«انقلاب» ترامب في الشرق الأوسط


محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن - العدد: 5837 - 2018 / 4 / 6 - 11:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



يمكن القول إن البيت الأبيض هو المفتاح لبيت الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية: لقاء عام 1945 عند قناة السويس بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود الذي كان إشارة انطلاق لبدء الاهتمام الأميركي في اتجاه وراثة واشنطن للندن في الشرق الأوسط بدءاً من انقلاب 1953 في إيران وصولاً إلى «مبدأ أيزنهاور» عام 1957 الذي كان صريحاً في الرغبة الأميركية بملء الفراغ البريطاني. تكرر هذا المفتاح الأميركي للبيت الشرق الأوسطي لما قادت سياسة هنري كيسنجر عام 1974 باتجاه احتواء مصر بعيداً عن موسكو من خلال سياسة «الخطوة خطوة» إلى انقلاب اللوحة الشرق أوسطية لمصلحة واشنطن وإلى بدء انحسار النفوذ السوفياتي في المنطقة ووصول الرئيس المصري أنور السادات نحو تلك الخطوة الدراماتيكية بزيارة القدس عام 1977 ومن ثم الاتجاه عام 1979 نحو عقد اتفاقية مصرية- إسرائيلية كانت عنواناً لصلح منفرد مع إسرائيل.
يمكن تطبيق ما سبق على الأربعة عشر شهراً التي أعقبت وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وليس بعيداً من الواقع هنا الحديث عن انقلاب ترامب على سياسة باراك أوباما الانسحابية من الشرق الأوسط التي كانت محطتاها الرئيستان عام 2015 مع الاتفاق النووي مع إيران والغطاء السياسي الأميركي للدخول العسكري الروسي إلى سورية. كان ذلك الاتجاه الانسحابي عند أوباما من المنطقة في اتجاه الشرق الأقصى لمواجهة نمو العملاق الصيني متأثراً بفشل التجربة الأميركية في العراق، وهو كاتجاه كان يرى أن تقديم «هدايا» لطهران وموسكو في المنطقة سيساعد في إبعادهما عن الصين وفي الوقت نفسه «يقومان بجزء من عملنا» في ضبط منطقة ملتهبة بفعل نمو التطرف الإسلامي.
كان سقوط الموصل بيد «داعش» في 10 حزيران (يونيو) 2014 هو الدافع الأولي لعودة التعاون الأميركي- الإيراني في العراق بعد طلاق بينهما منذ عام 2006 وكان تمدد المعارضة الإسلامية السورية في إدلب والغاب في الربيع والصيف ثم قرب دمشق في أيلول (سبتمبر) 2015 هو أيضاً الذي دفع إلى تغطية أوباما لبوتين في سورية. ولم يقتصر الأمر على الجانب العسكري بل كان يتجه عبر القرار 2254 وجنيف 3 نحو عقد تسوية سورية برعاية أميركية- روسية أفشلها الرباعي التركي- القطري (رياض حجاب، فاروق طيفور، جورج صبرا، سهير الأتاسي) في «الهيئة العليا للمفاوضات» للمعارضة السورية عندما بادروا إلى وقف المفاوضات من طرف واحد في نيسان (أبريل) 2016. كان الدافع الأولي عند أوباما يتمثل في الإسلاميين لكن في زوايا اللوحة الكلية كانت الصين. وأنتج هذا كله توتراً بين واشنطن والرياض.
عناوين الانقلاب
هنا من الممكن تحديد عناوين الانقلاب الترامبي الشرق أوسطي: كانت الزيارة الخارجية الأولى لترامب إلى الرياض وهذا كان متلازماً مع رفض ترامب لذلك الاتفاق واتجاهه إلى سياسة تجابهية مع طهران باتجاه تحجيم النفوذ الإيراني في عموم المنطقة. وعادت العلاقات الأميركية- السعودية عامي 2017-2018 إلى أقوى مستوياتها، وربما بل على الأرجح كان هذا هو الذي دفع بعد أسبوعين من زيارة ترامب للرياض الرباعي العربي (السعودية- مصر- الإمارات- البحرين) لمحاولة معالجة الحالة القطرية التي مثّلت نوعاً من الحالة الانشقاقية لعقدين من الزمن في الجسم الخليجي، وكانت من خلال حضنها لجماعة «الإخوان المسلمين» تمثّل محاولة تمددية تفوق القدرات الجغرافية- الديموغرافية لقطر. واتجه ترامب نحو إقامة منطقة نفوذ أميركية في شرق الفرات السوري، حيث النفط والغاز والقمح والقطن ومياه الفرات وسد الفرات، عبر وجود عسكري على شكل قواعد ومحطات تنصت معتمداً على القوات الكردية أساساً، في خطوة انفرادية أميركية قال الوزير ريكس تيلرسون في 18 كانون الثاني الماضي إنها «مربوطة بالحل السياسي السوري»، أي بعيدة المدى، وعلى الأرجح ليكون لواشنطن عبر الوجود على الأرض، كما للروس في غرب الفرات والأتراك في الشريط الحدودي التركي- السوري الممتد من جرابلس حتى بلدة بداما عند حدود محافظتي إدلب واللاذقية عبر كوريدور عفرين، كلمة في المستقبل السوري الذي سترسمه التسوية التي ستحدد خريطة من سيحكم في دمشق.كان التوجه الأميركي في شرق الفرات موجهاً ضد الروس والأتراك وطبعاً الإيرانيين، وهو كان انفضاضاً أميركياً عن التعاون مع الروس عسكرياً وأمنياً وسياسياً الذي عارضه عسكر وزارة الدفاع الأميركية في زمن أوباما.العنوان الثالث عند ترامب هو في العراق حيث تتجه واشنطن عبر الانتخابات العراقية المقبلة نحو إحداث انقلاب على طهران من خلال تحالف ينتج من تلك الانتخابات يضم حيدر العبادي، مقتدى الصدر، عمار الحكيم، القوى السنية العربية، البرزانيون الأكراد، ويمكن أن يُنتج غالبية برلمانية تقود إلى إزاحة الموالين لطهران عن سدة السلطة في بغداد.العنوان الرابع للانقلاب الترامبي هو في اتجاه أميركي نحو عقد تسوية تقود لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي عبر «صفقة القرن».
استقطابات
هذه السياسة الترامبية الجديدة ساهمت في نشوء استقطابات معاكسة كان أبرزها التحالف الثلاثي بين موسكو وطهران وأنقرة والذي هو أبعد من المسألة السورية كونه يشمل عموم المنطقة، وإذا شئنا الدقة فقد كانت ترجمته الأولى في كركوك ليل 15-16 تشرين الأول (أكتوبر) 2017 ضد مسعود البرزاني، والترجمة الثانية في عفرين ضد «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة من واشنطن.
دفع أكراد العراق وسورية فاتورة الصدام الأميركي- الإيراني في العراق وفاتورة الصدام الأميركي مع الروس والأتراك في سورية. وستقود هذه الاستقطابات على الأرجح إلى انفراط مسار التسوية السورية في جنيف، وما محاولات التحالف الثلاثي لإنشاء مسار سوتشي سوى من أجل إنهاء جنيف أو لجعله خاضعاً لمسار سوتشي وحصيلة تابعة له، وهنا ليس بعيداً احتمال حصول تلك المقايضة بين عفرين والغوطة بين أنقرة وموسكو مثل تلك التي عقدت بين أردوغان وبوتين عقب قمة 9 آب (أغسطس) 2016، وقادت إلى مقايضة تركية– روسية يخلي بها المسلحون الموالون لأنقرة شرق حلب مقابل شريط تركي شمال المدينة بين جرابلس والباب.
خلاصة القول إن هناك لوحة شرق أوسطية أنتجها دونالد ترامب قادت إلى مواجهة استقطابية بدأت ملامحها التشكل بين حلفين دوليين- إقليميين: واشنطن- الرياض- القاهرة- أبو ظبي، ضد موسكو- طهران- أنقرة، يؤثر في كل الساحات المتوترة في سورية واليمن والكامنة التوتر في العراق ولبنان، وعلى الأرجح سيؤثر في الدواخل في دول منطقة الشرق الأوسط، تماماً مثلما حصل في المنطقة بين عامي1955 و1967.