كل عام واليمن بخير عن السادس والعشرين من سبتمبر


إلهام مانع
الحوار المتمدن - العدد: 6005 - 2018 / 9 / 26 - 15:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية     

كل عام واليمن بخير
عن السادس والعشرين من سبتمبر


أتذكرون أول اعلان دستوري بعد الإطاحة بالنظام الإمامي في صنعاء؟
اتذَكرن تاريخه؟
في الثلاثين من أكتوبر لعام 1962.

إعلان بسيط. إعلان واضح.
المادة الثانية منه طالبت ب"إلغاء التفرقة العنصرية واعتبار اليمنيين جميعاً سواء أمام القانون".
والمادة الثالثة منه طالبت ب"إزالة الأحقاد بين الزيود والشوافع".

كان هذا اول واخر إعلان دستوري يشير إلى هذا الموضوع صراحة. أول وأخر إعلان دستوري يشير إلى هذا الموضوع.
لأن من كتبه كان من اليمن.

الإعلانات الأخرى والدساتير الأخرى كانت بصمة مصر وضباطها ورجال القانون منها واضحاً.

لكن من كتب ذاك الإعلان الأول كان يعرف واقع اليمن الشمالي حينها.
ويَدرى أن تلك الأحقاد، وتلك العنصرية كانت (ولعلها لازالت) متأصلة فينا.

عندما ننادي شخصاً بكلمة "سيدي" لا لشيء إلا لقناعة ان ذاك الشخص لديه صلة نسب ما بعائلة الرسول الكريم، وأخر "مزين" علامة على احتقاره، فإن هذا اللقب يشي بواقع طبقي يقسم البشر إلى فئات، وأنت ودمك.

كان النظام الإمامي عنصرياً وطائفياً.
يقوم على مفاهيم حق "إلهي" في الحكم.
وكان نظاماً إقصائياً.
يقصي جماعات وافرادا من اليمن بسبب "دمهم" و"موقعهم المجتمعي".
والأهم أنه لم يعد على اليمن بخير او رفاة.
جوع، ومرض، وفقر مدقع.
يمن معزول.
يمن مقصي.
يمن مريض.

والكل عانى منه. دعونا هنا لا نفرق بين اليمنيين بسبب دمائهم. الكل عانى منه.

لذلك جاء الابتهاج بالحركة الوطنية للسادس والعشرين من سبتمبر الذي قام به ضباط احرار شرفاء على النظام الإمامي، جاء ذلك الابتهاج صادقاً.
كانوا يريدون دولة وطنية تحترم الإنسان فيها. يريدون لها العلم والمعرفة والصحة والرفاة.

لكنها تحولت مع الوقت إلى حكماً قبلياً عسكريا، ومؤسساً ايضاً لطائفية، ليست هاشمية هذه المرة، لكنها تظل زيدية قحطانية.


أبي كان من أشد المؤيدين للنظام الجمهوري.
آمن بها.
وبكى وهو يراها تتحقق.
ثم بكى بحرقة وهو يراها ُتسلب ويَنتهكها الفرقاء واللصوص.
فلجأ إلى الكأس ليغيب عن واقع الخذلان واليأس الذي رأه.
لكنه لم ينس يوما أن يلقنني انا وأخي تلك الأغنية: "أنا يمني، واسأل التاريخ عني، أنا يمني".
وكنت دوماً اسأل التاريخ بعد أن وعيت، ولم يرد علي.

مات أبي محسوراً على ما تمخضت عنه السادس والعشرين من سبتمبر.
منذ التسعينات فرض على نفسه عزلة.
عاش في حديقته.
يجد البهجة في زهورها وأشجارها وطيورها.
وقبل أن يموت بعام سألني: ما الذي سيحدث للحديقة والطيور بعد موتي؟
لم أنس سؤاله هذا إلى يومنا هذا.
.

لماذا احكي لكما عن هذا الموضوع؟

كنت اتابع هذه الأيام الحملة الرائعة التي قام بها ناشطون وناشطات عن "ثورة السادس والعشرين من سبتمبر".
يريدون بذلك ان يردوا على طائفية مليشيات أنصار الله (الحوثيين).
يريدون بذلك أن يصروا على "وحدة اليمن"، بعيداً عن مناطقيتها.

كتبت عن اليمن كثيراً في بحوثي.
واقترحت نظرية "الدولة الماكرة" او Cunning state في تناول ودراسة دولة اليمن كدولة فاشلة.
لكني رغم حبي واحترامي للسادس والعشرين من سبتمبر (وهي إنقلاب عسكري بالمعايير البحثية) لا استطيع ان اتغاضى عن الكيفية التي تم اختطافها من قبل نخبة قبلية عسكرية تواطأت مع جماعات الإسلام السياسي ومع الوقت تحولت إلى حارس شخصي لنخبة فاسدة.
ورغم حبي واحترامي لمفاهيم وحدة اليمن (كنت في الواقع متحمسة جداً للتصويت بنعم على دستور وحدة اليمن) لن يمكني التغاضي عن حقيقة أن الكثيرين في الجنوب اليمني لم يعودوا مقتنعين بهذه الوحدة.

ولذلك تجدوني صامتة.

انظر إلى واقع اليمن واعرف أن الحرب الأهلية القائمة لا محالة ستأخذ مجراها.

وسيأتي اليوم الذي نتعب فيه من الدماء ونضع البنادق جانباً، ونقول حان وقت الحديث.
وعندما نفعل ذلك سيكون علينا أن نجد إجابات لأسئلة صعبة.
وهي حتماً ستدفع بنا إلى النظر إلى الماضي.
إلى التاريخ.
تاريخ الإقصاء.
تماماً كما أنها ستفرض علينا أن ننظر إلى المستقبل.
والمستقبل يفرض علينا أن ندرك أن السلام كي يكون مستديماً يجب أن يكون قادراً على طرح خيارات صعبة.
وحدة اليمن بالنسبة لي مرهونة بإرادة الشعب في الجنوب.
وهم منقسمون. اعرف ذلك ايضاً.
لكن الدولة القادمة يجب، أقول يجب، أن تقر بأخطاء الماضي، وتحترم إرادة الإنسان فيها.

الطريق لازال طويلاً أمام ذلك اليوم.
والفرقاء المتقاتلون لم يتعبوا بعد من الدماء.
بعضهم لديه مصلحة في استمرار هذه الحرب.
وانتم وأنا نعرفهم جيداً.
لكن إلى ذلك الحين، دعونا نتفق على أمر واحد: هدف السادس والعشرين من سبتمبر كان إحترام كرامة الإنسان في اليمن، وإلى يومنا هذا لم يتحقق هذا الهدف.
كل عام واليمن بخير.