نهاية معمل المصابيح الكهربائية


قاسم علي فنجان
الحوار المتمدن - العدد: 6010 - 2018 / 10 / 1 - 01:39
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

تعد الشركة العامة للصناعات الكهربائية واحدة من الشركات الكبرى التابعة لوزارة الصناعة والمعادن, اذ تحوي على 11 معملا -حسب ادعاء المدير الجديد-, تتنوع منتجاتها بين الكبير مثل مكيفات الهواء الشباكية والمبردات والمولدات الى صناعة المصابيح الكهربائية (الكلوب والشمعة) فإلى المراوح والمحركات الصغيرة (الماطورات) الى مضخات الماء المنزلية, تأسست الشركة عام 1965 وبدأ انتاجها الفعلي بعد سنتين من تاريخ تأسيسها.
تم تعييني في هذه الشركة في عام 2000 , ايامها كانت هذه الشركة في قمة انتاجها, لم يتوقف أي معمل بها, كنت في معمل المصابيح الكهربائية, وهو احد معامل الشركة المنفصلة, يقع في منطقة التاجي, تأسس عام 1974 , خطوط انتاج هذا المعمل تنوعت بين مصابيح الاضاءة المنزلية ومصابيح السيارات فضلا عن انتاج مادة السيليكات وكذلك الاوكسجين, قامت عدة شركات اجنبية بتأسيس هذا المعمل, منها شركات هنغارية وسويسرية وصينية, في سنوات قبل احداث 2003 كان تعداد المعمل بحدود 500 بين عامل وموظف, كانت عمليات الانتاج قائمة بشكل كامل, فلا تقاعس هنا او هناك, بسبب الربط بين زيادة الانتاج والحوافز.
كانت ساعات العمل طويلة ومرهقة, الا ان الفرح كان يغمرنا مع نهاية الشهر بمجيء الحوافز, لقد كانت وزارة الصناعة بيئة جاذبة للعمال, وشركاتها تغطي او تكاد تغطي ما يحتاجه المواطن, كان هناك استيراد, نعم لا يمكن نكران ذلك, لكن كانت البضاعة المنتجة داخليا تتمتع بسمعة طيبة, فمن منا لا يتذكر مصابيح نوار, او اطارات ديوانية, او مراوح النسيم, او نسيج الكوت, او ورق البصرة, او قصب العمارة, او سكائر سومر, الخ....
لكن قطعا كل ذلك اصبح من الماضي, فبعد احداث 2003 ومجيء القوى الاسلامية الظلامية الى السلطة, تهاوت هذه الصناعات واصبحت في خبر كان, هذه القوى عملت بدأب وتعمل ليل نهار على هيكلة وزارة الصناعة, فبين الحين والاخر يخرجون لنا بقانون يراد منه اجبار العمال على ترك معاملهم بتقديم سنين التقاعد او الاجازة اربعة سنوات وبراتب اسمي, الى النقل لبقية الوزارات واخيرا وليس اخرا "تنمية الاعمال", قرارات وقوانين سيئة كما مشرعيها, لأنهم تبعية او سمسار الرأسمال العالمي وسيبقون هكذا.
لم ننجح بخلق نقابة للعمال, لأسباب كثيرة, كنا كسولين اولا وغير جادين وقطعا خائفين من هذه القوى, اتذكر في يوم ذهبت الى مقر الشركة لإقناع بعض من قيادات العمال بأداء دورها النقابي, بعد تأسيس مقرا لهم, فوجدتهم يتناقشون وبصوت عال جدا عن من له الاحقية باللطم داخل الشركة, من سينصب موكبه في مقر الشركة, هل التيار الصدري, او المجلس الاعلى آنذاك, او حزب الدعوة, قلت يا للبؤس ما الذي سأقوله, وفي ذكرى اخرى كنت قد جمعت تواقيع عمال المصابيح لعمل نقابة او شكل تجمع, وافق الجميع وكان هناك مبادرين للعمل النقابي, الا ان "مسؤول الامن" في المعمل اتهمني بأني اعادي" اهل البيت" وهي تهم جاهزة, ولا اعرف كيف ربط تأسيس نقابة بمعاداة اهل البيت, كانت ايام بؤس وهي مستمرة الى اليوم.
هذه الايام يقود الشركة العامة للصناعات الكهربائية احد كوادر حزب الدعوة الاسلامية الحاكم, وبالحقيقة هو لا يختلف عن أي كادر اسلامي متخلف ورجعي, والذين همهم الوحيد انهاء المعامل والصناعة في العراق, اصدر هذا المدير بالوكالة امرا بأنهاء معمل المصابيح الكهربائية, متذرعا بأن المعمل لا ينتج, وبأن الوزارة امرت بأغلاقه, ولا نعرف مدى صحة هذه المعلومة, وبجرة قلم شيطانية وشريرة تم نقل اكثر من 200 عامل وموظف الى معمل صغير جدا يقع في مكان خطر جدا, لم ينفذ العمال الامر وقرروا الذهاب الى الوزارة ثم تم تعديل المسار الى مقر الشركة, تجمعنا هناك, ارسل هذا المدير البائس مجلس ادارته ليستكشفوا الامر, وما هي المطاليب, وبعد انتظار وصل هذا البائس مع جمع من حراسه الشخصيين, ليقول لنا ان قراره قطعي ولا رجعة عنه, واذا لم ترغبوا بالمكان المقترح, فأي مكان تريدون النقل اليه انا موافق, الا معمل المصابيح, كان مصرا على اغلاق المعمل, وكأنه ينفذ سيناريو معدا له, لا اعلم ذلك, لكن في بعض الاحيان تحظر نظرية المؤامرة.
وهكذا اسدل الستار على تاريخ اكثر من اربعين عاما قضاها معمل المصابيح منتجا مثمرا, بذكريات جميلة ومفرحة في احيان, وحزينة في اخرى, الا انه لم يستطع مقاومة الاسلاميين الذين انهوا حياته كما ينهون حياة كل هذا البلد, ليقف احد المتقاعدين الذين قضوا عمرهم كله على احد اقسام المعمل ويدندن مع ام كلثوم ((وديارا كانت قديما ديارا)).