كلمة في افتتاح اجتماع التنسيق للقاء اليساري العربي المنعقد في بيروت


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 5681 - 2017 / 10 / 27 - 23:15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في افتتاح اجتماع التنسيق للقاء اليساري العربي المنعقد في بيروت 26/10/2017

افتتح ظهر اليوم اجتماع التنسيق للقاء اليساري العربي، في مقر الحزب الشيوعي اللبناني في الوتوات - بيروت، بحضور عدد من ممثلي الأحزاب اليسارية العربية، والأمين العام الحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، ومنسقّة اللقاء اليساري العربي د. ماري ناصيف -الدبس، وعضو المكتب السياسي بالحزب مسؤول العلاقات الخارجية د.عمر الديب.

وألقى أمين عام الحزب الشيوعي حنا غريب كلمة، رحب خلالها بالحضور وقال " أهلا وسهلا بكم في بيروت. في مقر حزبنا الشيوعي اللبناني . في هذا اللقاء المخصص لبحث الأوضاع السياسية في منطقتنا العربية وفي كل بلد من بلداننا، توطئة لبحث الأوضاع النقابية والعمالية والشبابية. هدفنا من هذا اللقاء هو الوصول إلى خلاصات مشتركة نبني عليها مهاما نضالية، ونحضر لتنفيذ خطواتنا المشتركة سويا.

أهلا وسهلا بكم في عاصمة المقاومة التي احتفلنا بذكرى تحريرها الشهر الماضي، فكانت أوّلا بيروت التي طاردت الغزاة الصهاينة فأخرجتهم حرة أبيّة، وتلاها الجبل والبقاع الغربي والجنوب وصولا إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المطلوب انهاء مهمة التحرير بتحريرهما .

اهلا وسهلا بكم ، معا، في احتفالات حزبنا بالذكرى الثالثة والتسعين لتأسيسه، والذي يتزامن مع احتفالات الذكرى المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى . الثورة التي بوهجها تأسست أحزابنا وجاءت حاجة موضوعية لشعوبنا.هي الثورة التي طبعت هذا القرن بطابعها الثوري الذي دشن اول تجربة لبناء الاشتراكية في العالم .الاشتراكية التي ستبقى الحل المنقذ للبشرية جمعاء من الحروب ومن كل اشكال الاستغلال والظلم والتمييز. فلكل هذا التاريخ المجيد، لمئة عام من المقاومة، وللتضحيات والدماء والارواح التي قدمت من اجل انتصار مثل الاشتراكية وقيمها الإنسانية نجدد في لقائنا اليوم عهد الوفاء والالتزام بمتابعة المسيرة مهما غلت التضحيات".

اضاف:"نجتمع اليوم فيما تتوالى التطورات في العالم، والتي تتسم مرحلتها الراهنة بالانتقال من نظام آحادي القطبية الى نظام متعدد الأقطاب. وهي تؤشر على احداث تبدلات عميقة على الصعد الدولية والإقليمية، ولا سيما في منطقتنا العربية، فالإدارة الأميركية ترزح تحت ضغط الأزمة الرأسمالية وتصاعد حدة الانقسامات الداخلية، وتسعى اليوم، على الرغم من المنحى التراجعي لهيمنتها الأحادية، إلى محاولة التشبث بنظام القطب الواحد، بوجه القوى الصاعدة والشعوب التي تتّجه نحو عالم متعدد الأقطاب.

إن أزمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي وصعود اليمين المتطرف والليبراليفي العالم، من شأنه أن يزيد السياسةالعدوانية للقوى الرأسمالية الكبرى. ويشجع هذا السلوك على إطلاق مشاريع التفتيت والتقسيم في منطقتنا. فالحروب تتفاقم في أكثر من بلد عربي، وتأخذ طابعا طائفيا ومذهبيا وإثنيا، ينجم عنها طمس الصراع العربي - الاسرائيلي بهدف تصفية القضية الفلسطينية وإبقاء التفوق الاسرائيلي، والسيطرة على ثرواتنا والمرافق الاستراتيجية بالتحالف مع الأنظمة العربية الرجعية وبالاستفادة من الأنظمة التي فشلت في تحقيق مهام التحرر الوطني، والهدف واحد منع شعوبنا العربية من كسر نظام التبعية للامبريالية وتحقيق مهام التحرر الوطني والاقتصادي والاجتماعي.

لقد عملت إدارة ترامب في السياق ذاته على تصعيد لهجة التحدي والمواجهة في قمة الرياض، التي جمعت عشرات الدول العربية والإسلامية بقيادة السعودية ومصر. وظهرت الترجمةالعملية والفورية له، ليس في التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني فحسب، بل أخذ الصراع في المنطقة بكل الاتجاهات ما عدا الصراع مع العدو الإسرائيلي.

وقد ظهر ذلك من خلال التمسك باستكمال تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير رغم كل الهزائم التي اصابت ادواته الإرهابية فهو لم يهزم بعد، وهو يعتمد راهنا على التحالف الإسلامي السياسي والعسكري الذي انشأه في قمة الرياض معتمدا على ما حققه من تقدم على مستوى الفرز الطائفي والمذهبي وتدمير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، لاعادة رسم خريطة المنطقة من جديد وخلق كيانات طائفية ومذهبية متصارعة على انقاض سايكس - بيكو .

وأظنكم توافقوننا الرأي في أننا كقوى يسارية عربية نقف أمام تحد تاريخي ومصيري، يتمثل في بلورة مشروعنا وتظهير حضورنا ودورنا. فمشروع الشرق الأوسط الجديد شامل وواضح، والمشاريع الإقليمية والدولية الأخرى أيضا واضحة في التفتيش عن مصالحها ونفوذها؟ وحدها شعوبنا العربية التي انتفضت في الشوارع تحت شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" ليس لها مشروع يحميها وهي بحاجة الى مشروع شامل نقيض، فهل نكون على مستوى طموحاتها؟ هذا هو التحدي المطروح امامنا كيسار عربي.

وهو الحاجة الملحة للارتقاء بمشروعنا وبناء ذاتنا، كبديل تحرري قادر برؤيته وبرنامجه على ربط التحرر الوطني بالتحرر الاجتماعي وانتزاع المبادرة، ذلك ان المشروع الأميركي القائم على القوى الطائفية والمذهبية لا يمكن مواجهته بقوى من الطبيعة نفسها، التي لا أفق لمشروعها أيضا، بحكم تركيبتها الطبقية والطائفية، حيث ستجد نفسها في نهاية المطاف تلتقيه عند منتصف الطريق، ضمن دور أو حصة وفي إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد - بغياب المشروع البديل - الذي يعمل الأميركي بغض النظر عن قدرته على تحقيق النجاح، على ضبط الجميع، بما فيها حركة القوى الإقليمية والدولية وطموحاتها الخارجية في اطار مشروعه هو، وبما يحفظ مصلحته ومصلحة إسرائيل وأمنها أولا وأخيرا.

فبعد فشل المشاريع القومية ومشاريع الإسلام السياسي في إنتاج وتحقيق مشروع عربي نهضوي يخرج أمتنا من تخلفها وتبعيتها ويضعها على سكة التقدم والتطور بات العالم العربي أكثر إستباحة من قبل القوى الدولية الإستعمارية التي تتصرف به كحقل إختبار لإستراتيجياتها ، ومعها القوى الإقليمية المختلفة، ويتحول عالمنا العربي الى حقل صراع فيما بينها لإقتسام ثرواته ومقدراته.

وبات علينا أن نتصدى لهذا الواقع بصياغة المشروع البديل - مشروع التحرر الوطني والمقاومة العربية الشاملة، المستجيب لتطلعات ومصالح الغالبية العظمى من شعوبنا، المتصدي لأنظمة التبعية والخيانة ولعملية التفتيت ومصادرة الثروات والذي يعيد تصحيح بوصلة الصراع بالاتجاه الصحيح نحو فلسطين قضيتنا المركزية. إننا نحلم بتجديد حركة التحرر الوطني العربية استنادا الى التجربة الغنية لشعوبنا في مقارعة الإستعمار وإغنائها بنفس ثوري عصري جديد يجذب كل القوى صاحبة المصلحة في التحرر".

وتابع:"إننا أمام تحدي الإنتقال من الطرح النظري المجرد الى الطرح الثوري الملموس في إنتاج هذا المشروع على ارض الواقع استنادا الى انتفاضات شعوبنا العربية. ولنا في التاريخ النضالي لهذه الشعوب تجارب مشرفة في مواجهة الاستعمار في غير مجال: أجيال النهضويين العرب والمشروع الإصلاحي النهضوي العربي في القرن التاسع عشر (محمد علي، رفاعة رافع الطهطاوي...)، وثورة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وثورة المليون شهيد في الجزائر وغيرها ...، والتحولات السياسية والاجتماعية التحررية في مصر عبد الناصر (قبل حرب العام 1967) وفي عدد من البلدان العربية، وحركات المقاومة الوطنية والاسلامية المتنوعة المشارب التي انطلقت في الضفة وغزة ولبنان والعراق وسوريا وغيرها ضد الغزوات الإسرائيلية والإمبريالية المتعاقبة.

ولا تقف المعركة عند حدود الخطر الخارجي الذي يمثله مشروع الهيمنة الامبريالية على المنطقة، بل هو يشمل - بالقدر ذاته من الأهمية - التصدي في إطار النظم السياسية العربية القائمة لمخاطر احتكار السياسة والسلطة وتعميم الفساد والاستبداد وقمعالحريات العامة وانتهاك القانون والدستور، وإنشاء محاكم غير قانونية لمحاكمة سجناء الرأي، والتضييق على حرية البحث العلمي، وحرمان المرأة من حقوقها الطبيعية، وغير ذلك من حقوق.

إنّ إعادة الاعتبار للشعارات التي رفعتها الشعوب العربية، والدعوة إلى رفع القيود والحصار والتدخلات الخارجية عن دولها، وضمان حق شعوب المنطقة في تقرير مصيرها وشكل أنظمتها السياسيّة وخياراتها السياديّة، يجب أن تحتل أولويات تحركنا العربي والدولي في الفترة القادمة.

وينبغي أن ينطلق العمل على إعادة تجديد المشروع الوطني العربي القائم على التحرر والانعتاق من التبعية، في إطار دول وطنية ديمقراطية علمانية تتجه نحو التكامل والتقدم والوحدة، مع احترام التنوع الثقافي والسكاني لشعوب دولنا.

من هنا، نرى ضرورة السعي لتطوير مفهوم "المقاومة العربية الشاملة"، كبرنامج للتحرر الوطني، في أبعاده السياسية والعسكرية والتنموية والثقافية والفكرية.وهو يتطلب المزيد من النقاش والمتابعة مقترحين ضرورة الدعوة للقاء سياسي موسع، وبدعوة من اللقاء اليساري العربي، لمناقشة هذه المسألة البالغة الأهمية وترجمتها إلى خطة عمل متدرجة وقابلة للتنفيذ مع مكونات اللقاء كما مع القوى واللقاءات التقدمية والعلمانية والديمقراطية الأخرى.