كلمة في احتفال الذكرى ال 36 لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من أمام صيدلية بسترس في 16 أيلول 2018


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 5997 - 2018 / 9 / 17 - 13:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في احتفال الذكرى الـ 36 لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من أمام صيدلية بسترس في 16 أيلول 2018

ستة وثلاثون عاماً مضت على انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي وبدء مسيرة التحرير. فالسادس عشر من ايلول هو يوم مجيد في تاريخ شعبنا وحزبنا الذي أطلق هذه الجبهة، يوم وفاء وتقدير لقائدها الرفيق الشهيد جورج حاوي الذي خطّ بيده مع الرفيق محسن إبراهيم نداءها الأول معلنا الشعار الواضح والحاسم: "إلى السلاح، الى السلاح تنظيماً للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني...".

يوم وفاء وتقدير لشهداء الحزب الذين سقطوا في كل المعارك الوطنية والنقابية والاجتماعية من اجل التحرير والتغيير وعلى امتداد خريطة الوطن، لعائلات الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودين، لشهداء الجيشين اللبناني والسوري الذين تصدوا للمحتل، ولشهداء المقاومة الفلسطينية الذين كانوا في قلب هذه المعركة مع كل المقاومين من مختلف القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية فساهموا في مسيرة التحرير هذه.

يوم وفاء وتقدير لبيروت وأهلها، بيروت الحصار، بيروت العروبة والوطنية، بيروت التي قصفتها قوات الغزو الصهيوني بالحديد والنار، فدمرت مؤسساتها وأبنيتها فوق رؤوس أبنائها، بيروت مخيمات صبرا وشاتيلا التي ارتكبت فيهما المجازر الصهيونية والفاشية ، كانت بيروت تحترق تحت نيرانهم ولم ترفع الأعلام البيضاء بل رفعت راية جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، فتحية الى بيروت الى صمودها وصمود أهلها ومقاتليها الذين دافعوا عنها والى كل الشهداء الذين سقطوا في معركة الدفاع عنها، الى الرفاق جورج قصابلي ومحمد مغنية وقاسم الحجيري جسر عبور لأطلاق جمول، والى الذين نفذوا العمليات الأولى، من هذا المكان من صيدلية بسترس ومحطة أيوب وكورنيش المزرعة وعائشة بكار وسينما الكونكورد والجناح وجسر سليم سلام.... وفرضوا على العدو التوجّه بمكبرات الصوت الى سكان بيروت مستغيثا: لا تطلقوا النار علينا فنحن منسحبون وانسحبوا في 27 أيلول 1982، فكانت أولا ... بيروت.

ومنها اندفعت مسيرة التحرير باتجاه خلدة وإقليم الخروب والأولي، وصعوداً الى عالية والشوف، وبعدها الى صيدا والزهراني وقرى شرقي صيدا، لتستكمل على مراحل مع تحرير النبطية ومرتفعات جبل الباروك والبقاع الغربي ومدينة صور، ثم بلدة أرنون الجنوبية ومن بعدها جزين والريحان وعرمتى وغيرها من البلدات.

بهذه الرصاصات الأولى اسقطت جمول آنذاك المؤامرة الامبريالية الصهيونية الرجعية الرامية الى جعل لبنان قاعدة التآمر ضد كل الشعوب العربية وقواها التقدمية والوطنية وضد الشعب الفلسطيني. فمع انطلاقة المقاومة الوطنية وما تلاها من انطلاق للمقاومة الإسلامية وانجازاتهما في التحرير والانتصار على العدو الصهيوني، تمّ احباط تلك المؤامرة. ونحن إذ نفتخر بهذا التاريخ، فإننا نحتفل بالمناسبة لا لتمجيدها فقط، بل للبناء عليه وتطويرها من أجل مواجهة الصيغ المتجددة من تلك المؤامرة.

أيها الرفاق والرفيقات: إن خيار المقاومة في الحزب استجابة لحاجات شعبنا وشعوبنا العربية عموما بالتحرر الوطني والاجتماعي، وهو خيار كرّسه المؤتمر الثاني بتأسيس قوات الأنصار ليستمر مع الحرس الشعبي وبعدها مع جمول، وصولا الى المؤتمر الحادي عشر الذي رفع مهمة النضال من اجل قيام مقاومة عربية شاملة على المستوى القومي عموما وعلى مستوى كل بلد عربي، مقاومة يتكامل فيها النضال من أجل التغيير الديمقراطي والسياسي والاجتماعي في بلداننا مع النضال من أجل التحرر الوطني واسقاط المشروع الأميركي والصهيوني وادواته الرجعية والأصولية.

إن مشروع صفقة القرن، الذي يشكّل الخطة التنفيذية للشرق الأوسط الجديد، يتهدّد بمخاطر وجودية على بلداننا وشعوبنا، تقسيما وتدميرا وقتلاً وتشريداً، من سوريا الى العراق واليمن وليبيا والسودان والصومال، الى جانب الخطر الأهم المتمثّل في تصفية القضية الفلسطينية وفتح بوابة التطبيع والتحالف مع العدو الصهيوني وإقامة دولة الفصل العنصري (قانون القومية) بعد اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ومحاولة أقفال وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) لإلغاء حق العودة وفرض التوطين. وإزّاء ضخامة مثل هذه المخاطر، لم يعد من خيار أمام الأحزاب الشيوعية والقوى اليسارية وحركات المقاومة العربية سوى التحضير الذاتي للتصدّي بكافة الاشكال المتاحة - بما فيها المقاومة المسلحة – لهذا المشروع التفتيتي الجهنّمي، مستلهمة الدروس والعبر من انتفاضات شعوبنا العربية التي شكلت رسالة واضحة الى كافة هذه القوى والأحزاب والحركات.

ان بناء مقاومة عربية وشعبية شاملة، يستدعي العمل لقيام يسار عربيّ صاحب مشروع انقاذي بديل وجذري ومستقل، يفرض نفسه على الآخرين بدل ان يخضع دوما للاختيار او الالتحاق بمشاريع الآخرين. يسار منفتح على كل اشكال التعاون والتنسيق مع كل القوى المقاومة الأخرى، وذو هوية واضحة في تصدّيه للإمبريالية والصهيونية، كما في نضاله من أجل فك التبعية ومكافحة أنظمة القمع والاستبداد وتحقيق التحرّر الاقتصادي والسياسي، مع الاحتكام دوما لمثل الديمقراطية والعلمانية. فلا ديمقراطية بدون علمانية، وهما شرطان متلازمان لمنع قيام دول على أساس ديني وطائفي وأتني تبرر للكيان الصهيوني دولته العنصرية.

فمعارك الحزب ضد النظام السياسي الطائفي والمذهبي وسلطته الهادفة الى تأبيد حكمها، هي جزء من المواجهة ضد المشاريع الإمبريالية في المنطقة لتقسيمها وتقسيم دولها وشعوبها طائفيا ومذهبيا. وشهداؤنا لم يسقطوا كي يحكم هذا البلد تحالف حيتان المال وامراء الطوائف بل سقطوا من اجل بناء دولة علمانية ديمقراطية ومقاومة يعيش فيها ابناؤها بعزة وافتخار. ونحن ننظر الى محاربة الفساد، محاربة لهذا النظام الطائفي، وليس الدفاع عنه أو الحفاظ عليه.

أيها الشيوعيون

كما لبيتم نداء حزبكم بحمل السلاح دفاعاً عن لبنان في وجه الاحتلال، أنتم اليوم مدعوون لحمله مرة أخرى ضد أي خطر أو عدوان صهيوني امبريالي يهدد لبنان وشعبه. كما أنكم مدعوون للتحرك أيضا من أجل استنهاض وتعبئة وتنظيم صفوف العمال والأجراء وكل المتضررين من استغلال وتعسّف رأس المال، دفاعا عن قضايا الناس وحقوقهم بتوفير المرافق والخدمات العامة في الكهرباء والمياه والتعليم والصحة والعمل والسكن والنقل العام والرعاية الاجتماعية والتقاعد والتنمية المحلية.

أنتم مدعوون بإلحاح الى تعزيز قدراتكم الذاتية، عبر تقوية منظماتكم الحزبية والنقابية وبناء أدوات نقابية جديدة، وتوسيع دائرة وأطر العمل الشعبية والاجتماعية المحلية. فقوة الحزب هي من قوة منظماته وهي الأساس في استنهاض العمل السياسي والنقابي والديمقراطي.

لقد جدّدت الانتخابات النيابية للنظام السياسي القائم، وأفضت إلى تعزيز التوجّه العام نحو قيام شكل من أشكال "الدولة الفدرالية". وهذا النمط من الحكم يستجيب بشكل أو بآخر لمشاريع تقسيم دول المنطقة على أسس طائفية ومذهبية، وهو الأمر الذي وقفنا ضده في كل المحطات بما فيها محطة الانتخابات النيابية. وقد شكّل القانون الانتخابي الأداة السياسية - القانونية المنتجة لحكم الأكثريات المذهبية، الذي لم ينتج سوى التعطيل والعجز والركود



لقد كان قرار الحزب صائبا بخوض الانتخابات النيابية، ضد القانون وضد أحزاب السلطة التي اقرته وكمحطة في سياق محطات المواجهات الشعبية والنقابية والبلدية، وتظهيراً لمواقفها من النظام السياسي-الطبقي وأطرافه المختلفة. والحزب مقتنع بأن مواجهة القانون تكون بمواجهة أحزاب السلطة التي أقرته، وليس بترك هذه الأحزاب تعيد انتاج سلطتها بالتزكية، كما أن المواجهة لا تكون لا بالانسحاب ولا بالمقاطعة ولا بالاستقالة.

وهو ما يستدعي تعزيز ثقة الرفاق بحزبهم وبمنضاليه، ورفض أسلوب التشكيك بالرفاق "بأن أحداً يريد أخذ الحزب إلى مكان ما". فمثل هذا السلوك استخفاف بوعي الشيوعيين وقدرتهم على تحصين حزبهم وحماية تجربته الديمقراطية فأحدا مهما علا شأنه لم ولن يتمكن من أخذه حيث لا يريد.



وبالرغم من الطابع العام السلبي للنتائج الانتخابية، فان انجازاً سياسياً قد تّحقق على الأقل في هذه المعركة، باعتراف كل القوى، وهو: أن الحزب خرج من المعركة الانتخابية منسجماً إلى حدّ كبير مع موقفه وخطابه وأدائه وذا مصداقية في تحالفاته، حيث حرص على ترجمة الأقوال بالأفعال في الترشيح والتحالف وتشكيل اللوائح، وفي موقفه من القانون ومن أحزاب السلطة التي أقرّته.

أيها الشيوعيون

ان مشهد التعطيل المتكرر من قبل أطراف السلطة شاهد على عمق ازمة النظام ويشكل ادانة سياسية لكل المتمسكين به على حساب الناس الذين يدفعون الثمن سواء تشكلت حكومة المحاصصة والفساد السياسي او لم تتشكل. من هنا نكرر ما توجهنا به في اطلاق "مبادرة تداعي" الى كل أصحاب المصلحة وقوى التغيير الديمقراطي للعمل معا من اجل انتاج برنامج وطني لانقاد لبنان من نظامه الطائفي ومن مخاطر المشروع الأميركي – الصهيوني، حفاظا على انجاز التحرير وتضحيات كل المقاومين، وذلك في مؤتمر جامع للتغيير الديمقراطي ومن خلال اطلاق كل التحركات الشعبية المتاحة في مواجهة تفاقم العديد من الأزمات السياسية والمعيشية التي تطال أكثرية اللبنانيين، والتي يتوقّع أن تشتد اكثر في المقبل من الأيام تنفيذا للإجراءات التقشفية التي يعد بها "مؤتمر باريس 4" لجهة الغاء الدعم عن الكهرباء وزيادة الضرائب غير المباشرة وتخفيض قيمة ونوعية الخدمات الصحية والاستشفائية العامة ومعاشات التقاعد واستمرار حرمان عمال وأجراء القطاع الخاص والمزارعين والمعلمين.

أن معظم من سقط من شهداء في الدفاع عن أرض الوطن، ينتمي الى بيئة أمعن فيها رأس المال الاحتكاري والريعي إفقاراً وتهميشاً واستغلالاً، وسعى فيها الى طعن المقاومة عبر تجييش الانقسامات والاصطفافات المذهبية والطائفية. والوفاء لشهيد المقاومة يكون بالسير على الطريق الذي استشهد من اجلها، فهذا الشهيد المقاوم لم يكن غارقا في الفساد والسمسرات والصفقات بل كان يحلم بالمساواة والعدالة وبقيام وطن حر وشعب سعيد.

أيها الشيوعيون: كما لبيتم نداء حزبكم وحملتهم السلاح دفاعا عن لبنان في وجه الاحتلال والارهاب، كونوا أيضا في الطليعة انتصاراً لقضية الإصلاح السياسي، للقضايا الاقتصادية - الاجتماعية، وعلى أهمية المبادرات الحزبية المركزية، فان الأهم يبقى في تحمّل منظمات الحزب ما يقع على عاتقها من مهام ملموسة والاضطلاع بدورها القاعدي في إطلاق المبادرات في كل بلدة وقرية ومدينة، ففي ذلك فعل ثوري مقاوم.

عاش الحزب الشيوعي اللبناني

عاشت المقاومة الوطنية اللبنانية

عاش لبنان والمجد والخلود للشهداء