كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 5728 - 2017 / 12 / 15 - 23:07
المحور: القضية الفلسطينية     


أيها الرفاق

إسمحوا لنا بداية في هذه المناسبة – مناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- أن نتوجه بالتحية الحارة الى الجبهة، الى قادتها وكوادرها، الى مقاوميها العظماء، الى النجوم المضيئة التي انارت لنا الطريق نحو فلسطين: الى جورج حبش، علم من أعلام الثورة الفلسطينية وحركة التحرر الوطني العربية، الى الأمينين العامين، اللذين قدمتهما الجبهة في كفاحها من اجل فلسطين، الأول شهيدا والثاني أسيراً، فإلى الشهيد أبو علي مصطفى، والأسير البطل احمد سعدات الف تحية وتحية .

لقد مثلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قيمة إضافية نوعية في حركة التحرر الوطني الفلسطيني والعربي على وجه العموم، في الفكر والممارسة النضالية، مسترشدة بالماركسية نظرية ومنهجا لفهم الواقع، فحملت لواء العروبة التقدمية التحررية. لواء التحرر الوطني والاجتماعي للشعب الفلسطيني ولشعوبنا العربية طوال مراحل نضالها،

وإذ نحتفل اليوم معكم بهذه المناسبة، مناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة، نتوجه اليكم أيها الرفاق بأحر التهاني ونقول لكم كلمتين اثنتين: كنا معا وسنبقى معاً. سنبقى حليفين دائمين عهدا ووفاء لدماء الشهداء الذين سقطوا معا بمواجهة العدو الصهيوني وحلفائه.

وتحل الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة متزامنة مع مئوية وعد بلفور المشؤوم، في لحظة زمنية بلغ فيها التآمر على القضية الفلسطينية ذروته سعيا لتصفيتها، من خلال القرار الأمريكي العدواني للرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني. وهذا ليس بمستغرب فلطالما كانت الولايات المتحدة الاميركية الراعية الأولى للكيان الصهيوني، وعدوّة فلسطين وقضيتها، عدوة كل الشعوب التّواقة إلى الحرية والتحرر من الظلم والتبعية. فهي تمثل رأس الإرهاب العالمي الذي يجب مقاومته.

ان هذا القرار حلقة من حلقات المؤامرة الكاملة على منطقتنا تنفيذا لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" الهادف الى تفتيت المفتت، وتجزئة المجزأ، وتصفية القضية الفلسطينية. إن القرار العدواني للرئيس الأميركي يتجاوز من حيث خطورته وعد بلفور. إنه قرار تصفية القضية الفلسطينية وتكريس يهودية الدولة والامعان في إخضاع الشعب الفلسطيني لموجات جديدة من التهجير

ونحن على قناعة تامة أن هذا العدوان ما كان ليحدث لولا القبول بمسلسل التنازلات والتخلي عن الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية تمثلت في الإنخراط بالمحادثات والمؤتمرات وعقد الإتفاقات المذلة بدءاً من كامب ديفيد مرورا بوادي عربة وصولا الى أوسلو ومنها الى ما سمي "بصفقة القرن" كصيغة جاهزة لتصفية القضية الفلسطينية.

لقد تمخض مسلسل التنازلات هذه عن تفريط خطير بالمصالح العربية وإعتراف بالكيان الصهيوني وفتح أبواب البلدان العربية لسفاراته ولمكاتب تمثيل المصالح الإسرائيلية وتبادل الوفود الرسمية وغير الرسمية وكافة أشكال التطبيع معه، ثم تمادوا في تنفيذ مخططاته فأنفقوا عشرات المليارات من الدولارات على تدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا، خدمة للمصالح الامبريالية وللكيان الصهيوني. في وقت يستمر الكيان الصهيوني في إحتلال الأراضي العربية وممارسة القمع والقهر بحق الشعب الفلسطيني الأعزل الاّ من عزيمته وجبروته.

وما كان لهذا القرار أن يبصر النور لولا المباركة المسبقة التي حصل عليها ترامب في قمم ثلاثة عقدها في السعودية وبحضور عشرات الملوك والرؤساء العرب ومن البلدان الأسلامية، الذين يذرفون اليوم دموع التماسيح على القدس.

من هنا يتأكد لنا أن التنسيق الأمريكي- الصهيوني- الرجعي العربي لتصفية القضية الفلسطينية لم يعد مجرد فرضيات أو توقعات بل دخل مرحلة التنفيذ تؤكدها واقعة الطلب الوقح من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان بالتخلي عن القدس والقبول ببلدة أبوديس بديلا عنها وبالتصريح الأكثر وقاحة لوزير خارجية آل سعود الذي "يطمئن" به الفلسطينيين بوجود خطة أميركية للسلام حتى بعد اعلان ترامب لقراره العدواني.

نحن لسنا متفاجئين بأي خطوة عدوانية لا من الجانب الأميركي- الصهيوني ولا من النظام العربي الرجعي. فنحن ندرك طبيعة الكيان الصهيوني ككيان له وظيفة محددة في المنطقة هي التي تحدد علاقاته بالنظام الرسمي العربي، تتمثل في حمايته لهذه الأنظمة المحمية ايضا بقواعد عسكرية تابعة للإمبريالية لمنع أية محاولة للتفلت من التبعية أو للتحرر من الإمبريالية. وهذا ما يجعل الأنظمة العربية تدخل في تحالف علني مع هذا الكيان. ولذلك فإننا لا نرى أي أفق لتقدم أمتنا الاّ بالتحرر الوطني بشقيه القومي والوطني والاجتماعي، وعبر مقاومة عربية شاملة تستخدم فيها كل اشكال المواجهة فلا يترك الشعب الفلسطيني وحيدا في المعركة ليجري الاستفراد به وتصفية القضية.

إننا نقدر عاليا كل الجهود المبذولة للتصدي للقرار الأمريكي العدواني، لا بل ندعو لتكثيف العمل لمحاصرته بمختلف السبل والاشكال وفي كل المحافل الدولية انما لا يجوز حصر مواجهته بالجانب القانوني عبر الشرعية الدولية ما يجعل سقف المواجهة مختصرا بالتوجه الى الأمم المتحدة وهي التي ضرب ترامب عرض الحائط بكل قرارتها.

إننا نرى بأن الرد الحقيقي والضروري على هذا الإعتداء يكون:

أولاً: بالخروج النهائي من المسارات التفاوضية مع العدو ورعاته الدوليين ومن كل الإتفاقات المعقودة معه وخاصة إتفاق أوسلو والطلب الى الدول الصديقة بسحب إعترافها بهذا الكيان وطرد سفراء الولايات المتحدة، واستنهاض الشعوب العربية لتواجه سلوك حكامها الخياني. ولنعلن بوضوح الانتصار للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني، ولحق العودة وتقرير المصير ووحدة الأرض

ثانيا: الانطلاق من راهنية المقاومة العربية الشاملة وممارستها بالقول والفعل فهذا أوانها كمهمة لا تحتمل التأجيل، مقاومة عربية شاملة نستخدم فيها كل أشكال المقاومة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والمقاومة المسلحة ضد التحالف الأميركي – الصهيوني وأنظمة الاستسلام والخيانة العربية المتحالفة معه. فلنواجه مشروع الشرق الأوسط الجديد التفتيتي والطائفي والاثني والتصفوي للقضية الفلسطينية بمشروع نقيض له عروبي توحيدي وتحرري: بتحرير الأرض والانسان الذي يحررها من الفقر وحال التخلف الاجتماعي.

ثالثاً: إننا نتوجه الى رفاقنا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والى كل فصائل اليسار الفلسطيني ليقدموا المثال الثوري على توحيد قواهم منطلقا لتأمين الوحدة الوطنية الفلسطينية وفق برنامج تحرري وطني واضح وخطة تحرك تتجاوز كل أشكال الإنقسام وتتقدم فيها المصلحة الوطنية فوق كل مصلحة فئوية.

وفي الختام: تحية اجلال واكبار للانتفاضة الشعبية في الداخل الفلسطيني لشهدائها وجرحاها المنتفضين ضد الاحتلال في شوارع وأحياء الضفة الغربية وغزة وفي كل قرية ومدينة في الداخل،

ختاما نقول: فلسطين هي الخط الأحمر. رسمناه في حزبنا منذ 75 عاما عندما كان رفاقنا يتصدون لعصابات الهاغانا ابان الهجرة الصهيونية لأرض فلسطين، رسمناه مع الشهيد عساف الصباغ ابن بلدة إبل السقي، رسمناه في قوات الأنصار والحرس الشعبي وفي جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمول". من كان مع فلسطين، نكون معه، ومن كان ضدها نكون ضده.

عاشت الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

عاشت فلسطين حرة أبية، والمجد والخلود للشهداء