العثور على الذات ... اغتيال الدونية (16)


عدنان الصباح
الحوار المتمدن - العدد: 6329 - 2019 / 8 / 23 - 17:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

هل انتهت داحس والغبراء ام ان اسلوبنا الذي فعلناه مع الفرس داحس حين تآمرنا عليها لتفوز الغبراء ولتنشب حربا شعواء بين القبيلتين استمرت اربعون عاما ويبدو انها لا زالت تعيش بيننا ولا زلنا نقتتل لأي سبب ونرفض فوز غيرنا او نتامر عليه كي لا يفوز وللأسف فان هذا لا يتم التعامل به مع الغير العدو بل مع الغير الصديق فنحن نتقن الاقتتال فيما بيننا اكثر بكثير مما نتقن قتال اعداءنا ونتآمر على بعضنا اكثر بكثير من تآمرنا على اعداءنا وقد سقط في تلك الحرب اعداد كبيرة من القتلى وانتهت بدفع ديات القتلى من محايدين هما الحارث بن عوف وهرم بن سنان ومثل هذه الحرب العبثية التي اشتعلت لعقود واذت الطرفين لم يكن لها ان تكون لولا الجهل والجاهلية التي لا زلنا نصونها فينا حتى الآن اكثر بكثير مما نصون الاخلاق والقيم الانسانية والتسامح وما الى ذلك وهي اخلاق دعت اليها الاديان السماوية التي نؤمن بها قولا ونتعارض معها في كل افعالنا بلا خجل.
حرب داحس والغبراء وحرب الفجار وحرب بعاث التي دامت 140 سنة بالتمام والكمال والتي بدأت ايضا بخلاف على من يستحق فرس رجل من غطفان في سوق بني قينقاع فنشبت اولى المعارك وكان اسمها حرب سمير الى ان انتهت بعد 140 سنة باسم يوم بعاث او حرب بعاث وفي كل معركة كان الصلح يتم بدفع الديات لا بالاتفاق والحلول الواقعية الحقيقية وبالتالي كانت الحرب تتوقف لا تنتهي لتعود من جديد وهي لا زالت كذلك ثم كانت حرب البسوس بين قبائل تغلب وشيبان والتي نشبت بسبب قتل كليب بن وائل من تغلب ناقة لقبيلة البسوس فقام جساس الشيباني بقتله انتقاما لمقتل ناقته فتواصلت الحرب بينهما 40 عاما اخرى ثم حرب بني اصفهان والتي دامت 77 سنة ثم حرب طسم وجديس ويوم حليمة بين الغساسنة والمناذرة وذي قار وشهرزور وتطول القائمة الا انها لم تتوقف مع ظهور الاسلام حيث اخذت الحروب شكل الحروب الدينية بين المسلمين وغيرهم ولم يدم الامر طويلا فما ان توفي الرسول محمد "ص" حتى عادت الحروب من جديد الى الداخل الاسلامي هذه المرة فكانت حرب صفين عام 36 هجرية 656 ميلادية بين انصار معاوية بن ابي سفيان وانصار علي بن ابي طالب والتي انتهت بخدعة شهيرة اشار بها احد الصحابة وهو عمرو بن العاص ويقال ان عدد القتلى في تلك الحرب من الطرفين وصل الى 70 الف قتيل ثم كانت معركة الجمل في نفس العام والتي قتل فيها حوالي 20 الف قتيل ثم كانت معركة الزاب التي انتهت بنهاية حكم الامويين وظهور حكم العباسيين وانشقاق الاندلس بخلافة مستقلة ثم كانت ثورات الخوارج على الدولة العباسية بعد الاموية والتي انتهت بتمزيق الدولة الاسلامية الى ممالك وامارات وخلفاء بدل الخليفة الواحد الذي انتهى بانتهاء الدولة الاموية اصلا وظهور خلافة الاندلس ولم تقف الامور عند ذلك بل امتدت الى العصر الحديث وشهد القرن العشرين حروب ونزاعات بين الاطراف العربية والاسلامية ومن عاش في بلادهم كالأرمن والسيفو أو ما كانوا يعرفون بالآشوريين والسريان والكلدان وكذا النزاعات التي ادت الى تأسيس المملكة العربية السعودية على يد آل سعود وتشريد الهاشميين الى خارج الجزيرة العربية وكذا النزاعات مع الاكراد والعراقيين والايرانيين والاتراك الى ان تم تقاسم بلاد الاكراد كليا بين الدول المحيطة ولا زالت تلك الصراعات مع الاكراد متواصلة بلا توقف وكذا الحرب السعودية اليمنية عام 1934م والتي لا زالت تتواصل بعنف في ايامنا هذه ثم النزاعات بين السنة والشيعة واليزيدية في العراق في الاعوام 1935 و 1936م ولا ننسى تاريخ الانقلابات العسكرية في المنطقة وعمليات القتل للحكام للتخلص منهم وكانت اليمن ولا زالت مسرحا لهذه الصراعات واكثرها عنفا ولا يمكن لاحد ان ينسى الحرب الطائفية في لبنان وحركات ما سمي بالربيع العربي ونتائجها التي لا زالت ماثلة حتى الان في سوريا واليمن وليبيا والنزاعات العربية العربية وكذا الاسلامية الاسلامية في شمال افريقيا كالصراع على الصحراء الغربية والحرب العراقية الايرانية والعراقية الكويتية وما الت اليه الاوضاع الى حال مأساوي وسيطرة امريكية شبه مطلقة في المنطقة.
صراعات العرب وحروبهم ومن ثم نفس الحروب والصراعات بعد تحولهم الى الاسلام لم تعطهم الفرصة ابدا للالتفات الى حالهم واوضاعهم ولا للتفكير بالبناء الا على قاعدة العداء للمكون الآخر لنفس المجتمع اما بداعي الطائفة او بداعي الاختلاف او بدعم خارجي مغرض وحتى يومنا لا زال العرب يقتتلون على اجندات غيرهم ويموتون ويهجرون من بلادهم دفاعا عن اجندات ومصالح لا تمت لهم بصلة وقد اقتتل العراقيون والايرانيون والعراقيون والكويتيون ثم العراقيون وكل الدول العربية بقيادة امريكا الى ان انتهى العراق الى الدمار وفرشت امريكا حضورها الشرعي كحامي للعرب من العرب او من المسلمين كما هو الحال اليوم مع ايران والخليج العربي.
أي ذات اذن يمكننا ان نعثر عليها ذات العربي يقتل العربي في اليمن وليبيا والعراق وسوريا ام ذات المسلم الكاره للمسلم سني وشيعي او ذات الخليجي ام الشامي ام الافريقي أم ذات الباحث عن اصول غير عربية له ليتنازل عن عروبته وكثيرة هي الاشكال والانماط التي نختلف عليها وبها حد الاقتتال ثم لا نخجل حين نغني عن عروبتنا ووحدتنا وتاريخنا واحلامنا وامالنا وهي في واقع الحال مجرد اكاذيب لا وجود لها الا في اللغة فعمليات القتل والتدمير والحرق طالت العربي والمسلم والسني والشيعي والسعودي واليمني والعراقي والكردي فمن نحن اذن حين نكون طائفيين في لبنان مثلا ووحدويين في سوريا عرب في اليمن وسنة في العراق مصريين في مصر وعرب واكراد وتركمان في العراق ليبراليين في تونس وملكيين في المغرب واسلاميين في السودان ثم تنقلب الامور لنصبح ليبراليين في السودان واسلاميين في تونس وهكذا ذات هلامية غامضة عبثية لا معنى لها سوى بالقول الغناء والصراخ فنحن نغني للارض ونتركها لغيرنا يزرعها ويحصدها ويبنيها ثم يسرقها ونواصل نحن الغناء بلا خجل.