صراع أهل القرآن وأهل الأحاديث

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن - العدد: 6238 - 2019 / 5 / 23 - 23:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هناك جماعة تسمى بأهل القرآن وهي جماعة تؤمن بأن القرآن هو المصدر الوحيد لتعاليم الإسلام الصحيح وأنه لا يحتاج إلى كمالة في شكل أحاديث، بمعنى أن الإسلام قد اكتمل بانتهاء نزول الوحي والقرآن وأن ما يسمى بالسنة هو سنة الله وشرعه وليس سنة محمد الذي يؤمنون بأنه كان رسولا قام بالتبليغ ولكن كلامه ليس مكملا لكلام الله كمآ أنه لم يكن مشرعا.
ويقول أهل القرآن إن كل ما فعله من يسمون بالصحابة والأئمة ورواة الأحاديث لا يزيد عن كونه اجتهاد بشري يمثل وجهة نظرهم ولكنه غير ملزم للمسلمين ولا صلة له بالإسلام المنزل من قبل الله ولا يمكن وضع تنظريهم على قدم المساواة مع القرآن.

وهناك من أهل السنة والجماعة من يقول بأن جماعة أهل القرآن جماعة مارقة ولا ينبغي الاهتداء بهم. وفي هذا فإننا نرى أن على كل إنسان أن يجتهد وأن يعتمد على نفسه في إزالة التناقضات والتعامل مع الخرافات التي قد يواجهها في دينه دون أن يكترث بآراء الآخرين عملا بالمبدأ الإسلامي القائل بأن من اجتهد وأصاب له أجرين ومن اجتهد وأخفق له أجر. وهي مقولة رائعة تحث على إعمال العقل دون خوف وهو شيء ينقصنا كثيرا كمسلمين.

وهناك حديث آخر أعتبره من الأحاديث التي شكلت منظومتي الفكرية أيام دراستي الجامعية بالقاهرة يقول:
" استفتي قلبك ولو أفتوك" بمعنى أنه لا يمكنك أن تتبع أي فتوى دون تمحيص ودون أن تستفتي قلبك وعقلك لأنك في النهاية مسؤول عن أفعالك وليس من قام بالإفتاء، كما أن هذا الأخير إنسان مثلك يخطئ ويصيب ومن ثم فإنه ليس من المنطقي أن تتبعه بشكل عمياني.

وخلاصة هذه القضية هي أن الله خلقنا أحرارا وأنه لا وصاية لإنسان على آخر ومن ثم فلك الحق بإن تتقبل آراء أهل القرآن أو ترفضها، والأهم من هذا أن تؤمن بحق الآخر أيضا في أن يرفض أو يعتنق ما يشاء، بمعنى أن حق حرية الاعتقاد مثله مثل حق الحياة مكفول للجميع وليس للمؤمنين فقط.

ولو إننا نجحنا في تطبيق واحترام ما ندعو إليه فإننا سوف نعالج أحد المعضلات الكبرى في حياة وتاريخ المسلمين ألا وهي النزاعات والحروب الدينية التي نكابدها منذ نزول الاسلام والتي ترجع بالأساس إلى الخلط بين ما هو إلهي وما هو بشري وتحويل مسألة الإيمان من شأن خاص إلى شأن عام. وبالنتيجة يعاني المسلم أينما وجد وتحولت حياته إلى بؤس وشقاء ونزاعات لا نهاية لها مما جعلنا في مؤخرة الأمم بسبب إصرارنا على الاضراب عن التفكير.
فلو أن أحدنا آمن بأفكار أهل القرآن فما الذي يضير الآخر؟! وما الذي يمنعنا من العيش في سلام مع الآخر عملا بمبدأ العيش المشترك رغم اختلاف المعتقدات الشخصية كما هو الحال في أوروبا؟ وهل يعني أن أعتنق نسقا فكريا مخالفا لما تعتنقه أنني عدو لك وأنه ينبغي أن يقتل أحدنا؟ أليس التنوع والاختلاف في كل شيء في هذا الكون الفسيح هو أساس الوجود؟

والآن دعونا نختبر وقع ما أوردته سابقا على الآخرين ومدى تقبلهم له بشكل عملي من خلال عرض ليعض الأحاديث الغريبة التي ورد الكثير منها في كتب الصحاح بالرغم من عدم معقوليتها واستحالة أن تصدر عن نبي الإسلام. والأحاديث التي اخترناها تتسم بالظرف من باب الترفيه عن الصائمين في شهر رمضان الذي تحول من شعر للعبادات والتدبر إلى شهر للأطعمة الدسمة والكنافة والقطايف والطرشي والمخللات وبرامج الطبيخ والفوازير والمسلسلات والمسابقات التليفزيونية والكاميرا الخفية ولعب الكرة في الشوارع بعد منتصف الليل ولا مانع من تحبيش العملية من باب الستر ببعض البرامج ا الدينية المليئة بالمواعظ المعادة للمرة الألف بعد المليون.
وأتذكر أنني كنت في زيارة للقاهرة في رمضان منذ سنوات عديدة وقد دعاني أثنين من الأصدقاء لحضور سحور راقص في أحد فنادق القاهرة وفعلا كانت هناك راقصة شرقية وشيشة على كل مائدة.

وتماشيا مع هذا الجو الرمضاني اخترنا الأحاديث التالية والتي ربما كانت أحد أسباب بزوغ حركة أهل القرآن:

- حديث البطيخ والذي يقول: "عليكم بالبطيخ؛ فإن فيه عشر خصال: هو طعام، وشراب، وأشنان، وريحان، ويغسل المثانة، ويغسل البطن، ويكثر ماء الظهر، ويقطع البرودة، وينقي البشرة"

-حديث عن الهريسة " أتاني جبريل بهريسة من الجنة فأكلتها فأعطيت قوة أربعين رجل في الجماع"

- حديث عن جبريل عندما طلب الاذن من الله بان يقوم بقياس عرض الجنة فأعطاه الله الاذن بذلك فانطلق جبريل ليقيس عرض الجنة فطار مدة 300 الف عام ثم توقف وطلب من الله ان يمده بالعون ليطير 300 الف عام اخرى فأمده الله سبحانه وتعالى وهكذا حتى قطع جبريل 900 الف عام يطير في الجنة ثم توقف فرأى قصرا قد اطلت منه احدى الحوريات فقالت له يا جبرئيل ماذا تفعل ؟ قال اريد ان اقيس عرض الجنة ، قالت : يا جبريل لا تتعب نفسك انت الان منذ انطلاقتك الاولى تطير في حدود مملكتي ، قال: ومن انت ؟ قالت: انا زوجة لاحد المؤمنين .

-حديث 1361 في صحيح مسلم: "لا يستلقين أحدكم ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى" والغريب أن الحديث الذي بعده مباشرة أي رقم 1362 يقول : بجواز الاستلقاء على الظهر مع وضع إحدى الرجلين على الأخرى!

-حديث عن 10 مزايا تمتع بها النبي منها " أنه ولد مختونا، وأنه كان يرى بظهره، وليس له ظل، وأن الذباب لا يقترب منه، وأن البهائم كانت تعرفه فتسرع له حتى يركبها"

-وهناك أحاديث منسوبة لبعض زوجات النبي عن حياته الشخصية لا أعتقد أنه من اللائق أن نذكرها. وكما هو ملاحظ فإن العامل المشترك بين كل هذه الأحاديث هو المبالغة الفجة والسذاجة والابتذال.

هذه عينة صغيرة جدا من بعض الأحاديث الشاذة التي لا يعقل أن تصدر عن النبي، وتجدر الإشارة هنا الى أن البخاري قام بتجميع أكثر من 700,000 قام باختيار حوالي 6000 حديث منها على أنها صحيحه ولم يقبل الباقي. أي أن الأحاديث الصحيحة تبلغ نسبتها 1% فقط وال 99% الأخرى ما هي إلا أحاديث مضروبة؟
البعض يقول إن هذا دليل على دقة الرجل في بحثه. ولكن أليس هذا دليل أيضا على أن الأحاديث المنسوبة للنبي كانت موضع تلاعب خطيرة من رواة الأحاديث؟

ومن الناحية العلمية وكما يعرف كل الباحثين والأكاديميين فإنه لا يمكن الوثوق في نتائج أي بحث أو أطروحة تقوم على عينة إحصائية بمثل هذا التشوه كما أنه لا ينبغي أن ننسى أن البخاري لم يكن معصوما من الخطأ والهوى شأنه شأن أي إنسان آخر.

وبعد كل هذا فإننا نتساءل أليس في معتقدات أهل القرآن ما يستحق التفكير والتأمل؟

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي