المعركة ضد الارهاب - جبهات وتحديات جديدة لليسار *


حميد تقوائي
الحوار المتمدن - العدد: 1351 - 2005 / 10 / 18 - 10:44
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

ان الحرب التي بدأت مع فاجعة 11 ايلول هي حرب داخل معسكر الرجعية العالمي. هذا المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية قد اعلن عن وجوده مع هيروشيما وناكازاكي بعيد الحرب العالمية الثانية. ولم تتم منازعته منذ سقوط جدار برلين وحتى الان. ان الثاتشرية والريغانية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والسي ان ان والبي بي سي والدين والقومية والاثنية والاسلام السياسي وعقيدة النسبية الثقافية والناتو والطالبان واسرائيل والجمهورية الاسلامية الايرانية كلها اجزاء مختلفة لهذا المعسكر العالمي. لقد تشكل هذا المعسكر وبشكل اساسي بغرض ضمان هيمنة الامبريالية المتطورة حديثا بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة المعسكر الشرقي ولسحق الحركة اليسارية والاشتراكية على صعيد عالمي. ان الارهاب كان خصيصة ضمنية لهذا المعسكر. لو ضاعفت جريمة 11 ايلول بالالاف ستصل الى هيروشيما وناكازاكي. واذا ما كان ارتكاب المجازر بحق المدنيين والناس الابرياء يشير الى الارهاب فان قصف القرى الفيتنامية وتنظيم انقلاب بينوشيه والمجزرة الجماعية لليسار في تشيلي والقمع الدموي للفلسطينيين وقتل مئات الالاف من الاطفال العراقيين من خلال الحصار الاقتصادي وجلب الطالبان الى السلطة في افغانستان وجلب الاسلام السياسي الى مركز الحدث بالاضافة الى العديد من افعال امريكا والناتو من خلال سياساتهم الخارجية كلها تعد جزء من سجل الارهاب العالمي. ان 11 ايلول لم يكن الفعل الارهابي الاول وليس الاكثر وحشية. في هذا الوقت على اية حال فان اناس ابرياء في امريكا كانوا ضحاياه. ان السكين الذي هيأته امريكا ضد اليسار قد استعمل في هذه المناسبة ضد جماهير امريكا.

قرابة نهاية الحرب الباردة قامت الولايات المتحدة مع حلفائها في الناتو بجلب الاسلام السياسي الى مركز الاحداث من اجل مواجهة الاتحاد السوفييتي وسحق اليسار في بلدان الشرق الاوسط. وقد جاء تحديدا الى السلطة كل من الجمهورية الاسلامية في ايران والطالبان في افغانستان ومعهما هذه الغايات بعينها وبمساندة وتأييد الغرب. ان تجربة هذين البلدين توضحان بجلاء بان الارهاب هو الطريقة الوحيدة التي بامكان الاسلام السياسي من خلالها الارتباط بالعالم المعاصر وان يكون ذا معنى. ان الخصائص اللا انسانية والشديدة الرجعية للطالبان في افغانستان والجمهورية الاسلامية في ايران ومنها ارتكابهما للمجازر الجماعية والتعذيب والجلد والرجم بالحجارة وفرضهم انعدام الحقوق بلا اي استثناء على النساء هو جزء من معنى الاسلام السياسي في العالم المعاصر. ان اسلاما بلا ارهاب يفقد معناه السياسي واهميته.

وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي فان دور الاسلام السياسي ليس فقط لم ينته بل بالاحرى على العكس فان فترة مابعد الحرب الباردة قد وفرت له مستنقعاً لنموه. بسقوط المعسكر الشرقي فان العالم ارتد الى اليمين. لقد اصبحت العقائد الرجعية للجناح اليميني في الغرب هي المتسيدة جالبة معها كل القذارة التأريخية الى السطح. انعزل اليسار وبدأ اعداءه بالازدهار – اؤلئك الذين حاربت الانسانية التقدمية ضدهم منذ الثورة الفرنسية. برزت الحركات الدينية والقومية والاثنية والعنصرية في كل مكان. وبدأ حينها تراجع متسارع ليس فقط على صعيد السياسة ولكن على صعيد الفلسفة والفن والثقافة والتعليم والاعلام المطبوع والاعلام الجمعي. ما كان ل 11 ايلول ان يحدث الا في مستنقع كهذا.

يدعي بوش وسياسيو الولايات المتحدة الامريكية بان السبب الكامن وراء هذه الجريمة الفظيعة هو عداء منفذي الجريمة للحضارة المعاصرة، ولكن في الواقع هي ان الارهاب اليوم هو حصيلة تراجع الغرب عن الحضارة المعاصرة. " الحضارة" دون العلمانية والمساواة والحرية ليست حضارة؛ انها بالاحرى رجعية معاصرة. ان الحرب التي بدأت هي في الواقع حرب تدور بين رجعية الناتو الحديثة ورجعية العصر الحجري للاسلام السياسي.

في الحقيقة فان 11 ايلول هو نتاج وحصيلة لاندماج التدفق المشترك لهذين الارهابين معاً. ان انفجار نيويورك قد اعطى معنى محلي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والناتو من جهة، ورفع الارهاب الاسلامي من اطار السياسات المحلية للدول الدائرة في فلكه في الشرق الاوسط وخاصة ايران وافغانستان واكسبه بعداً عالميا، من جهة اخرى.

ان جماهير امريكا والغرب ادركت فجأة كم هي مروعة النتائج الداخلية لسياسات حكوماتهم الخارجية . لقد وجدوا انفسهم ايضا سوية وبالتضامن مع الجماهيرالتي تعيش تحت اظطهاد الاسلام السياسي في دول مثل افغانستان. لقد فتحت هذه الحالة الاذان الصماء في الغرب. ان الجماهير تتسأئل وتطلب الجواب. تحاول الصحافة والاعلام الحصول على الاجابات في القرآن والالهيات والدراسات الاسلامية في الشرق والغرب. بدأوا مرة اخرى بنبش سجالاتهم السابقة حول صدام الحضارات ومعنى الجهاد والانتحار الخ في الاسلام وبدأوا باقامة المؤتمرات والطاولات المستديرة. لن يقنع هذا الهراء احداً. ان هذه لم تعد حربا في الخليج او البوسنة او الصومال. هذه المرة حدثت الكارثة في امريكا نفسها وسقطت جماهير امريكا نفسها ضحية لها. ان المجتمع الامريكي بات يبحث عن اجوبة لانه يود ان يشعر بالامان ويود ان يعيش ولا يريد ان يتدلى الخوف من الارهاب البايولوجي والجرثومي فوق رؤوسهم. المجتمع الامريكي مجبر اليوم على ان يفهم العالم؛ لقد دفع ثمناُ باهظاً ليتعلم ارتباط الاحداث الجارية عبر المحيط بحياته اليومية. ان الحرب الامريكية في افغانستان لم تجب على اي احد ايضا. هذه ليست الحل ايضا، انها جزء من المشكلة؛ لقد بدأ الناس بفهم ذلك. اليوم اكثر من اي وقت مضى فان الرأي العام على استعداد للانصات الى الحقيقة السياسية حول العالم المعاصر. فقط اليسار بامكانه ان يكون مضخماً لهذه الحقيقة. يجب شرح ذلك الى الجماهير العطشى لمعرفة الحقيقة بان هذه هي حرب الوحشية وليس صدام الحضارات. ان سجل وعلاقة الارهابين الاسلامي والامريكي يجب ان يعرى للرأي العام. ان راية العلمانية وفصل الدين عن الدولة يجب ان ترفع. يجب ان نقف ضد القومية. يجب ان نظهر للجميع بان قومية الولايات المتحدة الامريكية بشعة ومرعبة كما الارهاب الاسلامي. يجب جر الناس خارج تعريفاتهم القومية والدينية ومخاطبة انسانيتهم. ان تلك الام المفجوعة في نيويورك والتي تقول:" لا اتمنى هذا لاي احد في العالم" تقوم بالظبط بذلك. يجب ان نتكلم حول مأساة العيش تحت سطوة الارهاب الاسلامي في ايران وافغانستان الى اؤلئك الذين فتحوا اعينهم واذانهم بعد مأساة نيويورك. يجب ان نفضح اطروحة النسبية الثقافية. يجب ان نواجه معسكر الرجعية العالمي. يجب ان نبين بان حرب الناتو في افغانستان ليست حلا للارهاب ولكن بالاحرى ستصعد منها. يجب ان نهشم الاسلام السياسي مباشرة وبشكل كلي.

لقد تطور الاسلام السياسي ضمن ستراتيجية معاداة اليسار للولايات المتحدة والناتو غير ان فظائعها تنتمي اليه فقط. ان الجرائم التي ارتكبت من قبل الطالبان في افغانستان والجمهورية الاسلامية في ايران والحركة الاسلامية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا عموماً يجب ان تفضح بشكل واسع وان يتم تفسيرها. يجب علينا تحديدا ان نفسر الاسلام السياسي – سواء كان في الحكومة او المعارضة ، " المتزمت" او " المعتدل" كلها لا تعني غير الوحشية والرجعية.

في هذه المعركة فان للحزب الشيوعي العمالي الايراني دورا حاسما ومهما يلعبه. ان حزبنا من المنظمات اليسارية العالمية القليلة التي لم تتراجع اثر الهجوم الوحشي الرجعي للمعسكر الغربي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ولكن بالعكس فقد رددنا الضربة وتحركنا الى الامام ووسعنا نضالنا. لقد واجه حزبنا بعناد الهجوم اليميني وناضل على الخصوص ضد ارهاب الدولة الامريكية والناتو خلال فترة مابعد الحرب الباردة. صفة اخرى لحزبنا هي اكثر من عقدين من النضال الدؤوب ضد عمود الاسلام السياسي – الجمهورية الاسلامية في ايران. اليوم في عالم ما بعد 11 ايلول فان هذين الجانبين يندمجان اكثر من اي وقت مضى. اليوم نحن نشهد تصاعد الحركة المناهضة للحرب في امريكا واوربا. وفي نفس الوقت وفي خضم الهجوم العالمي على الاسلام السياسي نحن نشهد تصاعد النضال من اجل اسقاط الجمهورية الاسلامية في ايران. هاتين الحركتين يجب ان يتعرفا على بعضهما وان يشتركا سوية. على جماهير امريكا ان تفهم كيف ان اسقاط الجمهورية الاسلامية مرتبط ارتباطا مباشرا باقتلاع الارهاب في مجتمعهم؛ على جماهير ايران ان تفهم ايضا بان معركة اليسار العالمي ضد الاسلام السياسي هي في مصلحتهم وستصبح وسيلة لاسقاط الجمهورية الاسلامية. في كلا هاتين الجبهتين، فان باستطاعة حزبنا ومن واجبه ان يلعب دوراً قيادياً.

ان معسكر الارهاب العالمي والذي تشكل منذ البداية ضد اليسار، وكان من المفترض ان يكون طليعة النظام العالمي الجديد قد اثمر وبفاعلية عن لاشئ غير الحرب والرعب والخوف وانعدام الامان و" اللا نظام العالمي الجديد". حان وقت هجوم اليسار المتدفق على هذا الارهاب .
————————————————
* كتبت هذه المقالة اواخر عام 2001 .
ترجمها عن النص الانكليزي عصام شكــري