في ذكرى الأول من أيار نطرح السؤال : هل ستنهض القيادات النقابية لإعادة الوحدة النضالية للطبقة العاملة كقوة ثورية حقيقية ؟


جهاد عقل
الحوار المتمدن - العدد: 6219 - 2019 / 5 / 3 - 11:33
المحور: ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي     


- 130 عاماً منذ إنطلاق احياء يوم الأول من أيار

منذ إنطلاق نضال عمال شيكاغو في العام 1886م ،وإضرابهم التاريخي من أجل يوم عمل من ثماني ساعات ، حيث سقط الجرحى منهم وقُتل آخرون برصاص الغدر البوليسي حامي مصالح أصحاب العمل ، وبعدها إعتماد الأول من أيار في مؤتمر الأممية الثانية المنعقد بباريس في العام 1890م كيوم نضالي للحركة العمالية والنقابية العالمية ، وأن يكون علم هذه الحركة ،بل الطبقة العاملة باللون الأحمر ، تجسيداً لوحدة الدم التي تتخطى القومية والدين والعرق ، منذ أول أيار العام 1890م يجري إحياء هذا اليوم الكفاحي بلا كلل وبمثابرة لا تتوقف،أي على مدار 130 عاماً بما فيه هذا العام.
بالرغم من محاولات قوى رأس المال المعروفه بمناهضتها بل عداءها لأبناء الطبقة العاملة وحركتها النقابية ، طمس أهمية هذا اليوم النضالي ، والقيام في كثير من الدول التي تسيطر عليها بالغاء هذا اليوم الذي كان عطله رسمية سبق وحصلوا عليها بفضل نضالهم ، يخرج فيها العمال بمظاهرات لإحياء هذه الذكرى النضالية .

- هجوم شرس على الحركة النقابية

منذ بروز القوى الرأسمالية وسيطرتها على شرايين الإقتصاد العالمي ، وإعتمادها على السياسه العولمية ونهج إقتصادها النيوليبرالي ، وهي تقوم بهجوم شرس وممنهج على الطبقة العاملة وممثلها أي الحركات والإتحادات النقابية، وذلك في مختلف الدول ،بهدف إضعافها.

بداية إرتبطت قوى رأس المال هذه بالحكومات ،التي سارت على نسق هذه السياسة الرأسمالية ،وباشرت بتنفيذ مآربها ، الا وهي إلغاء بنود من إتفاقيات عمل جماعية ، التي حصل عليها العمال من خلال نقاباتهم ونضالات جرت على مدار السنين، والتي تعني تقليص حقوق العاملين على مختلف مهنهم، وإعتمدت هذه الحكومات وقوى رأس المال على نُهُج متنوعه تقوم بالتخطيط لها القوى الرأسمالية ، مثل الحاجة الى "مرونه إدارية" ،وهذا الشعار يعني القيام بنهش وتقليص حقوق يستحقها العمال وفق إتفاقيات جماعية حققتها نقاباتهم ، أو فصل قوى عاملة تحت هذا الشعار بعكس ما تنص عليه الاتفاقيات القائمة ، هذه السياسات والنُهُج أدت مع مرور الوقت الى إضعاف وهشاشة القوة التنظيمية النقابية ، وتحويل الإتفاقيات الجماعية التي ضمنت لهم الأمان والإستقرار في العمل مع كافة الحقوق بما فيها الضمان الإجتماعي على مختلف مركباته.

ضمن هذه السياسة وتحت شعار ضرورة إعطاء صلاحيات للإدارة تحت الشعار المذكور ،أي "المرونة الإدارية" وبعد تنفيذ فصل عاملين ينضون تحت لواء النقابات العمالية ، بدأت عمليات إستيعاب عاملين بواسطة العمل التعاقدي والعمل عن طريق وكالات الإستخدام ، الذي يعني إلغاء العلاقة المباشرة ما بين العامل ومكان العمل ، ويصبح ضمن علاقة عمل هشّه وغير مباشرة مع وكالات الإستخدام ،الأمر الذي بدأ يُضعف النقابات من جهة وتشغيل قوى عامله بشكل غير مباشر تعمل بشروط مُتَدَنيّه تفرضها وكالات الإستخدام من جهة أخرى ولا يتمكن من الانضمام للنقابات كونها تعمل بفرص مؤقته طيلة الوقت.

هذا الأسلوب التشغيلي ضمن للقوى الرأسمالية الارباح ، وذلك طبعاً على حساب حقوق العمال ، بحيث يجري العمل بأجر أقل وبتكاليف أقل من خلال التقليص بل وإنعدام الامان والسلامة في العمل وبدون حقوق ضمان إجتماعي وادخال بنود في إتفاقيات العمل تعيق إمكانية التنظيم النقابي ، جرت هذه السياسات والنُهُج في مختلف القطاعات التشغيلية الحكومية - العامة منها والخاصة ، ففي القطاع العام الرسمي بدأت عمليات تجميد الملاكات وإستيعاب العاملين الجدد بإتفاقيات عمل خاصة ، تعرض فيها أجور أعلى وبدون حقوق ضمان اجتماعي أو بحد أدنى منها ، وعدم أستيعاب موظفين جدد ضمن إتفاقيات العمل الجماعية ،أي خارج الإطار النقابي ، وبذلك تكون محصّلة هذه "المرونة الإدارية" القضاء على العمل المُنظّم ضمن الإطار النقابي ، وعندما نقوم بفحص المعطيات الإحصائية للاتحادات النقابية في مختلف دول العالم نجد أن هناك إنحسار كبير في عدد الأعضاء في هذه الاتحادات النقابية ، مما يعني في المُحصّلة إضعاف قوة النقابات وقوة المساومة لديها عند تجديد الإتفاقيات الجماعية.

- الاتحادات النقابية بحاجة لإجراء تغيير حقيقي في سياساتها القائمة

أمام هذا الهجوم الرأسمالي الغير مباشر ربما، على العمل المُنَظّم ،أي على الأطر النقابية التي تضمن الأمن التشغيلي وشروط عمل لائقه في إطار إتفاقيات العمل الجماعية ، لم تتخذ الحركة النقابية خطوات أو مسارات لمواجهة هذا الهجوم ،المستمر حتى يومنا هذا ، بل وللأسف واصلت قيادات الإتحادات النقابية الدولية إتباع سياسة المهادنه مع قوى رأس المال وحكوماتها (كي لا نظلم الجميع هناك بعض الإستثناءات لاتحادات نقابية واجهت هذه السياسات لكنها محدودة جداً) ، أستطيع التأكيد كمتابع مثابر لمجريات الأمور بما يتعلق بالحركة النقابية العالمية والعربية والمحلية ، التأكيد أن الأمور ما زالت في تراجع مستمر بل تسير نحو الأسوأ.

على الصعيد الدولي نلاحظ أن الاتحادات النقابية تعيش حالة من الإسترخاء النضالي ، فلم نشهد من هذه الاتحادات حراك نضالي فعّال لما تواجهه الحركة النقابية من هجوم متواصل عليها وعلى الطبقة العاملة التي تمثلها، يتجسد هذا الإسترخاء النضالي في عدة أشكال ، أبرزها ضمن "منظمة العمل الدولية" التي تلعب - في ماهية سياساتها- دور الوسيط ما بين أطراف الإنتاج الثلاث ،أي الحكومات وأصحاب العمل والنقابات العمالية، وضمن هذه "الوساطه" توضع إتفاقيات حل وسط ما بين الأطراف الثلاثة ، وفي معظم الحالات يكون الطرف العمالي -النقابي هو الخاسر الأكبر في هذه الحلول.

في ظل هذا الوضع ،أي التراجع في القوة النقابية وإعتماد سياسات المهادنة هذه ، تزداد الأزمة النقابية تراجعاً أمام قوى رأس المال والحكومات ذات النهج الإقتصادي النيوليبرالي ، والأمر المطلوب من هذه القيادات النقابية العودة الى ثروتها الحقيقية ،ألا وهي قوتها التنظيمية وإتحاد أعضاءها من أبناء الطبقة العاملة ، وإستغلال هذه القوة – الثروة بالخروج من قوقعة المهادنة ، بل تحطيمها والأنطلاق نحو المسار النضالي الصدامي الغير مهادن ، ضد السياسات التي تنتهجها الحكومات وأصحاب العمل التي تقوم من خلالها ضرب قوة العمل المُنَظّم ،أي قوّة التنظيم النقابي.

كي لا نظلم الجميع ، علينا التأكيد كما أشرنا سابقاً ، هناك البعض من الاتحادات النقابية لم تقف مكتوفة الايدي أمام هذا الهجوم وإستطاعت ومن خلال حراك نضالي وقف هذه السياسة التحطيمية لحقوق العاملين والذود عن قوتهم النقابية.

- وقفة مع قيّم الاول من أيار تعني ضرورة النهوض وبقوّة.
بما أننا نتواجد في أيام الأول من أيار ، يوم التضامن العمالي والنضال العالمي للطبقة العاملة ، من الصعب الخوض في كافة الأورام والأدران والترهلات التي تعاني منها الحركة النقابية في العالم أجمع وفي العالم العربي خاصة ، وبالنسبة للوضع في العالم العربي واذا اردنا تناول الموضوع بصراحة وبدون تغاضي ، قد يكون التشريح له جارحاً لمعظم القيادات النقابية العربية ، كونها قيادات بيروقراطيه - في أحسن الأحوال – تعيش في ظل الإحتماء بالحكومات وليس بقوة العمال التي تدعّي أنها تُمثّلها.

وعودة بنا الى الأسس الحقيقية التي نَجَب عنها الأول من أيار يوم العمال العالمي ، يوم النضال، وهي الإعتماد على وحدة الطبقة العاملة وتنظيمها من خلال غرس الوعي والإيمان في قلوب وعقول ومشاعر أفرادها على مختلف مهنهم ،بأنّ وحدتنا /وحدة الطبقة العاملة هي مشروع الأمن والأمان للحاضر والمستقبل التشغيلي وما يشمله من حقوق ، وأن الطريق لتحقيق ذلك ،هو طريق النضال وعدم التهادن مع قوى الإستغلال الرأسمالي وحارسها ، الحكومات .

أستطيع التأكيد ومن خلال تجربتي النقابية أنه في حال قامت قيادات التنظيمات النقابية بترسيخ المفاهيم الأساسية للتنظيم النقابي ،القائمة على أساس ، وحدتنا قوة لنا ، وقيام قيادة شجاعه تعمل بشفافية ووفق برنامج نضالي مبرمج ، الحصول على دعم أعضاء التنظيم وتجندهم لكل مهمة نضالية مطلوبه منهم .
كما وعلينا تقوية جذور الثقة بالنفس ، أضافة الى موضوع وحدتنا ، فنحن العمال قوة الإنتاج والحراك الأقتصادي وليس قوى رأس المال ، مهاراتنا ، تفانينا ، إختراعاتنا وقوة عملنا على إختلاف تخصصاتنا ، بدون كل ذلك لا وجود لأية نهضة إقصادية أو حراك وتطور إقتصادي ، ولا وجود لأي إنتاج كما هو الحال بموضوع الإستهلاك فنحن أكبر قوة في المجال الأخير.

على ضوء ذلك المهمة المركزية التي تقف أمام الإتحادات النقابية والنقابيين الذين يقفون على رأس قياداتها ، الالتحام بالعمال والانتقال من مرحلة "العيش الرغيد" في ظل الحكومات ، الى مرحلة القيادة الحقيقية للعمال التي تعني الوقوف وبثقه وإنتباه شديد أمام التحديات القائمة ،والمباشرة ، بخوض هجوم معاكس على من ينتهجون سياسات ضرب قوة الحركات النقابية من جهة ومن خلالها إضعاف وتفكيك قوة الطبقة العاملة ومواصلة إستغلالها ، هذا الأمر يحتاج من هذه القيادات النقابية الى إجراء حساب ذاتي وصريح مع النفس أولاً ، والخروج من دائرة التمركز في مكاتب وتنظيم ورشات عمل نقابية فقط ، بالرغم من أهمية هذه الورشات لتنمية المهارات النقابية ، بل خوض مضمار النشاط النقابي الميداني والإلتصاق بهموم العمال في كل مكان وخوض النضالات لتحقيق المكاسب المطلبية لهم.

في النهاية لا بُد من الإشارة الى شعار المُلصق الصادر بمناسبة الأول من أيار هذا العام عن "إتحاد النقابات العالمي" ومقرة أثينا ، العاصمة اليونانية (للتذكير كان مقرة مدينة براغ أيام المعسكر الإشتراكي) حيث كُتِبَ على المُلصَق الشعار التالي:" الثروة تنتمي لأُولئِكَ الذين يُنتجونها"، كم هو صادق هذا الشعار ، لأنه يُجَسّد الحقيقة ،التي نأمل أن يفهمها ويتبناها الجميع في الحركة النقابية فهو تعبير حقيقي وصادق عن قوتنا ، وأخيرا كل أول أيار يوم التضامن والنضال العمالي والجميع بألف خير ،ويا عُمّال العالم إتّحدوا.