المتصدرين للإنتخابات ، مطلب السوق


محمد بوجنال
الحوار المتمدن - العدد: 5314 - 2016 / 10 / 15 - 13:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     


الانتخابات عملية تحصل في التاريخ ويحدده التاريخ المحكوم بطبيعة السوق. لذا، فهي، بحكم الوضع ذاك، لن تكون سوى الاستجابة الفعلية بشكل من الأشكال لحاجيات السوق. وانطلاقا من ذلك يكون تحديد وتشكيل البنية المجتمعية التي لن تكون سوى التشكيل كما أراده ويريده السوق. من هنا نتكلم عن المسلمة التي تقول أن مستوى وعي البنية المجتمعية لمعنى وجودها يتحدد وفق مستوى الشروط التي يحيا وفقها. فكلما كانت الشروط تلك دنيا كلما كان الوعي بمعنى الوجود لمجمل الكتلة الناخبة وعيا متدنيا. وهذه هي المسلمة التي تحكم الانتخابات البرلمانية بالمغرب التي منها الانتخاب البرلماني 07 أكتوبر 2016. فوفق هذه المسلمة الكتلة الناخبة في المغرب مستويات: منها مستوى الفئات ذات الوعي الأقرب إلى الصفر وهي الفئات الأمية؛ وفئات ذات المستوى الأدنى وهي فئة الذين يكتبون ويقرءون ؛ وفئة ذات مستوى هجين وهي فئة البورجوازية الصغيرة أو المتوسطة التي ما يهمها أكثر هو عدم المساس بمكتسباتها ؛ وفئة ذات مستوى أعلى من رجال أعمال ومال وصناعة وتجارة وفلاحة وخدمات. هكذا يمكننا القول أن الكتلة الناخبة بالمغرب يمكن توزيعها إلى ثلاث – إذا دمجنا الأوليتين - : الكتلة الفقيرة، والبورجوازية الصغيرة أو المتوسطة، والبورجوازية المسيطرة وهو توزيع يوجد في أعلى هرمه ملك البلاد. إنه التوزيع الذي، بتشكله كما أراد السوق، أفرز لنا كتلة ناخبة، تتميز، في مجملها، بالاستجابة لمصالح ومتطلبات وطموحات السوق؛ الواحدة منها تفتقد الوعي بذلك، والثانية منها يتميز أغلبها بالوعي الزائف، والثالثة منها بربح رهان الانتخابات دفاعا عن مشاريعها الاقتصادية، أما الرابعة فهو المايسترو الذي يسهر بشكل دبلوماسي – وإذا تعذر ذلك يستخدم العنف- على الانسجام بين مختلف الطبقات الثلاث لما فيه مصلحة السوق الرأسمالي كما تريده فلسفته ومن خلال المحيطين الإقليمي والدولي.
بناء على ما سبق نفهم مجمل الأحزاب بالمغرب باعتبارها أحزابا تشتغل من داخل قواعد وحاجيات السوق. لذا، فأنشطتها تبقى أنشطة لتزكية هذا الوضع بالمغرب، وإن بدرجات. ومن هنا نرى استغلالها لمجمل مكونات الطبقتين الأولى والثانية إبان كل المناسبات التي أهمها الاستحقاقات البرلمانية إما بشكل تنظيمي أو بشكل عشوائي. والثابت في الاستغلال بين مكونات بين مكونات الكتلة الناخبة هو عاملي الدين والحياة اليومية المعيشية (المادة) التي أخذت أشكالا مظهرية ليست هي أشكالها الحقيقية؛ في حين يتحدد هدف الطبقة المسيطرة في ربح رهان انتخاب 07 أكتوبر دفاعا وحماية وشرعنة وتطويرا لمشاريعها التي هي ، بالكاد، حماية فاعلية السوق. ومن هنا لا بد من تسجيل اختلاف تعامل مجمل الأحزاب المغربية مع هذه الكتلة الناخبة: فهناك من انخرط داخلها بشكل دائم كحزب العدالة والتنمية؛ وهناك باقي الأحزاب التي اشتغلت مع الكتلة تلك بأشكال موسمية أو عند الحاجة.
فنظريا وممارسة، ربح رهان الاستحقاقات الانتخابية يقتضي ضرورة استحضار عاملين أساسين دونهما لن ينجح الرهان: أولهما التوفر على قاعدة مادية مريحة، وثانيهما نجاعة الجانب التنظيمي. فعلى المستوى المادي استفاد حزب العدالة والتنمية من قوى خارجية متمثلة أساسا في حركة الإخوان المسلمين وبعض دول الخليج التي احتضنت الحركة تلك. فبالمساعدات المادية تمكن الحزب من استقطاب العديد من مكونات الطبقتين الأولى والثانية والذين حظوا بأموال استثمرت في ممارسة التجارة، وتمويل الباعة المتجولين، وتدعيم أصحاب محلات البيع والشراء، وخلق وداديات سكنية، وجمعيات ثقافية، والإنزال بالمساجد، والتواجد بالأحياء مع ما يتطلبه الوضع من مساعدات ونقاشات وإرشادات. ومعلوم أن مختلف هذه الأنشطة لحزب لحزب العدالة والتنمية يحكمها وازعي الدين والمادة كما سبق القول، الذين أسسا تزييف وعي هذه الفئات من الكتلة الناخبة المغربية. إن اعتماد المغريات المادية والتدين الشعبوي عملا على تثبيت وتلقين الفكر الخرافي أو قل استغلال الدين في شكله الشعبوي الذي لا يمكن فصله عن المادي باعتباره مؤسس عقلية هذه الكتلة الناخبة. وهكذ فحزب العدالة والتنمية، باعتباره المتصدر الأول لانتخابات 07 أكتوبر، اشتغل ، وباستمرار، باعتماد جدلية المادة والدين مع إظهار أهمية الثاني والتقليل من الأول على الرغم من أن هذا الأخير توليه الطبقتين السابقتي الذكر الأهمية القصوى. وفي كل هذا قام الحزب ببناء وتنفيذ برنامجه المسطر في أدبياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ولا شك أن بناء وممارسة الحزب البرنامج التنظيمي تقتضي استحضار التراكم الذي مارسه بارتباطه بقوى أخرى غيره ذات حنكة في هذا المجال. وهنا لا بد من استحضار التداريب التي أشرفت وتشرف عليها حركة الإخوان المسلمين برعاية القوى الإقليمية والدولية. لذا، كانت ممارستهم التنظيمية منضبطة داخل الحزب وبالحي وبالجمعيات؛ إنه التراكم الذي جاء نتيجة عقود من الممارسة؛ وبلغة أخرى، فاشتغالهم لم يكن موسميا بقدر ما أنه تميز بالاستمرار والدوام الذي هو استمرار التمويل المادي والتزييف الديني الذين مكناه من بناء قاعدة أوكتلة ناخبة مهمة من داخل الطبقة الكادحة ذات الوعي الأدنى والبورجوازية الصغيرة ذات الوعي الهجين.
أما الحزب الثاني الأقوى الذي تصدر المرتبة الثانية في انتخابات 07 أكتوبر فهو حزب الأصالة والمعاصرة ذو التأسيس الحديث؛ فهو الحزب الذي فرضته الوضعية الراهنة بالمغرب لخلق التوازن السياسي. ومعلوم أن قوته الانتخابية لا يمكن أن تخرج عن القاعدة العامة: معطى مادي مريح. فالحزب من حيث البنية، خلاف الأول، ذو تركيبة بمكونات مختلفة شكلا ومنسجمة عمقا حيث نجد الفئات الحداثية والعلمانية والماركسية والأعيان؛ وهي التركيبة التي اشتغلت، وفق تصريح أمينها العام،بأسلوب حداثي يتمثل في المأسسة كتنظيم. ومن هنا نرى، ولأول وهلة، أن مكوناته تتناقض ومكونات حزب العدالة والتنمية مع استحضار خصوصية الأعيان. إنه التناقض الذي يرجى منه لجم قوة اليمين الإسلامي الصاعد لفرض التوازن السياسي بالمغرب الذي يفرضه الوضع الوطني والإقليمي والدولي خاصة بعد نتائج الحراك العربي. هذا وقد اعتمد الحزب الطبقة الصغيرة أو المتوسطة والأعيان بالبوادي وكذا تحريك مكوناته لجذب واستقطاب الأصوات باعتماد القاعدة المادية والنفوذ الاجتماعي والمعنوي للأعيان. ومن هنا فنحن أمام حزبين بأسلوبين متناقضين شكلا على المستوى السياسي بما أنهما متماثلين على المستوى الاقتصادي في تبني نظام السوق. وبصفة عامة، فهو حزب- أي الأصالة والمعاصرة – اعتمد بدوره عاملين: العامل المادي وعامل العلاقات والنفوذ.
وبعيدا عن التصورات الغارقة والمسرفة في إبراز التناقض بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، نطرح القاعدة التالية: التماثل الاقتصادي( السوق الرأسمالي) يفرز حتما التماثل السياسي وإن بأشكال مختلفة تبدو ظاهريا متناقضة. بناء على القاعدة تلك، فالحزبان المتصدران لاستحقاقات 07 أكتوبر 2016 يختلفان من حيث الشكل ويتماثلان من حيث العمق؛ فالمسرحية هي ذاتها وإن كان الإخراج مختلفا؛ أو قل أن الاختلاف السياسي حاصل على مستوى المظهر، وفي صالح السوق الاقتصادي الرأسمالي على مستوى العمق وهو ما يعني، وبالكاد، الانصياع لشروط وتوصيات المؤسسات الإقليمية والدولية ناهيك عن القوي الداخلية. فإذا أردنا استدعاء أسلوب التشبيه بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة المتصدرين لاستحقاقات 07 أكتوبر يمكننا القول أن الواقف أمام البحر ينخدع أمام قوة أمواجه الهائجة على السطح، لكن بمجرد غوصه بعشرة أمتار سيجده منسجما وهادئا.