أزمة التوك توك في مصر بين التنظيم والحظر والسبوبة جمهورية العشوائية والفشل


إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن - العدد: 6348 - 2019 / 9 / 11 - 05:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

تعيش مصر حاليا مرحلة من اسوء مراحل تاريخها الحديث حيث تجاوزت ديون مصر 5.2 تريليون جنيه منها 102 مليار دولار ديون أجنبية . وتنفق مصر مليارات الجنيهات فيما يسمي المشروعات القومية الكبري دون دراسات جدوي ودون حوار مع المصريين وفي ظل وصول معدلات الفقر الحكومي إلي 32% من السكان وان 6.2% من السكان في فقر مدقع أي أن حوالي 6.2 مليون مصري عاجزين عن تدبير قوتهم اليومي.بينما قدر تقرير للبنك الدولي في إبريل الماضي معدل الفقر بحوالي 62% من السكان .
وبينما تنشئ الدولة المصرية عاصمة إدارية جديدة تم إنشاء عاصمة صيفية في العلمين وتتفاخر الدولة المصرية بأنها تبني اكبر جسر معلق وأكبر مسجد وأكبر كنيسة واعلي برج في افريقيا رغم إننا " فقراء قوي " وترفض صرف خمس علاوات مستحقة لإصحاب المعاشات بعد ان تم الاستيلاء علي أكثر من 1.3 تريليون جنيه من مدخراتهم.
نتيجة السياسات الاقتصادية التابعة والاقتصاد الريعي الهش تتم إعادة توزيع الثروة والدخل لصالح قلة علي حساب ملايين المصريين العاطلين عن العمل والفقراء وفي ظل شيوع شعور عام بالقهر والإحباط وعدم الأمان وضياع المسقبل وغياب الفرص وانعدام العدالة الذي يدفع العديد من المصريين للانتحار تحت عجلات المترو بشكل اصبح معتاد.
وفي ظل هذا المناخ يعاد توزيع الثروة لتصبح مصر ثاني دولة افريقية بعد جنوب إفريقيا من حيث عدد المليونيرات حيث تضم حوالي 950 مالتي مليونير، و18100 مليونير في 2016. وفقا لتقرير بنك "أفراسيا" ، أن مدينة القاهرة احتلت المرتبة الثانية لأكثر المدن الإفريقية التي تضم الأثرياء، حيث تضم 8900 مليونير، منهم 480 شخصًا، يصنفون كـ "مالتي مليونير". و "المالتي مليونير" هو الذي تبلغ صافي الأصول المملوكة له 10 ملايين دولار أو أكثر، أما الـ "مليونير" فهو الذي يبلغ صافي الأصول المملوكة له مليون دولار أو أكثر. ( بوابة الأهرام الإلكترونية 25/7/2017 ) .
تآكلت الزراعة والصناعة المصرية في ظل سياسة اقتصادية تعتمد علي التنمية بالمول والكمبوند وزيادة التفاوت في توزيع الثروة والدخل . عام 2017 قدر المهندس شريف اسماعيل حجم الاقتصاد غير الرسمي بنحو 1.8 تريليون جنيه وهو ما يمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي . ( مباشر مصر – 21 نوفمبر 2017). بعد ذلك بدأ الحديث عن دمج الاقتصاد غير الرسمي ضمن ما عرف بتطبيق الشمول المالي والذي استهدف تنظيم القطاع غير الرسمي بهدف المزيد من جباية الرسوم والضرائب .
أزمة التوك توك
ظهر التوك توك كوسيلة مواصلات في مصر مع مطلع الألفية وفي البداية كان يتم استيراده ثم تجميعه في مصر. والتوك توك وسيلة مواصلات منتشرة في العديد من الدول الاسيوية والافريقية .
ويمثل التوك توك وسيلة نقل سهلة التنقل في الطرق الترابية والغير ممهدة مما خفف الكثير من الاعباء عن المواطنين في الريف والمناطق العشوائية بل وداخل المدن . رغم عدم التصريح به في العديد من المحافظات . وعندما نتأمل الظاهرة نجد إنها حلت مشاكل النقل والمواصلات للملايين من المصريين خاصة النساء وكبار السن . وكذلك فقد وفر وفق أكثر التقديرات تحفظاً مليون فرصة عمل علي الأقل وأصبح يمثل الدخل الرئيسي لما يقرب من مليون أسرة.
تتفاوت تقديرات ما وصلت اليه الظاهرة الآن لتتراوح ما بين مليون إلي ثلاثة ملايين توك توك بينما يرصد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء عدد المرخص منها بنحو 125.3 ألف فقط بينما تقدرها وزارة التنمية المحلية بنحو 416 ألف توك توك. وان كنت أميل للأخذ بأكثر التقديرات تحفظاً وبأن عدد سيارات التوك توك العاملة في مصر بحدود مليون سيارة فقط.
مؤكد أنه في ظل الفوضي العارمة التي تصم كل نواحي الحياة في مصر الأن يشكل التوك توك بعض المظاهر السلبية مثل قيادة الأطفال وعدم الأمان واستخدامه في إرتكاب بعض الجرائم . كل ذلك يمكن مواجهته من خلال التنظيم وليس من خلال الحظر والمنع.
نعم للتنظيم ووضع الضوابط ولكن ذلك ليس مبرر لمطاردة الفقراء واغلاق مصادر رزق ملايين الأسر في مصر بما فيهم الأطفال فوق 15 سنة والذين يمكن ان توضع شروط صارمة لقيادتهم في أماكن معينة باعتبارهم عائلين لأسرهم.
وضمن تخبط وعشوائية الدولة المصرية الان اصدر رئيس مصلحة الضرائب التعليمات التنفيذية رقم ( 1 ) لسنة 2019 بأسس المحاسبة الضريبية لنشاط مركبات التوك توك. فمن اين تسعي مصلحة الضرائب الحكومية للتنظيم بشكل علمي بينما تقوم وزارة التنمية المحلية بحظر التوك توك والتحول الي الميني فان الذي تبلغ تكلفته أكثر من ست أضعاف ثمن التوك توك.
لقد انفق الفقراء حوالي 20 مليار جنيه في أدني التقديرات لشراء مليون توك توك كان سعرها بحدود 20 ألف جنيه وقيمتها الان بحدود 10 مليار جنيه ايضا في أدني التقديرات، وتتراوح اسعار الجديد الهندي بين 28.5 ألف و 36 ألف للبجاج الهندي. وهي مبالغ يمكن تدبيرها لتمثل كل ما تملكه هذه الأسر التي تعيش رغم دخل التوك توك علي خط الفقر ودونه ولو فقدت مصدر الدخل لا نعرف ماذا سيكون مصير هذه الأسر؟!!
ثانيا الميني فان لايزال ايضا غير مرخص فكيف سيتم التحول اليه بداية ضعوا ضوابط وقواعد لتسيير مركبات الميني فان والتوك توك لكن لا تغلقوا ابواب الرزق الشريف في وجه الفقراء وتدفعوهم للجريمة والخروج علي القانون.
ثالثا لا يجوز مقارنة استبدال التاكسي الابيض بالميني فان لأن تحويل التاكسي الأسود المرخص كان سهل لأنها مرخصة ومنظمة ولكن التوك توك غير منظم وغير معروف عدده ومرخص به في بعض المحافظات وغير مرخص في باقي المحافظات.
رابعا تتراوح اسعار الميني فان بين 120 ألف جنيه للكيبو الصيني و 148 الف جنيه للكيتون و 137 ألف جنيه للسوزوكي ولن نتحدث عن اسعار الفيات والفولكس فاجن . وكم تكون أجرة الركوب لسداد أقساط الميني فان ومدي ما يمثله ذلك من عبئ علي كاهل ملايين المصريين الضعفاء من راكبي التوك توك الذي يشكل وسيلة التنقل الرئيسية لهم.
اذا الاستبدال يعني ان يدفع سائق التوك توك حوالي 120 ألف جنيه غير الفوائد فمن أين يأتي أصحاب التوك التوك الفقراء بحوالي 120 مليار جنيه غير الفوائد في أقل التقديرات. وهل ذلك تنظيم ام سبوبة علي الفقراء الذين يكافحون لتوفير الحد الأدني لمعيشتهم .
لا لحظر تسيير مركبات التوك توك ونعم للتنظيم وضبط الأداء وهو ما يحتاج لتعديل في قوانين المحليات والمرور والسماح بترخيصه وخضوعه للتنظيم وضبط ومراقبة الأداء.
نعم لتجمع أصحاب مركبات التوك توك في نقابات وتعاونيات ترعي مصالحهم وتدعم تنظيمهم واستمرارهم في خدمة قطاعات من المصريين لايزالوا في أشد الاحتياج لهذه النوعية من الخدمة.
ابحثوا عن سبوبة اخري غير سائقي التوك توك ، ولا تغلقوا أبواب رزق مشروع تعيل أكثر من مليون أسرة . ولا توجهوا سهامكم المسمومة للفقراء وحاسبوا الملتي مليونيرات المتهربين من الضرائب واصحاب شركات الملاذات الضريبية.وقد صدق فيكم قول الشاعر فاروق جويدة " هذي بلادُ............ لم تعد كبلادي !!!" .