مجزرة حلبجه.. وصمة عار أبدية في جبين البعث وسلاحه الكيمياوي (2-1)


كاظم المقدادي
الحوار المتمدن - العدد: 4749 - 2015 / 3 / 15 - 10:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


أثبت البعث العراقي طيلة فترات حكمه الأسود بأنه نظام دكتاتوري فاشي.وعرف العالم قائده المجرم صدام حسين بأنه من أعتى عتاة الدكتاتورية والأستبداد.وعدا هذا، تميز بأنه أول حاكم في التأريخ يستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه، مقترفاً أبشع مجزرة ضد سكان حلبجه الكردية العراقية في 16 اّذار 1988.

الكيمياوي سلاح دمار شامل

تصنف أسلحة الدمار الشامل الى 3 أنواع: نووية وكيمياوية وجرثومية / بايولوجية، وهي تتميز بشدة فتكها ودمارها للإنسان والحيوان والنبات، وتلفها لبقية عناصر البيئة من هواء وماء وتربة .

وفقاً لمعاهدة الاسلحة الكيمياوية (التي تمت المصادقة عليها في عام 1992 من قبل كل من روسيا والولايات المتحدة الامريكية وكل اعضاء حلف الناتو، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1998) تُعرِفُ الاسلحة الكيميائبة بانها " جميع تلك الاسلحة أو المعدات الاخرى المصممة خصيصا لتسبب الاضرار او الموت نتيجة الخصائص السمية لها ". وتصنف الأسلحة الكيميائية حسب مفعولها الى:

*غازات الأعصاب: : وهي عبارة عن مركبات عضوية فسفورية توقف عمل مادة الكولين استيريز الناقلة للنبضات العصبية واستنشاق كمية كبيرة من هذه الغازات لمدة ثوان تسبب الوفاة بينما تؤدي الكميات الأقل منها لظهور أعراض مثل آلام في العينين، وتقلصات في عضلات الوجه والعضلات الأخرى، وتشنجات عصبية، وتظهر رغاوى حول الفم مصحوبة بإسهال وتبول لا إرادي. وأشهر هذه الغازات هي التابون و السارين والزومان و غاز (VX) .

*الغازات الكاوية : ويعتبر غاز الخردل أو المسترد الكبريتي أشهر هذه الغازات ويوجد بأشكال مختلفة ويحتوي على الغاز النقي المقطر والمسمى ثنائي كلورو إيثيل سلفايد وهو سائل يغلي عند درجة حرارة 217 درجة م ، وهو بهذا يتبخر ببطء متحولاً لغاز ثابت لا يتأثر بالعوامل الخارجية، وله رائحة ضعيفة تشبه رائحة الثوم وينفذ في كل شيء عدا الزجاج والقيشاني، وغالبًا ما تظهر أعراضه بعد عدة ساعات من ملامسته للجلد حيث تظهر فقاقيع مؤلمة على الجلد ما تلبث أن تنفجر وتؤدي إلى جرح المصل الدموي من الأوعية الشعرية الدقيقة الموجودة تحت الجلد.

*غازات الدم : و يعتبر غاز سيانيد الهيدروجين (HCN) أشهر هذه الغازات، و يصل المصاب عادةً إلى الجرعة المميتة في الأماكن المغلقة، وهو يؤثر على كريات الدم الحمر حيث يتحد مع الميتهيموجلوبين فيشعر المصاب بضيق في التنفس وقيء بطيء وإغماء، ومن غازات الدم شبيهة التأثير والعلاج سيانيد الكلور.

*الغازات الخانقة : و تسبب هذه الغازات السعال والاختناق وتلف الرئتين ومن أشهرها الكلور و الكلوروبكرين الفوسجين.

*الغازات المسيلة للدموع وتسبب حرقة بالعين مع تساقط الدموع وكذلك تهيج الأغشية المخاطية في الأنف والفم والحلق ومن أشهرها غاز كلوروأسيتوفينون وهو ذو فترة تأثير قصيرة. وغاز بروموبنزيلسيانيد كلوروأسيتوفينون في الكلوروبكرين..

بسبب خطورة الأسلحة الكيميائية وعدم تمييزها بين المدنيين والجنود، فقد صدر قرار من الأمم المتحدة في عام 1992 بالإجماع بمنع استخدام هذا النوع من الأسلحة.

الأسلحة الكيمياوية العراقية

الأسلحة الكيماوية هي اول انواع أسلحة الابادة الجماعية التي انتجها النظام السابق- وفقاً للبرفسور حسين الشهرستاني[1],وبحسب الخبير البيئي د.علي حنوش فان النظام المقبور بدأ في التوجه بشكل حثيث، بعد منتصف عقد السبعينات مع بداية تكوين "مؤسسة إبن الهيثم للأبحاث والدراسات" لأجراء الأبحاث والدراسات لإنتاج وتجريب الغازات السامة، القديم منها او المستحدث.وكانت الشواهد الأولى لإستخدامات المركبات السمية الخطرة، أثناء المراحل الأولى من حقبة الحرب مع إيران، وفي الإشتباكات الحامية في هور الحويزة عام 1983، وفي بعض المعارك داخل الأراضي الإيرانية[2].وكشف الصحفي ألالماني المعروف اودو الفوختي أن العراق استخدم بإرشادات من الولايات المتحدة غاز الخردل السام المصنوع في بلاده عام 1988 في الحرب العراقية الإيرانية.وأضاف في تصريح لوكالة "رايا نوفوستي" الروسية أن "جميع الصور التي أخذتها بنفسي لجثث الجنود الإيرانيين المصابين بغاز الخردل كانت في منطقة الزبيدات الإيرانية بعد الثاني عشر من تموز عام 1988 ،حيث شاهدت بنفسي كيف استخدمت القوات العراقية غاز الخردل الألماني وتحت إشراف الولايات المتحدة لضرب الجنود الإيرانيين[3].

وبينت المعطيات أنه كان ثمة 15 مركزاً مكرسة لأنتاج وتطوير الغازات السامة للأهداف العسكرية، وكانت تلك المراكز موزعة على مواقع عديدة من العراق.وأشارت التقارير الى ان المؤسسات البحثية العراقية قد طورت إنتاج مركبات أخرى، ما عدا غاز الخردل، مثل: سيانبد الهايدروجين، أو غاز الكلورين، وأنتجت مركبات أكثر فاعلية في سميتها من تلك الأنواع القديمة، مثل غازات سارين وتابون( (وهي غازات لا تترك أثراً عقب إستعمالها) وغاز الأعصاب.كما أنتج غاز شديد الخطر أطلق عليه إسم VXA، الى جانب إنتاج سائل شديد السمية، أطلق عليه إسم Toxic B، والمتميز بقدراته على التدمير الشامل والسريع. إضافة الى غازات الدم، مثل حامض الهايدروسيانيك، والغازات الخانقة، كالفوسفين، والغازات المقيتة، مثل اَدمسيت، والمسيلة للدموع، كالكلور وأسيتوفيتون، أو غازات الهلوسة، مثل LSD، وهي غازات قاتلة او مزعجة او تشل القدرة. وتستمر هذه الغازات في البيئة لمدة زمنية معينة.فغازات الأعصاب الكاوية تستمر من 12 ساعة الى عدة أيام.والغازات الأخرى غير المستمرة، تبقى من عدة دقائق الى بضع ساعات، وتؤثر في لون النبات والمزروعات، وتسبب موت كثير من الحيوانات، ويعتبر ذلك من علاماتها.

وتمكن النظام السابق خلال الثمانينات من إنشاء صناعة كيمياوية متكاملة، ونجح في إنتاج الرؤوس الحربية المخصصة لحمل الذخائر الكيمياوية وتركيبها على وسائل إيصال متنوعة،إشتملت على صواريخ أرض- أرض الباليستية قصيرة المدى،ومتوسطة المدى.ونجح في إنتاج ذخائر كيمياوية مخصصة لأطلاق مدافع الميدان والهاون وراجمات الصواريخ الميدانية، الى جانب الكيمياوية التي تلقى من الجو.وقدرت مصادر الدفاع الغربية بان الترسانة الكيمياوية العراقية كانت تتكون من قرابة 30 ألف طن من المواد الغازية والسائلة السامة، والتي دمرت كلها بإشراف فرق التفتيش الدولية[4].

في تشرين الأول 1988(أي بعد 7 أشهر على إستخدام سلاح الأبادة الجماعية) أعلن الطبيب الأمريكي روبرت كول،الذي إلتقى اللاجئين العراقيين الى الأراضي التركية:" ثمة أدلة تأريخية ثابتة، وعلامات جسمانية محددة تشير الى إستخدام الحكومة العراقية لغازات سامة ضد الضحايا[5]. وفيما بعد جاء في بيان اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية السكان التابعة للأمم المتحدة: إن أبشع الأنظمة الفاشية لم يتجرأ على إستخدام أسلحة الإبادة الجماعية ضد مواطنيه كما فعل نظام بغداد.

شركات غربية ساعدت المجرم

أكدت المعلومات قيام اكثر من 500 شركة اجنبية بمساعدة نظام صدام حسين في الحصول على الاسلحة الكيمياوية- وفقاً لقائممقام قضاء حلبجة كوران أدهم، الذي أوضح بأنه بحسب المعلومات التي توصل اليها فريق من المحامين، فان 537 شركة اجنبية قامت ببيع اسلحة للنظام العراقي السابق، بينها اسلحة كيمياوية ومحظورة"[6]. وكل العالم يعرف جيداً بان النظام العراقي انتج هذه الأسلحة المحرمة دولياً بمساعدة شركات اوروبية وأميركية.وعندما لم يجد أية ردة فعل عالمية لاستخدامه أسلحة الابادة الجماعية في الحرب العراقيةـ الايرانية، تمادى في استخدامها ضد الشعب العراقي وفي عمليات اطلق عليها اسم «الانفال» لابادة الأكراد العراقيين في كردستان العراق. وأشهر استخدام لهذه الأسلحة عندما قصف مدينة حلبجة الكردية العراقية[7].وبالأضافة الى حلبجة، قصفت قوات النظام السابق العديد من المناطق الأخرى بالسلاح الكيمياوي.الصحفي العراقي جاسم الولائي سجل القرى والقصبات الكردية في كردستان العراق التي تعرضت للقصف بالسلاح الكيمياوي منذ أواسط نيسان 1987 وحتى أواسط تشرين أول 1988، بحسب تواريخ القصف[8].وكتب كارل فيك،من الـ "واشنطن بوست" عقب زيارته لكردستان العراق يقول:" طبقا لتقارير بعض المؤرخين، ومنظمات حقوق الانسان، فان القوات الجوية العراقية ألقت 13 حاوية معبأة بالغاز على قرية قوبتبه مساء يوم 30 آيار 1988 ضمن عملية «الأنفال».ويؤكد الاكراد بان عمليات "الأنفال" اسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 180 ألف شخص في القرى الكردية"[9].

من اَثار الأسلحة الكيمياوية العراقية بيئياً

بيئياً، تعتبر كارثة حلبجه - بحسب الباحث جمال حميد-،من جامعة ساوث بانك البريطانية- كارثة تلوث بيئي شامل، نظراً لتغير الصفات الطبيعية لعناصر البيئة من الماء والهواء والتربة،إضافة الى قتل الإنسان والحيوان وتدمير المزارع وإلحاق الضرر بالنباتات.ويقول أنه بعد كارثة حلبجة، وما سبقها من كوارث هيروشيما وناكازاكي،إستوجب إعادة تصنيف الكوارث البيئية الى كوارث بيئية تحدث نتيجة الفعاليات الصناعية للأنسان، وكوارث بيئية نتيجة الفعاليات العسكرية للأنسان. ووفق هذا التصنيف تعتبر كارثة حلبجة ثاني أكبر كارثة بيئية بعد هيروشيما وناكازاكي.

والآثار المترتبة على إستخدامات وتجارب وتدمير الأسلحة الكيمياوية بالمعيار البيئي، فان نتائجها تبدو أعقد، وذات أبعاد وتأثيرات طويلة الأمد،خصوصاً إذا أخذت بنظر الإعتبار النتائج التي توصل اليها فريق البحث العلمي البريطاني في أواسط عام 1993 بعد تحليل تربة المناطق التي تعرضت للقصف بغاز الخردل في حلبجة، والتي عززت نتائج سابقة لفريق علمي أمريكي.فالغازات السامة المستخدمة للأغراض العسكرية تتميز( بخلاف غالبية المركبات السامة المكرسة لمكافحة الحشرات والفطريات والبكتريا وغيرها، والتي أنتج العالم الغربي منها أكثر من 1500 نوع منذ عام 1948 وحتى عام 2000) بان غالبيتها ذات تركيب عضوي سريع التحلل، وكذلك بشدة فاعليتها وقدرتها على الإحتفاظ بحيويتها لفترة أطول بكثير من مركبات المبيدات.وهاتان الخصوصيتان لهما أبعاد خطيرة ومتأخرة على جميع مكونات البيئة الإجتماعية والطبيعية.

وتمثل مقابر حلبجة الجماعية مشكلة من نوع آخر. في وصفه لهذه المشكلة أوضح الدكتور ياسين كريم أمين، مدير مختبرات الطب الشرعي في أربيل: «في آخر مرة حاولنا حفر أحد المقابر الجماعية في حلبجة في العام 2011، توفي اثنان من العمال ونقل آخرون الى المستشفى بسبب تعرضهم لغاز الخردل الموجود داخل القبور». وفي المؤتمر والمعرض الدولي حول المقابر الجماعية، الذي نظمته وزارة حقوق الإنسان العراقية في لندن لمناقشة وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها حكومة المجرم صدام،أكد دي بريتون جوردون، الرئيس التنفيذي لشركة Secure Bio المتخصصة في ما يعرف بـ CBRN (المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية) وبالتدريب والاستشارات،أنه "تبين دفن الناس في مقابر جماعية بعد وقت قصير من الهجوم الكيميائي، نتيجة لذلك، هناك خطر تلوث من بقايا المواد الكيمائية. لذا فإنه من الخطورة بمكان إخراج هذه الجثث بدون استخدام مواد عسكرية واقية من المواد الكيميائية وبدون وجود خبرات وعتاد ومعدات وتدريب»[10].
– يتبع –