ماركس و التشيؤ : Marx and Reification


عبد الحسين سلمان
الحوار المتمدن - العدد: 6297 - 2019 / 7 / 21 - 21:33
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ماركس و التشيؤ : Marx and Reification

....أن الانعكاسات الاقتصادية و السياسية ...الخ , هي بالضبط مثل تلك الانعكاسات في العين البشرية : إنها تمر من خلال عدسة محدبة وبذلك تبدو مقلوبة رأساً على عقب , واقفة على رأسها.
والفارق الوحيد هو أنه لا وجود لذلك الجهاز العصبي الذي سوف يضعها على أقدامها من جديد ليقدمها إلينا.
إن رجل السوق المالية لايرى حركة الصناعة و السوق العالمية , إلا في الانعكاس المقلوب للسوق المالية و البورصة , وعندئذ تصبح النتيجة سبباً بالنسبة إليه.......من رسالة إنجلز الى شميدت بتاريخ 27.10.1890

التشيؤ" يحوّل الإنسان إلى شيء من الأشياء، وتصبح قيمة الإنسان تقاس بما ينتجه من سلع. ويشعر الإنسان بالاغتراب وفقدان الذات في ظل ظاهرة التشيؤ ......جورج لوكاش

التشيؤ : لغة.
• في العربية : شَيَّأْتُ ، أُشَيِّءُ ، شَيِّىءْ ، مصدر تَشْييِءٌ ، تَشْيِئَةٌ
وفي القرأن, يا أَيها الذين آمَنُوا لا تَسأَلوا عن أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لكم تَسُؤْكم , المائدة 101
وفي الانكليزية reification من اللاتينية re شيء + fication سبب
وفي الألمانية Verdinglichung الشيء ، لجعل الكائن , يصبح شيئ ( تجريد ).
والتشيؤ هو مفهوم مجرد abstract concept, مثلاً نقول عن الوردة الحمراء هي تشيؤ لمفهوم الحب.

تناول ماركس مفهوم الأغتراب في المخطوطات الفلسفية و الاقتصادية لعام 1844 , وفي كتاب رأس المال ,لكن ماركس تجاوز مفهوم الاغتراب , عندما برهن أن الأنسان في المجتمع الرأسمالي لم يعد مستلباً او مغترباً فقط , بل وإنما هو اكثر من ذلك : مشيئاً.
مفهوم التشيؤ بشكل أو آخر كان المفهوم المحدد للماركسية الغربية منذ الثورة البلشفية. فهو يحدد المحاولات الأولى لمدرسة فرانكفورت لفهم الفاشية كتمظهر للرغبات المقموعة؛ وهو الدعامة التي تقوم عليها نظريات والتر بنجامين الجمالية والتي يصف فيها الفاشية كـ"تحويل جمالي للسياسة " aestheticisation of politics، وبالمثل شكّل التشيؤ أساس مفهوم هربرت ماركيوز عن الإنسان ذي البعد الواحد، وهو البعد الذي يمثل محض الرغبات المشيئة للثقافة الاستهلاكية.

1. أول اشارة من ماركس نحو التشيؤ , وردت في بؤس الفلسفة 1847 , وسوف اذكر المفردات المهمة بالفرنسية لأن ماركس كتب هذا الكتاب باللغة الفرنسية و اضافة الى ذلك ما يقابها باللغة الانكليزية :

أن الأعمال travaux/ labor / قد سويت بتبعية الإنسان للآلة la machine , أو بالتقسيم البالغ للعمل , وأن الناس قد انمحوا أمام العمل / que les hommes s effacent devant le travail / men are effaced by their labor .

وأن حركة رقّاس الساعة قد أصبحت مقياساً دقيقاً للنشاط النسبي لأثنين من العمال , بقدر ما هي مقياس دقيق لسرعة قاطرتين.
لهذا يجب ألا نقول إن ساعة عمل إنسان ما one man’s hour تساوي ساعة عمل إنسان آخر , بل : أن إنساناً ما خلال ساعة , يساوي إنساناً آخر خلال ساعة one man during an hour is worth just as much as another man during an hour.
فالوقت هو كل شيء , و الإنسان لم يعد شيئاً l homme n est plus rien/ man is nothing , لقد أصبح ضحية ( ذبيحة) الزمن il est tout au plus la carcasse du temps.......م - 1
( مع الاسف , ارتكب الراحل الدكتور محمد مستجير مصطفى , خطأ في ترجمة la carcasse الى هيكل والصحيح هو , ضحية او ذبيحة).


2. الاشارة الثانية من ماركس حول التشيؤ , وردت في الكتاب الأول من رأس المال 1868, الفصل الأول :
إن غموض شكل السلعة يرجع ببساطة الى إن الطابع الاجتماعي لعمل البشر الكائن فيها , يظهر لهم كطابع شيئي يميز منتوج ذلك العمل , أو يظهر كخصائص اجتماعية طبيعية لتلك الاشياء .
وبفعل هذا الابدال بالذات , تصبح منتوجات العمل سلعاً, تصبح أشياء حسّية وعصيّة على الادراك في آن , أشياء اجتماعية.......
وجود منتوجات العمل بشكل سلع, وعلاقة القيمة بين هذه المنتوجات التي تجعل منها سلعاً , لا صلة لها البتة بالطبيعة الجسمية ( الفيزيائية) للسلعة , أو بما ينشأ عنها من علاقات بين أشياء.
فهي هنا , ليست سوى علاقة اجتماعية محدَّدة بين البشر , تتخذ , في نظرهم , شكلاً خيالياً بصورة علاقة بين الأشياء .
وابتغاء التوصل إلى شبيه لهذه الظاهرة , يتعين أن نلجأ الى النواحي المغلَّفة بالضباب من عالم الاديان.
ففي هذا العالم تظهر منتوجات الدماغ البشري بهيئة كائنات مستقلة تتمتع بالحياة و تدخل في علاقات مع بعضها بعضاَ ومع الجنس البشري.
وهكذا ايضاً شأن منتوجات يد الإنسان في عالم السلع.
هذاا ما اسميه الصنمية ( الفيتشية) التي تلتصق بمنتوجات العمل منذ أن يتم إنتاجها كسلع , وهي لذلك صنمية لا تنفصل عن هذا النمط من الإنتاج , أي الإنتاج السلعي.
إن الطابع الصنمي لعالم السلع ينبثق, كما اظهر تحليلنا اعلاه, من الطابع الاجتماعي المتميز للعمل الذي ينتج سلعاً....م 2

من هذا النص , يتضح أن صنمية ( فيتشية) هي العامل الأول و الرئيسي لظاهرة التشيؤ.

3. وكذلك في الكتاب الثالث من رأس المال 1894, الفصل 48 :
لقد سبق لنا لدى النظر في أبسط مقولات نمط الإنتاج الرأسمالي ...أن أشرنا الى الطابع الصوفي الغامض الذي يحوّل العلاقات الاجتماعية , التي تقوم العناصر المادية للثروة بمثابة حامل لها في الإنتاج, الى خصائص لهذه الأشياء نفسها ( السلعة), ويحوّل علاقات الإنتاج نفسها الى شيئ ( نقد), وهو ما يتجلى بشكل أسطع.
وتأخذ سائر الأشكال الاجتماعية نصيبها في قلب الأشياء هذا رأساً على عقب, عندما يمس الأمر الإنتاج السلعي و التداول النقدي.....
وفي الصيغة : ( رأس المال – الربح ) , أو بتعبير أفضل ,( رأس المال – الفائدة , الأرض – الريع العقاري, العمل – الأجور ), في هذا الثالوث الذي يمثل ترابط مكوّنات القيمة و الثروة عموماً بمصادرها , يكتمل الغموض الصوفي mystification لنمط الإنتاج الرأسمالي , وإضفاء الطابع الشيئي Verdinglichung / reification على العلاقات الاجتماعية ( مع الاسف الشديد , هنا ارتكب المترجمون من الألمانية الى الانكليزية وهم Hinrich Kuhls, Dave Walters and Zodiac, and by Tim Delaney and M. Griffin in 1999 , خطأ فادحاً , وذلك بترجمة Verdinglichung الى things والصحيح هي reification....ع.س),
والالتحام المباشر لعلاقات الإنتاج الشيئية Verdinglichung / reification , بخصوصية تعيّنها التاريخي – الاجتماعي : هنا ينشأ عالم مسحور مشوّه يقف على رأسه , عالم مسكون بأطياف المسيو رأسمال Monsieur le Capital , والمدام أرض Madame la Terre , وهما في الآن ذاته, شخصيات اجتماعية ومحض أشياء Dinge/ things.....م – 3

4. ويستخدم ماركس مفردة Personifizierung ويقابلها في الانكليزية personified عكس معنى التشيؤ ( ومع الاسف لم يوفق كل من الدكتور محمود البراوي و الدكتور فالح عبد الجبار في ترجمتها, الاول تغاضى عنها و الثاني ترجمها الى إهاب البشر, و في المعجم: اللغة العربية المعاصر, يأتي معنى إهاب: جلد مغلّف لجسم الحيوان قبل أن يُدبغ و إهاب الفرس نظيف ), وهي معاني لا تتفق مع روح النص.
والمعنى الصحيح الى personified / personifiziertes / يُشخّص : يتصور شيئاً , وكأنه بشر , وكأنه ذو قوى بشرية.
لذلك فأن معنى personified capital / Kapitalist personifiziertes / هو : رأسمال متجسد في صورة بشر.
فقد جاء في الكتاب الأول من رأس المال في فصل تقسيم فائض القيمة الى رأسمال و إيراد , نظرية التقشف:
وليس للرأسمالي أيما قيمة تاريخية , أو أيما حق في هذا الوجود التاريخي , عدا كونه رأسمالاً متجسد في صورة بشر...فالغاية التي تحفز أفعالة ليست القيمة الاستعمالية والتمتع enjoyment , بل القيمة التبادلية و إنماؤها.......م- 4



المصادر
م – 1
https://www.marxists.org/francais/marx/works/1847/06/km18470615.htm

م -2
http://www.mlwerke.de/me/me23/me23_049.htm#Kap_1_4

م -3
http://www.mlwerke.de/me/me25/me25_822.htm#Kap_48_I

م – 4
http://www.mlwerke.de/me/me23/me23_605.htm#Kap_22_3