إطارنا المرجعي وهوية الشعب المغربي


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 5736 - 2017 / 12 / 23 - 02:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     



هناك من يعتبر أن مواقف النهج الديمقراطي لا تتميز عن مواقف القوى السياسية الأخرى. لذلك أنشر أسفله الجزء من وثيقة “الإطار المرجعي للنهج الديمقراطي” الخاص بتحديدنا لمسالة هوية الشعب المغربي:

23- تشكلت هوية شعبنا في سياق تاريخي طويل تميز من ناحية أولية بالتصدي للهجمات التي تعرضت البلاد لها على مر العصور بسبب موقعها الاستراتجي الهام، ومن ناحية أخرى بانفتاح شعبنا وتفاعله الايجابي مع الموجات البشرية والثقافة والحضارية التي عرفها حوض المتوسط وشمال إفريقيا. وقد بني خلال تاريخه الطويل هوية غنية ومتعددة تداخلت فيها مكونات متنوعة أمازيغية وعربية وإسلامية ومتوسطية وافريقية.
إن هذه الهوية لم تكن أبدا حقيقة نهائية وجامدة، إنها ليست حقيقة هذا الشعب التي تحددت دفعة واحدة وإلى الأبد في لحظة من لحظات ماضية (سواء تعلق الأمر بالماضي العربي الإسلامي أو بفترات سابقة عليه) والتي يتعين عليه التطابق معها على الدوام، وإنما هي حقيقة تاريخية حية، تشكل محصلة تاريخ بلادنا الغني وتتجدد مع تطوره وتعبر عن آماله وتطلعاته. إنها في نفس الوقت انعكاس لوجوده ولتجربته التاريخية وتعبير عن مشروعه المستقبلي. وهذه الهوية في أبعادها الإنسانية والروحية والوطنية والقومية هي ما وفر لشعبنا مقومات التماسك وإمكانية الصمود في وجه الأطماع الأجنبية.
وبناء عليه، فانه من الخطأ اختزال هوية شعبنا الغنية بتعددها وتنوعها في لحظة من لحظات تشكلها وتطورها أو في مظهر أو بعد وحيد من أبعادها سواء كان هو الإسلام أو الأمازيغية أو العروبة أو الوطنية. لأن هذه الهوية هي مركب من كل ذلك إضافة إلى تطلعات المغاربة وإرادتهم في العيش المشترك أي إلى مشروعهم المجتمعي الذي يمثل في واقع الأمر حقلا ورهانا لصراع المشاريع التي تحملها الفئات والطبقات الاجتماعية المتصارعة.
لذلك فإن النهج الديمقراطي كحركة ماركسية، يساهم في هذا الصراع من أجل تنمية وإغناء الجوانب المشرقة في هويتنا ومحاربة النزعات المظلمة والمنغلقة وفتح الآفاق أمام التطور الديمقراطي لكل مكوناتها في اتجاه تقدمي، عقلاني ومنفتح على انجازات الفكر الإنساني، وبما يخدم وحدة شعبنا وانعتاق طبقاته الكادحة.
24- هكذا تداخلت وانصهرت في تكوين هوية شعبنا عناصر متنوعة منها العروبة والأمازيغية والإسلام والوطنية وأصبحت وحدة متماسكة صمدت في وجه كل محاولات زرع التفرقة والصدام، مما يفرض الدفاع عن هذه الهوية، عن مكونها العربي الذي تعرض للتهميش رغم كل الخطاب الرسمي حول التعريب، وعن مكونها الأمازيغي الذي يعاني من تهميش مضاعف.
25- يعارض النهج الديمقراطي أي نظرة مثالية متعالية للهوية ترى فيها جوهرا ثابتا لا يتغير أو تختزلها في بعد واحد ووحيد، نظرة غير جدلية تؤدي إلى أحكام وممارسات سياسية خاطئة بل ذات نزوع عنصري .فالهوية ليست معطى مسبق بل تفاعل حي بين الماضي والحاضر والطموحات المستقبلية، والصراع حول الهوية هو في واقع الأمر صراع حول مشاريع مجتمعية مختلفة.
إن النهج الديمقراطي ينظر إلى الهوية من زاوية تطوير الصراع الطبقي بهدف تحرير الإنسان المغربي من قيود الاضطهاد والاستغلال والاستيلاب وهو معني بالمساهمة بقوة في هذا الصراع بهدف تطوير هوية شعبنا وإغنائها ونقدها وتنمية الجوانب المشرقة فيها وفتح الآفاق أمام التطور الديمقراطي لكل مكوناتها في اتجاه عقلاني منفتح على منجزات الفكر التقدمي العالمي.
26- لقد كانت منظمة “إلى الأمام” السباقة إلى طرح القضية الأمازيغية في بعدها الهوياتي للشعب المغربي كقضية من القضايا المرتبطة بالنضال الديمقراطي، من أجل رفع التهميش والحيف الذي عانت منه على امتداد قرون طويلة ومن أجل فسح آفاق النمو أمامها. وكشكل من أشكال الاستمرارية لمنظمة “إلى الأمام”، استمر النهج الديمقراطي في طرح القضية الأمازيغية كقضية عادلة تهم الشعب المغربي قاطبة متميزا في ذلك عن الطرح الشوفيني الضيق الرجعي الذي تتبناه بعض التيارات “الأمازيغية” الغارقة في الرجعية، ومناهضا للطرح الاقصائي المخزني والاسلاموي وبعض مكونات الحركة الوطنية.
وبفضل نضال الحركة الأمازيغية الديمقراطية والقوى التقدمية وفي طليعتها النهج الديمقراطي، تم فرض دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية رسمية بجانب اللغة العربية.
وإن دسترة الأمازيغية كثقافة وكلغة رسمية ستبقى حبرا على ورق إن لم تضغط الحركة الديمقراطية الأمازيغية، ومختلف القوى السياسية والحقوقية والجمعوية التقدمية على الدولة من أجل تفعيل هذه الدسترة على أرض الواقع ومن أجل رفع التهميش والحيف الذي عانت منه الأمازيغية على امتداد قرون طويلة، وفسح آفاق النمو أمامها كمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية على قدم المساواة مع باقي المكونات الأخرى.
27- إن الوطنية التي نتبناها هي الوطنية التي انصهرت في الكفاح ضد الاستعمار ولذلك فهي تكتسي طابعا تقدميا لأنها تعبير عن دفاع الشعوب المضطهدة عن أرضها وكرامتها وحريتها وهويتها في مواجهة الهيمنة الامبريالية وهي تنبذ الشوفينية والعنصرية سواء على أساس لغوي أو ديني كما تنبذ القطرية الضيقة وتؤمن بوحدة الشعوب المغاربية في أفق وحدة شعوب العالم العربي.
28- إن النهج الديمقراطي ينهل من رصيد مقاومة وكفاح شعبنا ضد الاستغلال والاستبداد وضد الغزاة على مر العصور وصولا إلى المقاومة الباسلة التي خاضها شعبنا ضد التغلغل الاستعماري وضد المخزن بأجنحته السياسية والعسكرية والدينية والتي انتشرت على طول خريطة البلاد، ومثلت ثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي ملحمة بارزة فيها، وكذا النضال من أجل الاستقلال الذي أطلقه جيش التحرير في الشمال والجنوب والمقاومة المسلحة في المدن.
29- إن الانتماء إلى العالم العربي قد وطد لدى المغاربة أواصر التضامن بين شعوب هذه المنطقة ضد الاستعمار والاستيطان، وضد كل عدوان أجنبي، الشيء الذي يفسر تجدر القضية الفلسطينية في وعي الشعب المغربي، وكذلك تعبئته للتضامن مع الشعب العراقي، ومع باقي الشعوب التي تعيش سيرورات ثورية، كما يتغذى هذا الوعي من وحدة المصير المشترك لحركة تحرر شعوب هذه المنطقة.
إن الإمبريالية ما فتئت تسعى بمختلف الوسائل بما فيها التدخل العسكري المباشر إلى تأبيد سيطرتها على المنطقة عن طريق الاستمرار في دعم الكيان الصهيوني كقاعدة متقدمة لها وكذراع عسكري لها. ومن هنا اكتست فكرة القومية العربية في مرحلة صعودها، مضمونا تحرريا معاديا للإمبريالية والصهيونية والرجعية، وحملت آمال الشعوب العربية في الوحدة والتحرر، غير أن هذه التجارب القومية آلت إلى الفشل بسبب طابعها البرجوازي الصغير والمعادي للديمقراطية من جهة، وعجز البرجوازيات العربية عن بلورة مشروع للتحرر الوطني والوحدة القومية من جهة ثانية، ولذلك فإن بناء وحدة شعوب العالم العربي يبقى واحدا من الأهداف الأساسية للقوى الثورية، لأنه يجسد تطلع هذه الشعوب إلى التحرر من الهيمنة الإمبريالية والصهيونية، ولكن هذا البناء ينبغي أن يتم على أساس منظور جديد، ديمقراطي ينبذ الاستعلاء والإلحاق والإقصاء والديكتاتورية ويقر بالتعددية في إطار الوحدة.