السوسيولوجيا في خدمة السلطة


قاسم علي فنجان
الحوار المتمدن - العدد: 6261 - 2019 / 6 / 15 - 16:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

بدءاً المقالة التي سيشار اليها فيها تفكك لا يمكن تجاهله، فالأسطر الخمسة الاولى منها تكاد لا تتشابه فيما بينها، مما يصعب مهمة انتقادها، لكننا عرفنا فحوى المقالة وما ترمي اليه فقلنا الاتي:
يكتب بيير بورديو يقول (( ان السوسيولوجيا تفضح الانخداع الذي يرعاه الجميع ويشجع عليه)).
هي ذي مهمة علم الاجتماع، انه كعلم يجب عليه ان يرشد الناس الى الممارسات السيئة التي تقوم بها السلطة، ان يفكك الخطاب القذر الذي يصدر عن السلطة، فاذا كانت هذه السلطة تريد تأبيد مقولة التنوع الطائفي والقومي والجنسي، فعلى علم الاجتماع كما المجالات الاخرى ان لا يمضي معها، ويعتبر تلك الممارسات والخطابات خادعة ومضلله، ولا يجب عليه –علم الاجتماع- ان يوجه الخطاب الى المجتمع بهذه الصورة، فاذا ما انساق مع خطاب كهذا " الفسيفساء العراقية، الوان الطيف العراقي، الموزائيك العراقي، الخ من التسميات" فأنه حتما سيقع فريسة سهلة بمخالب السلطة، وسيجد نفسه قد اصبح بعد مرور الوقت مخلبا من مخالبها، ينهش بذاته كعلم وبالتالي ينهش بالمجتمع، انه تواطؤ يجري بشعور او بدونه. خطاب السلطة مغري، نعم، لأنه يملك كل الادوات التي تؤهله لأن يكون هو سيد الخطابات، فهو يجوهر ما تقوم عليه سلطته، مثلا ان "التنوع في العراق مشكلة" https://almadapaper.net/Details/218960، قطعا الخطاب هنا لا يقصد مطلقا التنوع على اساس طبقي، فهو الوحيد الذي من الممكن ان يكون مشكلة، ويحتاج الى حل حقيقي، الا ان هذا الخطاب كما كل خطاب سلطوي، يركز على التنوع الطائفي والقومي والديني، لغة بتنا معتادين عليها، لها بداياتها ولها رموزها في كل زمان، الا انها تصاعدت اكثر واكثر واتسمت بالجلاء والوضوح بعد احداث 2003 . فما من وسيلة اعلام سواءً كانت مسموعة او مقروءة او مرئية الا يكون خطابها منصب بهذه الجوقة، وهذه السلطة استقدمت كل المثقفين من فنانين واعلاميين وادباء وكتاب من مختلف الاختصاصات واساتذة جامعات، ليكونوا الكورس الذي يردد مع سلطة الاسلام السياسي والقوميين ذلك الخطاب القذر.
لكن لماذا "التنوع في العراق مشكلة"؟ وقبل ذلك يجب ان نسأل هل العراق وحده –متفردا- كمجتمع يعيش في هذا العالم وبداخله اثنيات او طوائف او اديان؟ واذا ما بقينا نتسأل عن "مشكلة التنوع في العراق" الا يمكن ان نكون داعمين لخطاب السلطة ومن اكثر المؤيدين والمؤبدين لبقائها وديمومتها؟
"التنوع في العراق مشكلة" هل من جديد في هذا الخطاب؟ عندما تم تشكيل مجلس الحكم، بدأت الترتيلة هذه من الذين تم تشكيل المجلس بهم، أي من مجموعة العصابات التي استقدمتها الالة العسكرية الامريكية - كان هناك سيناريو معد مسبقا- بدأ يتكرر هذا الخطاب ليل نهار، واخذت الالة الاعلامية لهذه العصابات بترديد جمل كهذه، مدعومة بسلوكيات وافعال على الساحة، تفجير هنا وتهجير هناك تصفية هنا وفوضى هناك اغتصاب هنا وقتل هناك، كان يجب على هذه العصابات ان تجد لها مثقفين يرددون نفس الترتيلة، السلطة تحتاج الى معرفة. وجدوهم، والذي لم يأت ويغني مع هذه الجوقة فقد تسرب اليه هذا الخطاب، وبدأ يصدره عبر وسائل اعلام السلطة. لم تكن هذه العصابات بالشكل الغبي المتصور عنها لدى الجمهور، هي قد تكون كذلك لأول وهلة، الا ان هناك من يرعاها وينظمها ويضبطها بالشكل التي هي عليه، تركزت فيها ثروة المجتمع، وبالتالي استقدمت الجميع واخضعتهم لخطابها، خطاب أيديولوجي يتكرر باستمرار، يزرع رؤى قذرة داخل المجتمع، وبالتالي فأنه يرسخ بقاء من يصدره.
صورت هذه السلطة والتي قبلها وقبلها وقبلها الخ، صورت الصراع دائما في العراق على انه صراع بين طوائف او قوميات او اديان، فمثلا كان تهجير اليهود من العراق ابان الاربعينيات من القرن العشرين كان على اساس ديني، لم يطق المسلمون وجود اليهود بينهم، هكذا ترمي السلطة الخراب الذي يحل بالمجتمعات على المجتمعات ذاتها، تهجير المسيحيين والايزيدين من العراق كان لنفس الاسباب، هنا اكيد يصبح "التنوع مشكلة" ويجب ايجاد حل، ما هو الحل؟ "اصلاح ذات البين بين الحكومة والشعب"! ترى كيف يمكن ان نتخيل ان يكون هذا الاصلاح؟ المشكلة في منطق كهذا انه يصور السلطة كقوة خارجية، اتية من فوق، ليست لها أي علاقة بالأحداث التي تقع، ومثل هكذا منطق يصور ان المشكلة تقع على عاتق الشعب، فهو الذي يتخاصم ويتقاتل ويتحارب فيما بينه، والسلطة لا تستطيع ان تفعل له شيء، لهذا فعليهم ان يتصالحا. ونرجع الى سؤالنا ولكن كيف يمكن ان يتصالحا؟ هل تتنازل مثلا السلطة عن خطابها الديني والطائفي والقومي، والذي هو الاساس الذي تقف عليه ويضمن لها ديمومتها؟ ام ان الشعب سيحس بعقدة الذنب تجاه نفسه عما اقترفه والذي لم يكن له أي خيار فيما فعل، حقيقة لا نستطيع ان نصل الى فحوى "اصلاح ذات البين"، فهي كالشيء في ذاته، هو ذا المنطق "السوسيولوجي السلطوي" الذي يخدع ويخادع الجماهير، انه يثّبت ويجوهر حلقة " التنوع " ومن ثم يهرب من ايجاد الحل، او يعطي حلا خياليا لا وجود له، في دعم خفي مرة ومباشر في اخرى للسلطة، كاشفا عن نفسه بأنه اداة بيد هذه السلطة، مع ان المهمة الحقيقية للسوسيولوجيا كشف الخداع والتضليل الذي يمارس على المجتمع.
ان علم الاجتماع كما يقول بليخانوف ((يصبح علما فقط الى الحد الذي ينجح فيه في فهم اصل اهداف الانسان الاجتماعية "الغاية الاجتماعية" على انها الاثر الضروري للعملية الاجتماعية، التي تتحدد في النهاية بمجرى النمو الاقتصادي)).