مشروع جمهورية الصين الشعبية السياسي والاقتصادي بعد المؤتمر ال 19 للحزب الشيوعي الصيني


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 5851 - 2018 / 4 / 20 - 10:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

مداخلة الأمين العام حنا غريب في اللقاء الحواري مع السفير الصيني وانغ كيجيان



مشروع جمهورية الصين الشعبية السياسي والاقتصادي بعد المؤتمر الـ 19 للحزب الشيوعي الصيني

سعادة سفير جمهورية الصين الشعبية في لبنان وانغ كيجيان

الرفيقات والرفاق

الحضور الكريم

اسمحوا لنا بداية ان نجدد تهنئتنا للحزب الشيوعي الصيني بمناسبة نجاح مؤتمره التاسع عشر، وأن نثمن الجهود التي بذلها الحزب في تنظيم مؤتمر الحوار الرفيع المستوى بين الأحزاب السياسية في العالم والحزب الشيوعي الصيني، الذي انعقد في بيجنغ منذ فترة، والذي حققت جمهورية الصين الشعبية من خلاله قفزة سياسية نوعية، باتجاه تحويله الى إطار مؤسّسي ما يستلزم بالمقابل، تعزيز الحوار على مستوى قوى اليسار والأحزاب الشيوعية في العالم.

وفي موضوعنا لهذه الندوة بعنوان مشروع جمهورية الصين الشعبية السياسي والاقتصادي بعد المؤتمر ال19 للحزب الشيوعي الصيني ، لا بد لنا من طرح الاطار العام للنقاش والذي نراه يتمحور في مسائل ثلاث: الأولى أهمية هذا المشروع في معالجة ازمة الحركة الشيوعية في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وبخاصة على المستويين الفكري والأيديولوجي، الثانية أهمية هذا المشروع في قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، اما الثالثة فتتعلق بأهمية هذا المشروع في نجاح التجربة الصينية الهادفة الى بناء الاشتراكية .

أولا: أهمية معالجة ازمة الحركة الشيوعية في العالم:

لقد طبعت الثورة الفرنسية القرن التاسع عشر بطابعها وشعاراتها، في الحرية والعدالة والمساواة، كما طبعت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى القرن العشرين بطابعها الثوري الماركسي - اللينيني ، في محاولة بناء اول تجربة لمجتمع اشتراكي من دون استغلال طبقي ، وكلنا امل اليوم ان يشكل مشروع جمهورية الصين الشعبية السياسي والاقتصادي على المستويات الفكرية والأيديولوجية والتطبيقية قوة دفع تجعل القرن الواحد والعشرين، قرن هزيمة النظام الرأسمالي العالمي، قرن الاشتراكية المحققة في جمهورية الصين الشعبية كما جاء في تقرير المؤتمر ال19 للحزب الشيوعي الصيني.، وفي ذلك انتصار كبير للفكر الاشتراكي والشيوعي.

ان هذه الآفاق الواسعة لمستقبل الاشتراكية في هذا القرن تجعلنا ايضا نضع نصب اعيننا اليوم مسألة ازمة الأحزاب الشيوعية في العالم التي لا تزال تعانيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. فالأحزاب الشيوعية والقوى اليسارية والتقدمية وحركات التحرر في العالم تتطلع الى مستقبل البشرية بتفاؤل من خلال التجربة الصينية، وهي تعوّل أهمية كبرى على نجاحها، لأن في ذلك اثباتا ملموسا ان المجتمع الاشتراكي ليس حلما يستحيل تحقيقه، بل هو هدف عظيم يمكن تحقيقه على ارض الواقع.

وانطلاقا من هذا الحرص وهذا الأمل، يدور الآن نقاش، يجب ان يتعزز حول مفهوم " الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" كتجسيد لنظرية الاشتراكية العلمية، وحول أهمية تطوير القوى المنتجة وبما تعنيه من سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم بغية بناء الاشتراكية بالاستفادة من الثورة العلمية والتكنولوجية عبر بناء اقتصاد السوق الاشتراكي تحت سيطرة واشراف الحزب الشيوعي الصيني الذي يبقى الضمانة في نجاح تجربة بناء الاشتراكية عبر الاشراف على تطوير علاقات الانتاج بما يتلاءم وتطور القوى المنتجة. وقد تبين ذلك عمليا في مقررات المؤتمر التاسع عشر حول بناء المجتمع الاشتراكي العصري بحلول عام 2050.

ما نريده ليس نقل التجربة بل الاطلاع والاستفادة من نجاحاتها في اهم ملحمة في تاريخ البشرية والإنسانية والتي تطلبت - منذ قيام الثورة عام 1949 - ما يزيد على المئة عام عملية الانتقال الى الاشتراكية بالنسبة الى أكثر من مليار و400 مليون انسان.

ثانيا: أهمية هذا المشروع في قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب

تكمن النقطة المحورية في هذا المجال في مبادرة الحزام والطريق القائمة على أساس الحوار بدل العدوان، وحسن الجوار بدل الاحتلال ، والتنمية بدل الاستغلال والتخلف، والمنفعة المتبادلة بدل نهب ثروات الشعوب فضلا عن نهج زيادة المساعدات الى الدول النامية، وفي ذلك تقديم النقيض في الممارسة السياسية، والتي تقدم اسهاما فعالا في الحاق الهزيمة بالإمبريالية وطبيعتها العدوانية ونظامها العالمي ذي القطبية الواحدة التي من خلاله تتحكم بمصير البشرية وتحول دون قيام نظام التعددية القطبية لمنع الشعوب من تحقيق استقلالها وتحررها السياسي والتنموي وهو ما ترفضه الصين بتحقيق تنمية شعبها على حساب مصالح شعوب الدول الأخرى، ما يعني طرح مهام جسام على كل الدول الراغبة في كسر الغطرسة الاميركية بالشروع من خلال تجمعاتها السياسية الى مواجهة السياسة العدوانية للولايات المتحدة الأميركية وللعقوبات الاقتصادية التي تفرضها عبر قيام نظام مالي ونقدي جديد ينهي أحادية الهيمنة الاميركية على الاقتصاد العالمي.

ثالثا: أهمية هذا المشروع في نجاح التجربة الصينية في بناء الاشتراكية:

الأولوية الآن بالنسبة الى الصين هي للبناء الداخلي ومحاربة الفساد لجهة تحسين مستوى عيش الشعب باستمرار، وتطوير الاقتصاد والبنية التحتية والتثقيف الأيديولوجي، ووضع الاستراتيجيات، والالتزام بتنفيذ البرنامج الذي وضعه الحزب لمساعدة الفقراء، ومواجهة تحديات كثيرة أبرزها الخشية من انزلاق الصين الى الرأسمالية مع زيادة ملكية القطاع الخاص الى اكثر من 50%، مقابل تراجع دور القطاع العام الذي تمتلكه الدولة الى 35%، مع وجود 70 مليون صيني تحت خط الفقر، واتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء وبين المناطق المتقدمة والفقيرة وكذلك بين الريف والمدينة ما قد يؤثر في الخيارات الفكرية والأيديولوجية للحزب الشيوعي الصيني. فما زالت هناك فجوة كبيرة نسبياً في التنمية وتوزيع الدخل، بين الحضر والريف وبين مختلف الأقاليم، وتواجه جماهير الشعب صعوبات عديدة في التوظيف والتعليم والخدمات الطبية والمساكن ورعاية المسنين.

على الرغم من كل هذه التحديات نرى نحن في الحزب الشيوعي اللبناني ان القيادة الصينية تحمل برنامجا متكاملا ليس فقط لمعالجة هذه القضايا الملحة على المستوى التقني، على اهميتها طبعا، بل ايضا، كما ذكرت سابقا، تضع حل هذه المعضلات في إطار بناء المجتمع الاشتراكي على اسس علمية. اننا اليوم، وعلى بعد ايام قليلة من الذكرى المئوية الثانية لميلاد مؤسس الفكر الاشتراكي العلمي كارل ماركس في 5 ايار المقبل، لا بد لنا من ان نحيي هذه الذكرى ، وهذا المفكر العظيم ، كما نحيي الأحزاب الشيوعية كافة ، وبخاصة الحزب الشيوعي الصيني على استمراره في حمل لواء الماركسية على جميع المستويات، ونعتبر اننا في صلب هذا المشروع الكبير الذي لن يحرر الانسان في الصين ويسمح له بالتطور الاقتصادي والحضاري والثقافي فقط، بل سيكون المشروع الذي يحرر البشرية جمعاء التي تقف الان على مفترق، اما الاشتراكية واما الرأسمالية المتوحشة، ونحن يا سعادة السفير ، والرفيق أيضاً، معكم بحزم في هذه المسيرة المضيئة نحو الاشتراكية.