجاً يحتذى به


عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن - العدد: 6374 - 2019 / 10 / 9 - 14:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بعد أن نشرتُ مقالين عن التظاهرات الاحتجاجية التي اجتاحت العراق منذ 1/10/2019، ومعارضتي لاستخدام العنف فيها بسبب اختراقها من قبل المندسين المخربين من مختلف الجهات المعادية التي لا تريد الاستقرار للعراق، اتهمني البعض بأني ضد التظاهرات، سواءً كانت سلمية، أو غير سلمية، وأني أدافع عن الحكومة الفاسدة، معاذ الله!

أود أن أؤكد مرة أخرى أني لست ضد المظاهرات السلمية، فهي حق مشروع يكفله الدستور العراقي، ودليل على حيوية أبناء الشعب وخاصة جيل الشباب وإدراكهم لحقوقهم وشجاعتهم، وتحديهم للسلطات الفاسدة التي ظلمتهم. ولكني ضد استخدام العنف بمختلف اشكاله، كاستخدام السلاح، وحرق ممتلكات الدولة، ومن أي طرف كان. فالمعروف أن الظلم وحده لا يكفي لتثوير الإنسان، بل الوعي بالظلم هو الذي يجعله ينفجر على الظالم. وقد أثبت الشباب أنهم واعون بالظلم ويدركون حقوقهم، ولن يتنازلوا عنها، وهذه علامة جيدة تبشر بالخير.

وما حفزني على كتابة هذا المقال هو مشاهدتي لفيديو يعرض تظاهرات جماهيرية في مدينة البصرة الحبيبة، جدير بالمشاهدة واستخلاص الدروس والعبر، والتعلم منها. "تظاهرات نسوية لدعم الرجال في التظاهرات السلمية، والمطالبة بحقوق أهل البصرة التي سرقها السياسيون، والحكومة المركزية والمحلية لم تنفذ أي من مطالبهم". (رابط الفيديو في الهامش).
نشاهد في هذا الفيديو (الذي مدته 17 دقيقة)، تظاهرة نسوية تشارك فيها ألوف النساء ومعهن رجال من مختلف الأعمار وخاصة الشباب، وهن يرددن هتافات مشروعة ويحرصن على الالتزام بحفظ النظام، ومن هذه الهتافات، مثل: (كلا كلا للأحزاب)، (كلا كلا للفاسد)، (البصرة أجمل بدون أحزابكم)، (البصرة حرة حرة)، (نفط البصرة للبصرة)...الخ. وليعذرني المتظاهرون البصريون، (وأنا ابن البصرة الفيحاء)، أني لا أتفق مع الهتاف الأخير (نفط البصرة للبصرة)، فالبصرة جزء من العراق العظيم وثغره الباسم، والأفضل أن نردد (نفط العراق للعراق)، وفي نفس الوقت التأكيد على حاجة المحافظة إلى دعم مالي إضافي في الميزانية، وذلك لما نالها من دمار شامل خلال الحروب العبثية، أكثر من أي منطقة أخرى في العراق.
كذلك نشاهد سيدات وشباب يتحدثون للإعلام فيقدمون أسباب خروجهم بهذه التظاهرة، ويطرحون مطالبهم بمنتهى الشجاعة والطلاقة والبلاغة والوضوح، وبإنسيابية وعفوية مثيرة للإعجاب والتقدير.

نشاهد أيضاً شباباً يشاركون في هذه المسيرة الجميلة التي تستحق كل الفخر والإعجاب والاعتزز بها لتنظيمها الدقيق، وتجنب المشاركين بها للعنف، أو أية كلمات نابية مثيرة للاستفزاز، هؤلاء الشباب في العشرينات من أعمارهم يغنون، وينبري من بينهم شاب يقدم أغنية حزينة عن معاناة الشعب يفجر الدموع من مآقي الحضور المشاركين في هذه المسيرة السلمية بحق.

نحن بأمس الحاجة إلى هذا النوع من المسيرات السلمية. فهكذا تظاهرة تكسب عطف واحترام ودعم الجميع لتحقيق مطالبها المشروعة، ودون إلحاق الأذى بالمشاركين فيها، أو برجال الأمن الذين من واجبهم الحرص على أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم، بما فيها ممتلكات الدولة التي هي ممتلكات الشعب، أي ممتلكات المتظاهرين أنفسهم. لذلك فهذه المسيرة البصراوية السلمية تقدم نموذجاً رائعاً يجب أن يحتذى به للتظاهرات الاحتجاجية السلمية الحضارية في جميع أنحاء العراق، والتي لم تتلوث بوساخة البعثيين الذين إذا ما اندسوا فيها أفسدوها وجعلوا المشاركين فيها عرضة للقتل والإصابة.

بالتأكيد لا يمكن اتهام هؤلاء الشباب بالانتماء البعثي أو كونهم مدفوعين من قبل جهات أجنبية تريد الشر بهم، فهذا تزكية لقوة وشعبية هذه الجهات، فهؤلاء هم جيل جديد لم يتربى على يد النظام البعثي، بل نشأ في ظروف الحرية والديمقراطية والعولمة والإنترنت والموبايل والثورة المعلوماتية وغيرها من وسائل الاتصالات التي جعلت من عالمنا قرية كونية صغيرة. لذلك يمتاز الفرد بقيمته واستقلاليته واحترامه لذاته، وحقوقه الإنسانية. ولكن هذا لا يمنع إندساس البعثيين أو غيرهم لإشعال الحرائق واستفزاز رجال الأمن وبالتالي حصول الصدامات الدموية والمآسي كما حصل في الأيام القليلة الماضية. فهؤلاء يعملون على تشويه صورة هذه التظاهرات السلمية واختطافها، وتسخيرها لأغراضهم لذلك من واجبنا أن نحذر شبابنا من مخاطرهم.
أقول هذا، لأني من جيل 14 تموز أعرف ماذا يعني البعث، ولأن الاستهانة بقدراته تقود إلى التهلكة. فالبعث عبارة عن بندقية للإيجار وذلك لما عرف عنه من العنف بمنتهى التوحش ضد معارضيه، لذلك اعتمدت الاستخبارات الأجنبية عليه واستأجروه لتدمير بلدهم في مختلف العهود والمناسبات التي بدت فيها بشائر الاسقرار منذ ثورة 14 تموز وإلى اليوم، لأنهم لا يريدون عراقاً مستقراً. وما يؤكد مخاوفنا وعدم انتهاء البعث كأداة للتخريب، هو بيانهم السيئ الصيت الذي أذاعه أحد الدايناصورات البعثية المدعو أحمد الحلو، رجل الأمن البعثي في عهد صدام، وبيان آخر نشرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية.
ومن جهة أخرى، نسع أن الذين يطلقون النار على المتظاهرين هم من جهات غير معروفة أو غامضة وبدون أوامر من وزارة الداخلية، قناصة يرمون على المتظاهرين وعلى الشرطة على حد سواء وبقسوة. فهناك من يوجه اصبع الاتهام إلى مليشيا باسم (سرايا الخراساني)، وهي موالية لإيران، وأنها تعمل على إقامة نظام حكم ولاية الفقيه في العراق على غرار النظام الإسلامي في إيران. لذلك من واجب الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على هؤلاء القناصة لحماية المتظاهرين، سواء من المندسين المخربين، أو من القناصة من سرايا الخراساني، وتقديمهم للمحاكم لينالوا جزاءهم العادل. فالدم العراق خط أحمر، وكفى دماءً ودموعاً.
نعم، السلطات الحالية مليئة بالعناصر الفاسدة الذين أهملوا واجبهم، وسرقوا أموال الشعب، وحرموا الشباب من حقوقهم، ويتحملون مسؤولية تردي الأوضاع، والشعب يمهل ولا يهمل. فقد بلغ السيل الزبي، وامتلأ الكيل، فجاء وقت الحساب، ومن حق جيل الشباب من الجنسين عدم الخنوع للظلم والحرمان، بل الثورة على الفاسدين والمفسدين. إذ كما قال أبو ذر الغفاري: (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه). فما يحصل في عراق اليوم هو تطبيقاً لهذا المبدأ، ولا بد للفاسدين في السلطة أن يدفعوا الثمن.
المجد والخلود لشهداء الوطن، والشفاء العاجل للمصابين، والخزي والعار للفاسدين.

وختاماً أترككم لمشاهدة الفيديو
تظاهرات نسوية لم تشهدها البصرة من قبل، وغيرت وقلبت المعادلة.(فيديو 17 دقيقة) جدير بالمشاهدة
https://youtu.be/v-VW41crmPk