مناطق نفوذ!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 6127 - 2019 / 1 / 27 - 23:16
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

الاحزاب الاسلامية في العراق حالها حال اية احزاب طبقية تدافع عن مصالحها في المجتمع، تريد احداث تغيير بما يتلائم ومصالح وايديولوجية وثقافة وفكر ورؤية تلك الاحزاب، تسعى الى ايجاد مناطق نفوذ لها. مناطق النفوذ هي المناطق المحددة جغرافيا بانها تابعة لهذا الحزب الاسلامي او ذاك. المناطق التي "يفترض" ان الحزب يملك فيها "نفوذ وتأثير اجتماعي" واسع. وان ما تقوم به هذه الاحزاب في مناطق نفوذها هو انها تنشر وتطبع المنطقة التي تسيطر عليها بطابعها، برؤيتها، بثقافتها، بتصورها لاي نمط من الحياة واي مستوى من الحياة ينبغي ان يعيش فيه الانسان. فتضع قوانين محلية غير مكتوبة احيانا او مكتوبة احيانا من اجل تثبيت وترسيخ القوانين التي تريد تثبيتها في مناطق حكمها. ان مناطق النفوذ هي النموذج الذي تقدمه تلك الاحزاب، كعّينة لاعطاء فكرة وتصور عن النموذج الذي ستعممه وتشيعه الى باقي المناطق في حالة استلامها السلطة منفردة والذي اسسته ابتداءا في مناطق نفوذ(ها) فيما اذا استلمت ادارة البلد باكمله. ان ما يعزز هذا التوجه هو ان العراق لم يعد دولة واحدة يحكمها قانون واحد، وليس لها نظام قضائي واحد يسود البلد. بل اصبح بلد يحكمه قانون القوة والعنف. فالجهة التي تضع ايديها على ثروات اكبر وتملك ميلشيات اكثر، سيهيأ لها فرض قوانينها ونمط الحياة الذي سيخدم مصالحها.
خلافا حتى لما فعله صدام حسين في مناطق نفوذه انذاك، فقد تعامل مع مدينته معاملة تمييزية مقارنة بمدن اخرى، واغدق عليها بالامكانيات من ميزانية الدولة بكل تأكيد. لم تقتفي الاحزاب الاسلامية حتى هذا التقلييد التمييزي، ولم تقدم اي شيء الى مناطق نفوذها، وان ما تضع ايديه عليها، رغم انه من ميزانية وخزينة الدولة- الا انه يذهب الى جيوبها وتمويل ميلشياتها واحكام سلطتها على مناطق النفوذ تلك.
حين تهمل الاحزاب الاسلامية، منفردة، اهمالا تاما "مناطق نفوذها" وهي تمتلك قدرات مالية هائلة، فانها من المؤكد لن تقدم لعموم المجتمع افضل مما قدمت في مناطق نفوذها حين يتسنى لها حكم البلد كله ولوحدها. الا انه من المؤكد انها ستستثمر فرصة همينتها على تلك المناطق بقوة السلاح، لتجني اكبر ما يمكن من الاموال وبشتى الطرق، في اقتصاد طفيلي، غير منتج، يعتاش على كل الطرق التي تجلب الاموال، في اطار اقتصاد سياسي قائم على النهب والسلب، وفرض الاتاوات، وبالقوة.
في زيارته الاخيرة التي صورتها القنوات الفضائية، يستخدم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ضوء موبايله الخاص لاضاءه طريقه في احد المستشفيات التي زارها في مدينة البصرة مساء نظرا لانقطاع التيار الكهربائي. وانتشرت على صفحات الاعلام الاجتماعي صور الكلاب السائبة التي تجول في مستشفى السرطان ليلا في مدينة البصرة، التي هي مدينة نفوذ وسيطرة الاحزاب الاسلامية من عام 2003 ولحد الان. المدينة التي تنتج وتضخ معظم نفط العراق الى الخارج، تفتقد لادنى شروط حياة طبيعية وسوية، شروط مدينة صالحة للسكن. مدينة تتصاعد منها نيران احتراق ابار النفط حتى في وسط احياء المدينة دون ان تكلف نفسها الاحزاب المتنفذة عناء ايجاد حل لهذا الاحتراق ولا لصحة السكان المحيطين في تلك المناطق.
تحولت مدن عديدة تحت هيمنة تلك الاحزاب الى مناطق نفايات يعيش في وسطها السكان، حيث لا قنوات لتنظيم ماء الصرف الصحي، ولا بلدية مسؤولة عن رفع النفايات، وتتحول شوارع المدن في اول زخات مطر الى انهار وخنادق من المياة الاسنة التي لا تجلب الا الاوساخ والامراض. لا تجد نساء -في بعض تلك المناطق- يسرن في الشوارع سواء بمفردهن او بصحبة احد، ولا حتى بصحبة اسرهن، واي كانت اعمارهن، الا نادرا. مما يظهر اي سيناريو اسود واي جحيم فرض على نصف المجتمع. حين يكون السلوك العام الشائع لحل المشاكل الصغيرة والتي لا تعد ولا تحصى هو بتبادل اقذع الشتائم والسب والضرب، سيتوضح اي نمط حياة اسسوا في "مناطق نفوذهم" نمط تنعدم فيه كل القيم الانسانية. في تلك المناطق يتحول بيع الاسلحة والمسروقات الى مهنة لا يحاسب عليها القانون، بل اسواق لها روادها. تفتح الابواب واسعة لممارسة العنف والجريمة سيكون متاحا في "مناطق النفوذ" تلك.
يحكم مناطق النفوذ تلك، قانون الغاب بكل ما في هذه الكلمة من معنى. لا يستطيع حتى شرطي مرور ان ينظم السير فيها، لعجز القانون عن حمايته في حالة قيامه بواجبه الوظيفي، ناهيك عن تفسخ كل الخدمات البلدية، وحقوق العمال العاملين في مؤسسات الدولة التابعة لتلك الاحزاب التي لا يوجد اي قانون يحميها. هذا هو النموذج الذي تقدمه احزاب الاسلام السياسي في مناطق نفوذها منفردة وفي عموم البلد.
"الشرعية" التي يملكوها لفرض هذا النمط من الحياة على الناس هو: شرعية هيمنتهم على السلطة، هيمنتهم على المال، وهيمنتهم على السلاح! الا ان هنالك شرعية اخرى ترفع رأسها، وتقف على قدميها، شرعية احقية الملايين من الجماهير بشروط حياة صحية محترمة وتليق بالبشر. شرعية يهب الشباب العاطلين في البصرة، وباقي المحافظات من اجل نيلها، بالنضال للحصول على فرص عمل او ضمان بطالة، كحد ادنى، واساسي ولا بد منه، لامتلاك اول مقومات حياة طبيعية. شرعية يهب من اجلها المحاضرين في المدارس الذين يعملون مجانا على امل ان يستأجروا من قبل مدارس الدولة، شرعية سكان العشوائيات الذين يتظاهرون من اجل تعبيد الطرق والشوارع ليكون بوسع اولادههم وبناتهم من الذهاب الى مدارسهم في فصل الشتاء. هذه "شرعية" جديدة، في طور التشكل، في طور النمو، وتعلن عن تحديها ورؤيتها لاي نمط حياة تتطلع وتريد، مغاير ومناقض تماما على ما تريده تلك الاحزاب الاسلامية.