لماذا يكرهون المسلمين؟

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 6342 - 2019 / 9 / 5 - 23:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لاحظت في سفريات العمل التي أقوم بها أن المسلمين أصبحوا مكروهين أكثر من ذي قبل في كل من الصين والهند، وهذان البلدان يشكلان حوالي 40% من سكان العالم، كما لاحظت أننا كمسلمين لم نعد نحظى بالاحترام الكافي في الامريكيتين الشمالية والغربية وما شعار ترامب " دعونا نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" إلا دعوة للتضييق على المسلمين في أمريكا والتحريض ضدهم في جميع أنحاء العالم وظهر هذا جليا في تأييده لحركة الWhite Supremacy التي تدعو لإعادة سيطرة البيض على أمريكا وطرد كل المهاجرين إليها خاصة المسلمين.
أما في أوروبا واستراليا فإن كراهية الإسلام والمسلمين أصبحت سافرة وبلا أي حجاب خاصة مع صعود الأحزاب القومية واليمينية المتطرفة وتراجع التيارات الليبرالية في أوروبا بشكل عام. وأصبحنا نسمع كل يوم تقريبا عن هجمات ومضايقات وتشريعات جديدة مقيدة لحركة المسلمين هناك. وكان محزنا ومدهشا معا أن يصل الهجوم على المسلمين الي نيوزيلاندا الآمنة والتي تقع في أخر العالم في هجوم جبان يذهب ضحيته 41 شخصا كانوا يصلون في مسجد.
أما في أفريقيا والشرق الاوسط فإن المسلمين هناك لا يحتاجون لمن يكرههم فهم يكرهون بعضهم البعض من قديم. وسوف تجد أن الحروب الأهلية التي تدور هناك إما بين مسلمين من ملل شتى أو أن أحد أطرافها على الأقل من المسلمين.
هل يعني ما سبق أن العالم كله أصبح يكره المسلمين ولماذا؟

وعلى النقيض من هذا يقال إن الإسلام هو أسرع الأديان انتشار ونموا في العالم وهذا دليل على اقبال غير المسلمين عليه واعتناقه. فهل هذا صحيح؟

الاحصاءات تظهر بالفعل أن الإسلام ينمو بمعدل أسرع من الاديان الأخرى ولكن ليس هذا بسبب عمليات التبشير الإسلامي أو حب غير المسلمين للإسلام وتحولهم إليه وإنما بسبب ارتفاع معدلات النسل بين المسلمين أينما وجدوا. ولا أدري متى سنكف عن هذا الهزل في تفسير الظواهر.
ولكن لماذا كل هذه الكراهية والخوف من المسلمين أو ما يسمى بالإسلاموفوبيا؟

نحن هنا نتكلم عن قضية تاريخية طويلة ومعقدة وما سوف أطرحه باختصار ليس إلا اجتهادا شخصيا يحتمل الصواب والخطأ ولا أهدف من وراءه إلا المساعدة في تشخيص المشكلة سعيا لإجاد حلول لها وتحسين صورة الإسلام والمسلمين التي تتعرض كل يوم للمزيد من الهجوم والتشويه.

لابد أن نقر قبل كل شيء أنه لدى المسمين مشكلة قديمة مع الحداثة وقد بذل العديد من المصلحين والمفكرين جهودا كبيرة للتوفيق بين الإسلام والمعاصرة والحداثة ولكن هذه الجهود التنويرية حوربت بضراوة في كل الدول الإسلامية خاصة العربية منها ويرجع الفضل في هذا بشكل أساسي إلى من يسمون أنفسهم برجال أو حراس الدين. وهؤلاء كانوا يعتمدون في هذا على أحاديث ونصوص قديمة تحرم إعمال العقل والاجتهاد من عينة " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"، بمعنى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وإنه ليس أمامنا خيار سوى ما تركه لنا السلف الصالح.
وبالنتيجة تعرض كل دعاة العقلانية والحداثة إلى كل أنواع الاضطهاد والتخويف والتكفير وأحيانا التصفية الجسدية. والفارق بيننا وبين الغرب الأوربي هنا هو أن مصلحيهم استطاعوا بعد نضال طويل الحصول على حق تفسير كتبهم وتراثهم المقدس بحرية أكاديمية مطلقة وهو ما أدى الى مولد التيارات والمنهجيات العقلانية وانتشارها بين شعوبهم. أما نحن فقد فشلنا في هذا فشلا زريعا وهو ما أدي الى انتصار العقول المغلقة وانتشار التيارات الظلامية والإقصائية لدينا. وقد أساءت كل هذه الممارسات إلى سمعة المسلمين وأظهرت الاسلام كدين غير متوافق مع الحداثة والحقوق الاساسية للإنسان وعلى رأسها حق حرية التعبير وحرية الاعتقاد وحق الحياة وحق الكرامة.

هذه البيئية غير المواتية دفعت ملايين المسلمين إلى هجرة أوطانهم بحثا عن حقوقهم الضائعة والعيش الكريم في الغرب. وبدلا من أن يندمج المسلمون في أوطانهم الجديدة التي اختاروها بإرادتهم حدثت تطورات غريبة في حياة الأقليات المسلمة هناك في ثمانينيات القرن المنصرم حيث بدأ استخدام أموال البترول في نشر مدارس ومساجد ومراكز إسلامية في أوروبا بهدف الحفاظ على الهوية الإسلامية لهذه الأقليات ولم تكن مصادفة أن يتم اختيار المسؤولين عن إدارة هذه المؤسسات في الغرب من المغالين في معتقداتهم الدينية وبدأت دعاوى ودروس ومواعظ عدم الاختلاط بالغربي ورفض ثقافته وعدم تقليده في أي شيء بدعوى أنه كافر ومنحل.
وبدأت الأقليات المسلمة في الانعزال شبه التام عن كل ما حولها في مجتمعاتها الجديدة وبدأت الأجيال الجديدة المولودة في الغرب تشعر بالانفصام والغربة وأحيانا بكراهية كل ما حولها خاصة مع وصول زائر جديد هو المحطات الفضائية الدينية الموجهة من الشرق الأوسط إلى أوروبا. وكما هو معروف فإن هذه المحطات لا هم لها إلا حجاب المرأة والشعائر والطقوس وإحياء الماضي ومحاربة الإباحية الغربية، أما الاستبداد والفساد والفقر والظلم السائد في المجتمعات الإسلامية فإنها مسائل ثانوية لا تشغل بال أصحاب هذه المحطات ولا تؤرق مضاجعهم.

وباختصار شديد بدأت حملات علنية في الكثير من المساجد الإسلامية في الغرب لأسلمة أوروبا، والمقيمين في لندن على سبيل المثال يتذكرون مسجد فينسبري بارك وإمامه أبو حمزة المصري وجماعته التي أعلنت أنها سوف ترفع راية الإسلام على قصر باكنجهام مقر ملكة انجلترا و10 داوننج ستريت مقر الحكومة. وتواكب مع هذا بدء العمليات الانتحارية في عدد كبير من دول العالم.

ولم يضيع الاعلام الغربي والذي يسيطر على جزء كبير منه اللوبي اليهودي فرصة اندلاع هذه الهجمات لتشويه صورة المسلمين الابرياء في كل مكان، كما قامت التنظيمات الإسلامية المتطرفة بلعب دور كبير في نمو ظاهرة الإسلاموفوبيا.

أما عن أسباب الكراهية والتوجس الحالية من المسلمين فإنها ترجع إلى عوامل كثيرة من أهمها ما يلي:

- العمليات الإرهابية الانتحارية التي يقوم بها بعض المتطرفين الإسلاميين في كافة أنحاء العالم من وقت لآخر ويكون ضحاياها دائما من المدنيين الابرياء الذين لا يكننون أي عداوة للإسلام ولا يعرفون عنه شيئا. وبالطبع فإن هذه العمليات لن تحبب الناس في الإسلام والمسلمين ولا أدري ما هي الحكمة من ورائها أو كيف يفكر من يقومون بها.
- معظم المسلمين للأسف لا يهضمون مبدأ العيش المشترك ولا يسعون بجدية لمعرفة الآخر الذين يعيشون إلى جواره. وفي أوروبا على سبيل تجد أن غالبية المسلمين الذين يعيشون هنا لا يعرفون الكثير عن تاريخ أو ثقافة أو حتى لغة الدول التي يعيشون فيها ويفضلون التعامل مع بعضهم البعض ولا يتعاملون مع الآخر إلا عند الضرورة القصوى. ولذلك فإنهم متهمون دائم بالانعزالية والانكفاء على الذات والعزوف عن المشاركة التطوعية في الخدمات المجتمعية العامة الشائعة في أوروبا. ومعروف أيضا عن المسلمين في الغرب أنهم لا يخرجون في تظاهرات إلا في القضايا المتعلقة بالمسلمين فقط، بمعنى أن أحاسيسهم الإنسانية لا تمتد لغير المسلمين.
- عدم الرغبة في التأقلم مع مجتمعاتهم الجديدة حتى من باب الدبلوماسية والمجاملة. وفي هذا الصدد فإن المسلمين متهمون في كل مكان يقيمون فيه بالسعي المعلن وغير المعلن لأسلمة المجتمعات التي يقيمون فيها، ومحاولة فرض عاداتهم وشريعتهم وقوانينهم على الدول غير الإسلامية التي فتحت لهم أبوابها.
- النزعة التدميرية للمسلمين لكل ما هو حداثي وحضاري وتمسكهم بالماضي ورفض وتحريم كل أنواع الفنون مثل الموسيقى والغناء والرقص والرسم والنحت والتصوير والسينما والمسرح وحتى التليفزيون. والأوروبيون يتسألون ماذا تبقى لهؤلاء الناس حتى يستمتعوا بحياتهم وهم قلقون من تكاثر أناس بينهم بمثل هذه العقلية والعادات. ومثل هذا الرفض للحداثة والفنون يعزز القول بأن الإسلام نفسه غير متوافق مع الحداثة وأن المسلمين متخلفون حضاريا عن باقي الشعوب.
- كما أن هناك تصرفات للمسلمين في الغرب تبدوا طبيعية لهم ولكنها ليست كذلك لأصحاب الأرض ومنها على سبيل المثال شراء الكنائس المغلقة والمفلسة وتحويلها إلى مساجد رغم علم المسلمين بأن هذا شيء مستفز للمسيحيين المتدينين في أوروبا ويعزز قناعاتهم بأن المسلمين في مهمة مقدسة لأسلمة أوروبا. وكان الأجدر بالمسلمين ن يشتروا قطعة أرض أو أي مبنى عادي وتحويله الى مسجد كما كان يفعل أوائل المسلمين المهاجرين الى أوروبا. ولا أدري أين ذهبت الحنكة والكياسة.
ومن الاشياء المستفزة أيضا أن تخفي المسلمة وجهها وتتنقب بالسواد في الاماكن العامة لأنها بهذا تصبح مثار شك وقلق لكل من حولها لأن إنسان بلا وجه هو أنسان بلا هوية.

وبعد فهذه هي تجربتي أنا وأصدقائي المستنيرين في الاقليات المسلمة في العديد من دول العالم. وبالرغم من اختلاف أصولهم إلا أنهم لا يختلفون كثيرا فيما أوردته وفي شعورهم بالقلق مما يجري حولهم من تطورات حيث تتجه الإسلاموفوبيا في الغرب والشرق من سيئ إلى أسوأ مع زيادة شعبية ونفوذ الأحزاب والتيارات القومية واليمنية المتطرفة كرد فعل على سلوكياتنا كمسلمين في دولنا وفي الخارج.

والحل لم يعد بسيطا وسريعا لهه المشكلة المعقدة لأننا تهاونا وتأخرنا كثيرا في مواجهتها. كما أن الحل يكمن في الانفتاح على الآخر وفهمه والتعايش معه وعدم حشر الدين في كل صغيرة وكبيرة بحيث يظل الدين فضاءا خاصا وهذا غير وارد حاليا. وعلينا هنا أن نتذكر دائما أن الآخر غير المسلم لم يطلب منا أبدا أن نغير ديننا أو قناعاتنا ومعتقداتنا طالما أنها في حدود دائرتنا الخاصة، إنه فقط يريد منا أن نعامله بالمثل وأن نحترم عاداته وثقافته وأسلوب حياته وهو يكره أن نكون ضيوفا عليه بشروطنا وأن ننفر من صحبته ونسعى للاختلاف معه في كل شيء.
الحل يكمن في كل ما ذكرته من أسباب كراهيتهم لنا وخوفهم منا وسوف يكون حلا طويل الأمد لأنه يعني تغيير بعض سلوكياتنا وقناعاتنا وفهم آليات عمل العقل الإنساني. وهنا أود أن أوضح هذه الجزئية بمثل افتراضي يوضح كيف نتصرف في بيئة نكون فيها محاطين بالغرباء. ولك أن تتخيل معي عزيزي القارئ أنك دعيت إلى حفل كبير يتباين فيه الحضور بشكل كبيركما أنهم لا يعرفون بعضهم البعض. تخيل أنك محاط بأناس طوال وقصار القامة، وبيض وسود، ومرتديين للملابس الغربية وآخرين يرتدون الجلباب الإسلامي القصير والطاقية البلدي والشبشب، وهناك الأصلع وذوي الشعر الطويل والشباب والعجائز والسكارى واللصوص....الخ وتخيل أن الجميع يتحركون بحرية في القاعة من أجل التعارف واختيار من يجلس معهم أثناء الحفل. سوف تجد بعد انتهاء المدة المحددة للتعارف أن طوال القامة مثلي يجلسون معا والسود معا والبيض معا والصلع واللصوص معا وهكذا وستجد أنه من المستحيل أن يجلس الرجل ذو الجلباب الإسلامي مع الرجل ذو الملابس الغربية أو المنقبة مع المتهتكة.
وما أود إن أوضحه من هذا المثال الافتراضي هو أن طبيعتنا كبشر تميل إلى صحبة والتآلف مع من يشبهوننا ويفكرون مثلنا ونبتعد عمن يختلف عنا، ومن ثم فليس من العقلانية أن تهاجر الى بلاد لا تحب ثقافتها ولا عادات شعوبها. وهذا هو حال المسلمين في الغرب والشرق بكل أسف فهم مصممون على الهجرة لبلدان يفضلون أن يكونوا فيها مختلفين ومنعزلين فكانت النتيجة أن كرههم الجميع.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي