مرض الطفولة السياسية؛ هل هو وباء؟!


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 4345 - 2014 / 1 / 25 - 09:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تثير بعض المواقف والتصريحات السياسية ضيقة الأفق لشخصيات، وتنظيمات، ومؤسسات سياسية متنوعة، ومعروفة بتاريخها المديد، التساؤل عن دوافع تبني تلك المواقف التي تضر بأصحابها، وبنهجهم السياسي... ويبدو ذلك جلياً في المواقف المعلنة والمعتمدة في البحث عن حل للمأساة السورية التي يتفق الجميع على أنها أعظم كارثة تشهدها الإنسانية في العصر الحديث...
فهذه شخصيات وتنظيمات وقوى سياسية في المعارضة السورية، على سبيل المثال، تعلن مدافعتها عن مصالح الشعب السوري، وفي الوقت الذي يجمع فيه العالم على أن الحل السياسي هو السبيل الأنجع لتلبية تلك المصالح، وتجنيب البلاد مزيداً من سفك الدماء والدمار، تعدم تلك القوى الوسائل التي تمكنها من المشاركة في البحث عن هذا الحل، ولا تكتفي بذلك بل تهاجم من يساهم في عملية البحث عن هذا الحل، وتبدو وكأنها نصيرة لاستمرار الموت والخراب...
وهذه شخصيات وقوى في المولاة تعلن تبنيها للحل السياسي، وتتبنى في الوقت نفسه مواقف متشنجة تجاه الطرف الذي تبحث معه عن حل، وتبدو وكأنها، منغلقة على مصالحها الذاتية، ومصالح البنية السياسية التي تدعمها غير مكترثة بمآسي الشعب السوري...
وتجد مؤسسات سياسية رسمية في بلدان تعلن صداقتها للشعب السوري، وتبنيها للحل السياسي للمأساة السورية، وتتبنى، في الوقت نفسه، مواقف تضعف تأثيرها على عملية للوصول إلى الحل الذي ينشده السوريون، وتتبنى مواقف منحازة لطرف معين، وتستعدي طرف من أطراف المجتمع السوري، وتدلي بتصريحات طائفية أحياناً تخلق حاجزاً بينها وبين شرائح واسعة من الشعب السوري...
ويطال الأمر المفكرين أيضاً؛ فتجد مفكرين مرموقين يقدمون أفكاراً ونظريات هامة في تطور المجتمع، إلا أنهم يتبنون في لحظات معينة مصطلحات طائفية تتناقض كلياً مع رؤيتهم الفكرية ومنهجهم العلمي...
يمكن وصف هذه الظاهرة بمرض الطفولة السياسية والفكرية، وتبين الحياة أن أغلب السياسيين والمفكرين يصابون بهذا المرض في لحظات تاريخية معينة... وتستدعي هذه الظاهرة المراجعة من قبل أصحابها، بعيداً عن الجمود والغطرسة والعنجهية، كما تتطلب في الوقت نفسه التجديد المستمر في بنية تلك الشخصيات والتنظيمات والمؤسسات، ورفدها برؤى جديدة تغنيها وتبعدها عن التحجر...
وقد لا تكون هذه الهنات نهجاً عاماً يميز هؤلاء المفكرين، وتشخيص المرض وتسليط الضوء عليه لا يعني التهجم، أو الإنتقاص من مكانة هذه الشخصية، أو تلك الجهة السياسية، ومن الخطأ أن نمحو تاريخ أية شخصية لارتكابها خطأ طفولياً في لحظة ما، بل إن انتقادها دليل على الرغبة في تطورها ومساعدتها لتجاوز هذه الأخطاء. ومن المفيد لمن توجه إليه هذه الانتقادات أن يتوقف عندها، ويراجع مواقفه، لا أن يرد بعنجهية كإجابة بعضهم "تفضلوا علمونا الرجولة السياسية"، فالرجولة السياسية والفكرية تقتضي الاستفادة من الانتقادات لا التمترس وراء المواقف الجامدة، التي قادت دولاً، وأحزاباً وتنظيمات كالأحزاب الشيوعية، والقومية، والإسلامية إلى الإفلاس...
الصفصافة 25/1/2014