مع صديقة العمر فى هدوء الليل


نوال السعداوي
الحوار المتمدن - العدد: 6371 - 2019 / 10 / 6 - 17:42
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

أحب ليل القاهرة حين تخلو من سكانها فى الصيف، وأحب ليل الإسكندرية حين تخلو من أهل القاهرة فى الخريف والشتاء، أتمشى مع صديقة عمرى، على شط النيل الساكن، أو البحر النائم، يدور الحوار بيننا هادئا، لا ينتهى،

لماذا تشعر الزوجات بالسعادة بعد أن يصبحن أرامل؟

لأن مؤسسة الزواج نشأت فى العصر العبودى ولم تتغير إلا قليلا.

لماذا تجتاح الحروب الدينية العالم فى القرن الواحد والعشرين؟

لأن السياسة والدين شىء واحد رغم أنف العلمانيين.

لماذا تزيد الهُوّة بين الطبقات وتعيش الأغلبية الساحقة تحت خط الفقر؟

لأن ١% من البشر يملكون ٩٩% من الثروة والسلطة.

لماذا يُحبس العقل فى الزنازين بسبب ازدراء الذات العليا؟

لأن اللامعقول يسيطر على المعقول منذ التاريخ المكتوب.

لماذا تنخدع شعوب العالم بما يقوله رجال الأديان؟

بسبب الشرخ العميق فى عقل النخبة.

كيف؟

لأن ثورة المفكر أو الكاتب تظل منفصلة عن مفهومه للرجولة، ومصالحه فى البيت والأسرة، وإن كان ماركسياً اشتراكياً أو مثقفاً عضوياً، يظل غير مدرك للظلم الذى يمارسه على النساء فى أسرته، أو فى الشارع والدولة والمجتمع.

والمرأة أليس فى عقلها شرخ عميق؟

نعم، ثورة الكاتبة، وإن كانت ماركسية اشتراكية، تظل منفصلة عن حياتها فى الأسرة، وعن مفاهيمها عن الأنوثة والحب والأمومة.

تضع المرأة، وإن كانت وزيرة ليبرالية أو رئيسة شيوعية، الماكياج فوق وجهها، والأساور تشخشخ فى يديها، والحلقان تتدلى من أذنيها، تتأرجح فوق الكعب العالى الرفيع، وتكشف عن ركبتيها وجزء من فخذها، إن جلست فى الاجتماعات الكبرى أو الصغرى.

هل النخبة سبب النكبة؟

تفشل الثورات التى تقودها النخب، وإن نجحت الثورة وحصلت على كرسى الحكم فسرعان ما تفقد مبادئها ومُثُلها العليا، وتصبح أكثر تسلطا وعنفا من السلطة التى ثارت ضدها وأسقطتها، حدث ذلك لأعظم الثورات فى التاريخ، منها الثورة الفرنسية، التى تطرفت فى عنفها وبطشها بقدر ما تطرفت فى مثاليتها ونبلها، يرجع فشل هذه الثورات أيضا إلى أنها تضرب الفساد السياسى أو الاقتصادى فى الدولة، إلا أنها لا تضرب جذور القيم الذكورية والأنثوية داخل البيت والأسرة.

كيف؟

لا يتحرر الرجل من مفهوم ذكورته وأبوته، يعجز عن حل التناقض بين الواقع والمبادئ التى يؤمن بها نظريا، وبالمثل لا يتغير مفهوم الأنوثة والأمومة فى عقول النساء إلا قليلا، بل حدث تراجع فى القرن الواحد والعشرين فى بلادنا والعالم، وتم استخدام التيارات الدينية السلفية لضرب الثورات.

وهل للكتابة أثر؟

إن نزعت النقاب عن الأوهام التى تغرس فى العقول منذ الطفولة، ومنها الرجولة والأنوثة والحب والشرف والعذرية والزواج والأمومة، وتعرية النظريات العلمية من غطائها المقدس، لقد قهرت النساء بسلطة العلم والطب والفلسفة والدين والتاريخ، بمثل ما قهرن بالنظم السياسية والاقتصادية.

هذا الربط بين السلطات يبدد الأفكار المغلوطة التى تختزل المشاكل فى دين واحد الإسلام مثلا، أو قومية واحدة العربية مثلا، أو مذهب واحد الكاثوليك مثلا، أو طبقة واحدة أو جنس واحد، أو هوية واحدة.

نحن نعيش فى عالم واحد، يحكمه نظام طبقى جنسى، دينى عنصرى استعمارى.