الشعب السوداني والوصفة السحرية


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 6205 - 2019 / 4 / 19 - 22:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     





لا تختلف أسباب الحراك الشعبي في السودان عن تلك التي عصفت وما تزال تعصف في دول المنطقة... ومثل هذا الحراك الشعبي مثل الحراك الشعبي في الجزائر استمرار للمرحلة الهامة من التاريخ التي دشنتها شعوب البلدان العربية في بداية الألفية الثالثة، وهو ناجم عن تناقضات داخلية وخارجية حادة تعتمل في هذه المجتمعات، وتحتاج إلى معالجة، من دون إغفال دور المشاريع المعادية والتي تتآمر على شعوبنا...

ونظراً لتشابه الحالات والأسباب تجدني أكرر، بغرض التأكيد، بعض الأفكار التي ربّما رددتها أكثر من مرة ، مع التأكيد على أسس التناقضات الداخلية التي قادت إلى الحراك الشعبي تعود إلى الفروقات الحادة في توزيع الثروة، واحتكار السلطة، وتحويلها إلى خادمة لطغم المال الطفيلي المحدث، والمتغول، والمهيمن على صانعي القرار، وتهميش غالبية أبناء المجتمع، وحرمان أغلبهم من حقهم في ممارسة السياسة، وفضلاً عن ذلك، ازدياد حدة التناقضات بين البنية السياسية المهيمنة في البلدان العربية، ومتطلبات التطور التاريخي المعاصر؛ إذ امتازت تلك البنية بالجمود والانغلاق، والكبت، بينما ازدادت أهمية وضرورة الحرية في هذا العصر؛ عصر الثورة المعلوماتية والذي من أهم ميزاته: "التنوع، والحرية، والتغيير السريع والمستمر..."

ولمعالجة هذه التناقضات أصبح ضرورياً معالجة الخلل في صيغة الحكم، والبنية السياسية للسلطات الحاكمة، التي تعدّ بؤرة الزلزال ومولدة البراكين، التي لن تُخمد من دون أنسنة هذه البؤرة (الخلل في بنية السلطة الحاكمة) وبنائها على أسس قانونية سليمة.

وهكذا ألقيت على عاتق شعوب منطقتنا مهمة إبداع صيغة حكم جديدة، وبناء الدولة على أسس عصرية جديدة، مثلما ألقى تطور الأحداث مثل هذه المهمة على عاتق الشعبين الفرنسي والروسي في القرنين الثامن عشر والعشرين... وأعود وأؤكد على أن ما يجري في البلدان العربية في بداية القرن الواحد والعشرين يعبّر ويؤشر إلى حاجة المجتمعات البشرية ككل إلى صيغة حكم جديدة... فهل يفلح الشعب السوداني ومفكرو وشعوب المنطقة في ابداع صيغة حكم جديدة تعالج الأزمة التي تعصف بالمجتمع لبناء الدولة العلمانية الديمقراطية الحديثة المبنية على أسس رضا وقبول الشعوب، والتداول السلمي لها، والمساواة القانونية والحرية، وتسمح لمؤسسات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات بالتفتح والتطور،باعتماد دستور عادل يقوم جوهره على دولة المواطنة العلمانية، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد لدولة لجميع أبنائها بغض النظر عن الدين، والمذهب، والطائفة، والعرق، أو الجنس، دولة التنمية الاقتصادية العادلة تعالج مسألة تحرير المرأة ونيلها حقوقها كاملة، وتفتح الآفاق أمام الشباب لتحقيق آمالهم وطموحاتهم...

يبين تطور الأحداث ويقظة قادة الحراك والشعب السوداني، كما الجزائري، امتلاكهم للحكمة التي نأمل أن تقودهم إلى صيغة الحكم الجديدة... وسيسجل ذلك ليس عودة الشعوب العربية وشعوب المنطقة إلى التاريخ فحسب، بل ويجعلهم يساهمون في صناعة التاريخ.

تحية إلى الشعب السوداني، مع الأمل في أن تكلل مساعيه بالنجاح في الوصول إلى الوصفة السحرية لاعتماد صيغة حكم سليمة، وبنية سياسية عادلة لبناء دولة عصرية متحضرة.