البنك الدولى والعدالة الاجتماعية


محمد حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 5153 - 2016 / 5 / 5 - 16:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


بمجرد إعلان تخفيض قيمة الجنيه المصرى رسميا حوالى 15% توقع المواطنون سيناريو العواقب المتكررة: غلاء كل أسعار السلع المستوردة، وهى ترفع معها بقية سلة السلع، إلى درجة أن إحدى الصحفيات وجهت لى سؤالا عن مغزى رفع بعض الأطباء الاستشاريون قيمة كشفهم بمائة ومائة وخمسين جنيها ليصل إلى 350 جنيه فى أعقاب رفع سعر الدولار!
ورغم تكرار الموضوع مرات كثيرة خلال السنوات الأربعين أو الاثنين والأربعين الماضية حيث محصلتها هو رفع سعر الدولار (أو تخفيض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار) من 40 قرشا للدولار إلى ما يزيد عن 11 جنيها للدولار، أى تدهورت قيمة الجنيه إلى أقل من 4% من قيمته سنة 1974، ورغم كثرة الكتابات حول الموضوع فى الصحافة إلا أن قله نادرة هى التى حاولت أن تمسك بالحلقة الشريرة المتواصلة منذ ذلك الحين حتى الآن وتتسبب فى كل ذلك!
بالطبع الأساس هو أننا لا ننتج ما يكفى احتياجاتنا الأساسية من طعام وملبس وسلع، وبالتالى نستورد، وبأكثر مما نصدر. المنطقى هو تقليص الواردات غير الضرورية ومنع الواردات الترفية ومركزة العملة الصعبة وتحديد أولويات الاستيراد بما يتفق مع احتياجاتنا، وهذا هو ما يعرف بالرقابة على الصرف والرقابة على التجارة الخارجية، وهذه هى سياسة الستينات وسياسة كل دولة فى أزمة، بما فيها المادة 18 من قوانين منظمة التجارة العالمية. ولكن قواعد الانفتاح منذ 1974 سارت فى عكس الاتجاه.
منذ دخول البنك الدولى وهيئة المعونة الأمريكية وغيرهم من مؤسسات التمويل الدولية لإملاء السياسات الاقتصادية فى مصر بعد الانفتاح والصلح مع أمريكا وإسرائيل وتوصيات تلك المؤسسات تتلخص فى أربع كلمات: تحرير التجارة والاستثمار، والسياسات الحكومية الانكماشية التقشفية، والخصخصة، من الهيكل الإنتاجى ببيع ثلثى القطاع العام وحتى خصخصة الخدمات من بنوك ومرافق وصحة وتعليم، انتهاء بتخفيض قيمة العملة كنتيجة منطقية.
المبرر المعلن لتلك المؤسسات هو الضغط على بلدنا بالديون، فيجب أن يتبع المدين (مصر) سياسة تقشفية تقلص الإنفاق الحكومى على المرتبات والمعاشات والخدمات من تعليم وصحة لتتمكن من سداد ديونها، وفتح الأبواب للاستثمار المحلى والأجنبى بدون سياسة حماية للممنتجات المحلية لأن "السوق" يكفى لتحقيق التوازن وحده. والديون فى النهاية التى لا أمل فى سدادها تطرح مبادلتها بملكية ممتلكات الدولة من مصانع ومرافق كهرباء وعلاج وتعليم وغيرها! ورأينا أن الخصخصة لم تنتج سوى بيع مصانع مصر بالبخس، أساسا من أجل تدمير عدد من الصناعات الاستراتيجية وغير الاستراتيجية (فالغرب متخم بفائض السلع الزراعية والصناعية ويبحث عن أسواق للتصريف وليس عن منافسين صناعيين)، والفساد فى شرائها بالبخس، وتصفية العمالة وزيادة البطالة بالمعاش المبكر. ويقود تدهور الاقتصاد الإنتاجى إلى إضعاف وتخفيض العملة.
آن الأوان لسياسة بديلة تقوم على أولوية تطوير الإنتاج الزراعى والصناعى لزيادة الاكتفاء الذاتى، بالذات فى الدخول فى التصنيع المتطور والمترابط والمتكامل، فى إطار مساهمة الدولة فى التصنيع وسياسات نقدية حمائية، وسياسات مالية منصفة لاحتياجات الشعب من السلع والخدمات الأساسية كما نص الدستور.