خصخصة القصر العينى


محمد حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 5397 - 2017 / 1 / 9 - 02:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

خصخصة القصر العينى
جاء القرض السعودى الذى تم توقيعه بين الحكومتين السعودية والمصرية أثناء زيارة الملك سلمان إلى القاهرة منذ شهور، لما يسمى مشروع تطوير القصر العينى لكى يكون أداة لخصخصة القصر العينى عن طريق جعل جميع الخدمات التى تقدمها المستشفى هادفة للربح، وكى تدخل ملاكا آخرين إلى ملكية القصر العينى، ولكى تملكهم الأرض المقام عليها، غالبا من أجل الاستثمار العقارى لجزء من هذه الأرض ذات الموقع الممتاز على النيل، كما سنفصل فى هذه الدراسة.
هناك ثلاث ورقات تشكل معا رسم ملامح القصر العينى الجديد. الورقة الأولى هى مشروع رؤية للقصر العينى عام 2020 الواردة فى 145 باللغة الإنجليزية، والتى اشترك فى إعدادها كما تقول الوثيقة مجموعة برئاسة عميد كلية القصر العينى وتضم ثلاثة خبراء من البنك الدولى. أما الورقة الرئيسية، الورقة الثانية، فهى اتفاقية القرض السعودى للقصر العينى، والتى تجعل من الورقة الأولى جزءا لا يتجزأ من الاتفاقية، والثالثة هى الشروط العامة لقروض الصندوق السعودى، حيث تعتبرها اتفاقية القرض جزءا لا يتجزأ من اتفاقية القرض وتفترض معرفة وموافقة الطرف المقترض عليها، وبالتالى فهى جزء لا يتجزأ نصا وفعلا من الاتفاقية.
ملخص المشروع هو أنه مرحلة أولى لمشروع متعدد المراحل، تستغرق المرحلة الأولى منه ثلاث سنوات بين 2017 و 2020. وهو مشروع للتطوير الإدارى أولا وإعادة تحديث البنية التحتية والتجهيزات بالأجهزة والأثاث لتقديم الخدمات بالقصر العينى أو جزء منه فى هذه المرحلة الأولى يخص مستشفى المنيل الجامعى.
جوهر المشروع الذى سنفصله لاحقا يتلخص فى سبعة بنود، تبلغ نفقاتها حوالى 200 مليون دولار (750 مليون ريال سعودى) تمول السعودية منها 60% (124 مليون دولار أو 450 مليون ريال سعودى) وتمول مصر 40% (80 مليون دولار أو 300 مليون ريال سعودى) خلال السنوات الثلاث مدة المشروع)، كما تتحمل مصر وحدها آية زيادة تطرأ على تكلفة المشروع. البند الأول وهو التجديد و إعادة التأهيل للمبانى ويتحمل الجانب السعودى 30% من تلكفته التقديرية وتتحمل مصر 70% الباقية. وتتحمل السعودية البند الثانى (تأثيث المستشفى) والثالث (معدات وأجهزة طبية) والبند الرابع (الطاقة وإدارة المخلفات، وهو يتلخص فى وضع ألواح شمسية لتوليد الطاقة الكهربية على أسطح المستشفى، وإدارة المخلفات واستخدامها أيضا فى توليد الطاقة)، والبند الخامس (الخدمات الاستشارية)، بينما تتولى مصر البندين السادس (بناء الكوادر الفنية) والسابع (إعادة هيكلة الأقسام الإدارية بالمستشفى التى لها التأثير الكبير فى إنجاح المشروع).
تقول الورقة الأولى، مشروع تطوير القصر العينى 2020 KASR EL AINY 2020) (Initial proposal, أن المشروع مبدئي و يطالب ب197.577500 مليون دولار امريكي لتنفيذه وليس له دراسة جدوي فنية ومالية ومعتمدة وصادرة من جهة متخصصة (أنظر صفحة 133 فقرات 1و2و3).
ويشير المشروع بوضوح الي وجود مالكين آخرين لاصول مستشفيات جامعة القاهرة (صفحة 71 الفقرة الثالثة)، حيث يصرح بأن مجلس إدارة المستشفيات مسئول أمام مجلس جامعة القاهرة باعتبارها ممثلة للجهة المالكة (الجامعة) وكذلك أمام الملاك الآخرين. بالطبع يعنى هذا خصخصة أو إدخال هؤلاء الملاك الآخرين.
ويهمنا هنا أن نستطرد قليلا لكى نوضح أساس قصة محاولة الحكومة خصخصة المستشفيات الجامعية فى سياق خصخصة الخدمات عموما. فى عام 2010 صدر القانون رقم 67 لسنة 2010، والذى سمى بقانون مشاركة القطاع الخاص فى تقديم الخدمات. تبرر الحكومة هذا القانون بأنها نظرا لأنها لديها عجز فى التمويل وتحل المشكلة بهذه الطريقة. ويعرف القانون الخدمات بإنها المرافق من طرق وكهرباء ومياه وصرف صحى، وكذلك التعليم والصحة. لم تسنح الفرصة لنظام مبارك لتطبيق هذا القانون نظرا لأن رئيس الوزراء، أحمد نظيف، لم يوقع اللائحة التنفيذية لهذا القانون إلا فى 23 يناير 2011، يومين فقط قبل ثورة يناير.
بعد الثورة أعلنت الحكومة نيتها للتمهيد لخصخصة المستشفيات الجامعية. يوم 14 يونيو عام 2013 عقد اجتماع يضم مديرى المستشفيات الجامعية بالاشتراك مع وزيرى التعليم العالى والصحة ورئيس شعبة التعليم الطبى بالمجلس الأعلى للمستشفيات. أوضحت الحكومة من قبل نيتها على نزع تبعية المستشفيات لكليات الطب، حيث كان يرأس مجلس إدارة كل مجموعة من مستشفيات كل جامعة عميد الكلية. اقترح إنشاء هيئة تتبعها كل المستشفيات الجامعية وتديرها من الناحية الفنية والإدارية، أما التبعية المالية وجزئيا الإدارية فقد نقلت إلى رئيس ومجلس الجامعة. أى أن تبعية المستشفيات الجامعية قد نقلت من رئاسة أستاذ فى كلية الطب (عميد الكلية) إلى مجموعة من غير الأطباء (على الأقل فى أغلبيتها الساحقة) تتمثل فى رئيس ومجلس الجامعة، تسهيلا لسيطرة الحكومة عليها.
عرض فى الاجتماع دراسة أعدتها مؤسسة ماكينزى قبل الثورة عندما استدعاها كل من وزير التعليم العالى وقتها، الدكتور هانى هلال، ووزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى، لتطوير المستشفيات الجامعية. الحل الذى اقترح فى هذا الاجتماع لتطوير المستشفيات الجامعية هو تحويلها إلى شركات!
وبالتالى فمحاولة إدخال ملاك آخرين لملكية مستشفيات القصر العينى فى هذا المشروع ليست مفاجئة، فهى مسعى للحكومات المتعاقبة قبل وبعد الثورة. ويجب ملاحظة أن إدخال شريك بأى نسبة فى ملكية المستشفيات الجامعية يغير طبيعتها، فتلك المستشفيات حتى الآن من زاوية وضعها القانونى هى هيئات لا تهدف للربح، وتبيع معظم الخدمات للجهتين الرئيسيتين الممولتين للخدمات الصحية فى مصر، وهما التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة، بسعر التكلفة دون ربح. أما عندما يدخل القطاع الخاص للمشاركة فى تمويل المستشفيات مهما كانت النسبة، وفإنه يحول طبيعة المشروع كله إلى مشروع هادف للربح لأن المستثمر يدخل برأسماله فى ملكية المشروع من أجل الحصول على الأرباح.
يأتى القرض السعودى فى هذا السياق لكى يفرض تحويل القصر العينى إلى شركة القصر العينى بعد أن ظل منذ إنشائه عام 1827 يعالج المواطنين مجانا، أو بالتكلفة على نفقة التأمين الصحى أو العلاج على نفقة الدولة.
اتساقا مع هذا التحول لمنشأة مملوكة للحكومة بالإضافة إلى ملاك آخرين، يتحدث المشروع صراحة عن أن التطوير المؤسسى يستهدف الاستدامة المالية وتحقيق الربح.يجب أن تكون جميع الخدمات التى يقدمها المشروع هادفة للربح، مما يتناقض مع خدمة المرضى الفقراء الذين يعالجون مجانا. فيقول: "الشمولية تستدعى إدخال المرضى محدودى الدخل فى قلب اهتماماتها من خلال نماذج تجارية خلاقة، مما يجعل المستشفى قادرة على تحقيق التوازن بين مسئولياتها بينما تظل قادرة على الاستدامة المالية" قاصدا بذلك التحول لمستشفى ربحى مع إدخال طرف ثالث يدفع ثمن الخدمة المحملة بالربح مثل التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة. (صفحة 59 فقرة3). ويقول صراحة أيضا فى نفس الصفحة والفقرة "المستشفى ستكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها وبالرغم من ذلك تظل مربحة".
ولكن هذا سيتسبب فى كارثة ضخمة: فالآن مستشفى القصر العينى يجرى عمليات جراحة القلب المفتوح للتأمين الصحى بسعر حوالى ستة آلاف جنيه، يزيد عليها فى جراحات الصمامات ثمن الصمام وهو حوالى 6500 جنيها لكل صمام. فى نفس الوقت تجرى المستشفيات الخاصة نفس العملية بسعر يتراوح بين خمسة وعشرين ألفا ومائة ألف جنيه. والدولة تعانى عجزا فى تمويل كل من التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة، فما هو الحال عندما يبيع القصر العينى خدماته محملة بالربح؟ أليس من الأرخص فى هذه الحالة أن تتحمل الدولة نفقات إدارة القصر العينى كمستشفى غير هادفة للربح بدلا من خصخصته ثم شراء الخدمة منه بأسعار عالية؟! خصوصا ويجب أن نلاحظ أن خصخصة الخدمات كما رأينا هى عند الحكومة المستقبل لكل المستشفيات الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالى، وكذلك لكل المستشفيات التابعة لوزارة الصحة كما ينص قانون التأمين الصحى الجديد، ولكن هذا موضوع آخر.
والمشروع يعترف فى صفحة 136 ب"معوقات قانونية: بعض الإصلاحات المقترحة يمكن أن تتعارض مع الإطار القانونى القائم. يمكن لهذا أن يعيق تطبيقها، لأنها يمكن أن تتطلب تغيرات فى القوانين واللوائح التى تحكم المستشفيات حاليا". لكنه ينص "على آية حال فإن قانون الجامعة الراهن بما فيه قانون ولوائح المستشفيات تجرى الآن مناقشته على مستوى السياسات. يمكن لهذا أن يؤمن الدعم السياسى ويمكن فى أفضل الأحوال أن يؤدى إلى التغيرات المطلوبة." كيف يمكن أن توقع اتفاقية عكس القوانين القائمة ولا يمكن تنفيذها إلا بتعديل القوانين كأنه حتمية دون مناقشة مجتمعية وكأن مجلس الشعب ليس أمامه إلا أن يوافق أو يوافق!
الورقة الثانية هى نص اتفاقية القرض الموقعة بين الصندوق السعودى للتنمية وسحر نصر وزيرة التعاون الدولى. وتلك الورقة تنص على أن القرض مقدم بناء على خطة تطوير القصر العينى التى تعتبر جزءا من الوثيقة، رغم أنها لم تناقش فى مجالس أقسام كلية الطب ولم يقرها مجلس الكلية، ورغم أن معدى المشروع هم عميد الكلية وصحبة تتضمن مندوبى البنك الدولى! نص الاتفاقية يحول مستشفى القصر العينى من مستشفى عام (وهو بالطبع ليس مستشفى عام ولكنه مستشفى جامعى) إلى مستشفى تخصصى! أى على غرار القصر العينى الفرنساوى ومستشفى عين شمس التخصصى، وكلاهما يعمل كمستشفى خاص ولا يستخدم فى أغراض التعليم!
وينص البند 3- 8 (يتعهد المقترض باتخاذ كافة الإجراءات الملازمة لاكتساب الأراضى والحقوق العينية المتعلقة بالأراضى اللازمة لتنفيذ المشروع). المشروع بهذا يملك أرض القصرالعينى. هذا غير جائز قانونا باعتبارها أرض أوقاف أوقفها الملك فؤاد على المشروع وممنوع استخدامها بغرض الربح. وما هو مغزى اشتراط أن يتملك المشروع أرضا إذا كان المشروع هو مشروع قرض سيسدد؟ ألا يعنى هذا الرغبة فى منح "الشركاء الآخرين" سلطة على أرض المشروع التى يمكن أن تستخدم كاستثمار عقارى مثلا؟
وتغطى الورقة والاتفاق المرحلة الأولى فقط منه خلال 3 سنوات. إلا أن المراحل التالية، كما تشير الخريطة الجوية لموقع القصر العينى، سوف تعيد بناء المبانى بشكل رأسى على مساحة أقل مخلية المساحات المحاذية لشاطئ النيل. لماذا؟ هل لكى يبنى عليها مشروع سياحى؟ فندق مثلا؟!
وهذا المشروع يأتي في سياق ذات الرؤية التي طرحها محضر مديري المستشفيات الجامعية في ٢٠١٢ والتي تؤكد علي تغيير الاطار القانوني للمستشفيات الجامعية الي شركات قطاع اعمال عام، وستكون كيانات هادفة للربح و ليست هادفة الي تقديم خدمة تعليمية متميزة او علاجية متميزة، و هذا المشروع يهدد صناعة الطبيب المصري، حيث انه توجد استحالة لفصل المستفيات الجامعية عن كلية الطب.
الورقة الثانية، الأساسية، نص اتفاقية القرض السعودى تربط بين اتفاقية القرض، ومشروع تطوير القصر العينى، وبين ورقة هامة ثالثة موضحة فى البند1-1 "يقبل طرفا هذه الاتفاقية كافة نصوص الشروط العامة لاتفاقيات قروض الصندوق". وهذه الشروط المخفية وراءها ما وراءها كما سنرى، ولكن لنتابع أولا اتفاقية القرض.
ماذا نكسب من وراء القرض وما هى التزاماتنا؟ ستسدد الحكومة المصرية قيمة القرض على ثلاثين قسطا متساويا قيمة كل منها 15 مليون ريال سعودى، فى ثلاثين عاما بعد فترة سماح لمدة 3 سنوات. القرض معرّف بأنه رؤية للتطوير المؤسسى ورفع كفاءة البنية التحتية. إذن فالمقدم هو التطوير المؤسسى الذى نصبح بمقتضاه ملزمين ليس فقط بسداد القرض المقدم لتطوير البنية التحتية من أسرة وأجهزة وخلافه ولكننا ملزمون أولا بالتطوير المؤسسى. فى أى اتجاه؟ فى اتجاه إدخال ملاك آخرين وفى جعل المشروع هادفا للربح كما سبق القول! وتنص الاتفاقية صراحة على "تغيير نمط المستشفى العام إلى مستشفى تخصصى" (جدول 2). إذن سيصبح المستشفى مثل عين شمس التخصصى وقصر العينى الفرنساوى: يهدف للربح ولا يستخدم فى التعليم!
والورقة تحيلنا إلى الالتزام بخطة تطوير القصر العينى، وأيضا بالشروط العامة للإقراض فى لائحة الصندوق السعودى للتنمية التى تعتبرها جزءا لا يتجزأ من الاتفاقية. تلك الخطة التى تنص على إدخال شركاء آخرين فى ملكية المشروع، وتحول القصر العينى إلى مشروع هادف للربح. ناهيك عن أن المشروع المقدر تكلفته ب2.5 مليار جنيه يتم بدون دراسة جدوى نهائية! كما أنه لا توجد لجنة مسئولة عن المشروع، سواء لجنة إدارية أو حتى لجنة وضع مشروع تطوير القصر العينى المشكلة اختياريا مع مستشارى البنك الدولى ودون إشراك أساتذة كلية الطب! مليارين ونصف سواء بناءً على دراسة أولية وليست دراسة جدوى أو بدون دراسة على الإطلاق!
نأتى الآن إلى الشروط العامة للإقراض لصندوق التنمية السعودى التى تعدها اتفاقية القرض جزءا لا يتجزأ من اتفاقية القرض. والصندوق السعودى للتنمية ليس صندوقا خيريا عربيا لتمويل الأصدقاء، فمن المعروف أن مندوبى ومستشارى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى هم واضعوا تلك الشروط العامة ونظام عمل الصناديق السعودى والكويتى والإماراتى ...الخ، مما يجعل من شروط القرض شروط إذعان للمقترض كما سنرى فى البنود التالية:
• لاتفاقيات الصندوق الأولوية حتى على القوانين السارية فى بلد المقرض ولا يجوز إلغائها لتعارضها مع قوانين أو دستور البلد المقترض. البند 10- 1: "قوة نفاذ اتفاقية القرض: تكون حقوق والتزامات الصندوق والمقترض فى ظل اتفاقية القرض صحيحة ونافذة المفعول طبقا لأحكامها دون اعتداد بما قد يخالفها من قوانين المقترض او قوانين أى من وحداته السياسية".
• يشترط الصندوق موافقته على جميع الجهات الموردة للمستلزمات وعلى الجهة الاستشارية للمشروع وعلى شركات التأمين على البضائع المستوردة بعملة حرة وعلى الجهة المنفذة للمشروع، ويمكن للصندوق دفعها مباشرة للجهة حتى فى حال اعتراض المقترض، مثلا على نوعية السلعة أو كفاءة الاستشارات (بند 6- 1 وبند 5- 2).
• القرض معفى من الضرائب والرسوم والجمارك وكافة القيود (بند 8- 1 و8- 2).
• تنص الشروط العامة على سرية جميع المراسلات والتقارير الخاصة بالقرض والحصانة الكاملة من إشراف أى جهة (البند 8- 3) إذن فهو معفى من رقابة حتى الجهاز المركزى للمحاسبات!
• تنص الاتفاقية على حق الرقابة والتفتيش على المشروع فى الموقع، وتعطى لهؤلاء المفتشين الحصانة الدبلوماسية (بند 9- د).
• من حق الصندوق أن يوقف القرض إذا قصر المقترض فى تنفيذ أى من التزاماته الأخرى وليس عدم السداد فقط، وهى هنا شروط تملك أرض المشروع وإدخال شركاء آخرين وجعل الأنشطة كلها هادفة للربح (مادة 6- ب)!
• عند الاختلاف بين الطرفين يلجأ للتحكيم الدولى بلجنة ثلاثية من طرف المقترض، والمقرض، وآخر تعينه منظمة المؤتمر الإسلامى (!) كما ينص (بند 10- 3).
بعد أن استعرضنا الورقات الثلاث المعنية بمشروع تطوير القصر العينى وهى خطة التطوير، ونص اتفاقية القرض السعودى للتطوير، والشروط العامة للإقراض من صندوق التنمية السعودى، فلنلقى نظرة شاملة على ملخص المشروع.
مقتضى خطة التطوير هو رؤية للتطوير المؤسسى أولا ورفع كفاءة البنية التحتية ثانيا. وهى خطة متعددة المراحل، ولكن لم يتم إيضاح التفاصيل الكاملة للمراحل المختلفة. والمرحلة الأولى تتم على أساس دراسة أولية بدون دراسة جدوى! ويقولون فى خطة الإمداد بالأجهزة أنه من المتوقع أن تكون هناك أجهزة صالحة بالفعل للاستخدام من 30- 40%!! تكلفة المرحلة 200 مليون دولار 60% قرض سعودى يسدد بينما تسدد مصر 40% بالعملة الحرة، أى أكثر من مليار جنيه بسعر السوق الحرة للدولار الآن ونتصرف فى كل تلك المبالغ دون دراسة جدوى سابقة على التوقيع على القرض!
ورغم أن التكلفة كلها تقع على مصر لأن عليها تسديد القرض وصرف نصيبها، وهو يتضمن أى زيادة تطرأ على التكاليف تتحملها مصر وحدها، إلا أن القرض يتضمن مجموعة من الشروط بالغة الغرابة.
التطوير المؤسسى ينص أولا على إدخال شركاء آخرين فى ملكية المشروع، ويعتبر مجلس إدارة المستشفيات مسئولا أمام مجلس جامعة القاهرة باعتباره الجهة المالكة بالإضافة إلى الشركاء الآخرين، أى أننا أمام مشروع للخصخصة. وبالطبع فالشركاء الآخرين يستهدفون الربح، لذا لا تنسى تلك الرؤية أن تؤكد على أنه من الواجب أن تضمن الخدمات التى تقدمها المؤسسة (القصر العينى) بعد التطوير الاستدامة المالية وتحقيق الربح. والغريب أيضا أنها تلزم الجانب المصرى بإنهاء كل إجراءات ضمان ملكية المشروع للأرض! لماذا نملك أرضنا للمشروع فى مقابل قرض سنسدده؟
نستطيع الإجابة على هذا السؤال بنظرة واحدة للفرق بين الصورة الجوية لموقع القصر العينى الحالى صفحة 96 وبين الصورة للموقع بعد التطوير صفحة 23. الفرق هو زيادة الارتفاعات وتقليص الأرض المقام عليها القصر العينى حاليا، بحيث يكون المكان الجديد فى مركز الموقع مع ترك المساحات المجاورة لشاطئ النيل خالية لكى يتمكن الملاك الجدد من استثمارها عقاريا سواء ببيعها أو ببناء فندق عليها أو نحو ذلك!
وتلك الأموال الهائلة المدفوعة أين ستذهب؟ ترينا الشروط العامة للإقراض من صندوق التنمية السعودى أنها تملك حقوق إذعان ضدنا فلاتفاقية القرض الأولوية حتى فى حالة مخالفتها للقوانين القائمة ولا يجوز إلغاؤها لذلك السبب (وخطة التطوير نفسها تعترف بأنها ضد بعض القوانين القائمة). يشترط موافقة الجانب السعودى على الجهة الموردة للأجهزة، والشركة المنفذة للمشروع، والمكاتب الاستشارية المسئولة (وكلهم بالطبع سيكونون من الأجانب) وله حق الإشراف المطلق، بينما المشروع معفى من الضرائب والجمارك والرسوم ومراقبيه يتمتعوا بالحصانة الدبلوماسية!
ألا نستطيع بالجزء الخاص بنا لو أنفقناه وحده أن نحصل على كل فائدة المشروع وتوفير كل ما يقدمه الجانب السعودى بالاعتماد على المصريين (كلية الهندسة مثلا كمكتب استشارى)؟!
لغرض الخصخصة نبيع أصولنا مقابل مجرد قرض؟! الخصخصة من أجل الخصخصة تحت مسمى إدخال القطاع الخاص فى تقديم الخدمات، وليذهب المرضى إلى الجحيم!
دكتور محمد حسن خليل
يناير 2017
أهم مراجع الدراسة
1- نص قانون رقم 67 لسنة 2010. الوقائع المصرية
2- مشروع تطوير القصر العينى، بالإنجليزية، باسم:
3- (Initial proposal, KASR EL AINY 2020)
4- اتفاقية قرض مشروع تطوير مستشفى القصر العينى بين حكومة جمهورية مصر العربية والصندوق السعودى للتنمية. قرض رقم: 19/658
5- الشروط العامة لاتفاقيات القروض. المملكة العربية السعودية. الصندوق السعودى للتنمية. صدرت بقرار مجلس الإدارة رقم 11/14 فى 29/7/1396 هجرية الموافق 26/7/1976 ميلادية
6- محضر اجتماع السادة مديرى المستشفيات الجامعية. المجلس الأعلى للجامعات. الجلسة رقم 1 بتاريخ 14/6/2012.