ملاحظات عن كفاح العمال العرب في مواجهة التحديات
سليم نقولا محسن
2005 / 5 / 3 - 14:23
في مواجهة الحصار القاتل وبرامج تصعيد حملة العنف غير المبررة ضد العروبة هذه البرامج المتكئة على جعبة الإتهامات الكاذبة المهيئة للإشهار عادة في كل عدوان ، كما سوابقها التي حدثت ولم تزل مرشحة لأن تعاد في فلسطين والعراق، وفي مواجهة تصميم إدارة دول تحالف الرأسمال الاستثماري العالمي على تنفيذ مخططاتها: باجتياح المنطقة العربية وتنظيفها من شعوبها بأعمال الابادة والفوضى والدمار، قد يقتضي من قوى المنطقة الوطنية والقومية: تنظيم وتعبئة صفوفها ومختلف قطاعات جماهيرها، بغية توسيع ساح المساندة وجبهات الرفض المقاتل على الأرض العربية، لتضاف إلى جبهات الممانعة الشعبية النشطة في فلسطين والعراق ودول عربية أخرى.
كما يلحظ أن معظم وسائل الإعلام العربية لم تعد أمينة في نقل الخبر إذ يشغل منابرها وشاشاتها مأجورون يتنافسون في خدمة إدارات الدول الغاصبة، لحرف وجهة النضال الشعبي وإغراقه في الفوضى والعدمية، كما يروّجون للحلم الأمريكي ويتقمصّون أدوار أشخاصه، ويضاف إلى ذلك أن بعض متحدثي السياسة المحليين، لم يزالوا يتقوّلون حكايا طفولية عن دوران الأرض وتبدل الأنظمة والدول بقوة الديمقراطية القادمة من النجوم والمعلقة بالفراغ، وهم بهذا يتشوقون إلى نجومية بعض مدّعي المعارضة اللبنانية وزعيقهم الهستيري المستقوي بالأجنبي بعد مقتل الشهيد الحريري، ذلك بعقلية الجاهل الذي يحسب بأنه عالم ويعلم كل شيء فيما إذا نظر الى المرآة، دون حاجة إلى تعب الإطلاع على أوليات المعطى السياسي المدرسي، أو حتى العرف التقليدي عن بنيان وتشكل الدول وأنظمتها.
وبناء على منطق هارب من العقل، يتعامى عن حقائق الواقع والتاريخ، يحاول أعداء العروبة من قوى محلية وعالمية نفي العلاقة بين المطلب القومي والقطري والطبقي، وفي مسعى إلى شرذمة قوى النضال القومي العربي تحاول هذه حصر توجهات الطبقة العاملة العربية في قضايا مطلبية ضيقة وإقليمية، وبالتالي إلى عزلها ضمن هيئات وتنظيمات سياسية ذات صفة فئوية مسيطر عليها، وهم بهذا يتناسون مواقف ونضالات الطبقة العاملة العربية القومية في كافة المدن العربية كطليعة متقدمة للجماهير الشعبية الكادحة، ودورها الفاعل في الوقوف ضد الهجمات الإمبريالية المتتالية، التي كانت قد استهدفت كيانات الوطن العربي السياسية وشعوبها في سنوات 948 و 56 و58 و61و63، وقد أثمرت هذه المواقف النضالية القومية، عبر تحالفها مع قوى الشعب، إ.إنجازات حققت من خلالها معظم مكاسبها في داخل دولها الإقليمية.
وقد تصحّ الملاحظة بأن الإدارات الأورو أمريكية ممثلة ومسوّقة لمخططات الرأسمال العالمي، والأنظمة المرتبطة وعملاء الداخل، قد لا يجرؤون على التورط ثانية في تجربة مواجهة لشعوب المنطقة في معارك متقابلة إحتلالية متلاحمة على أرضها بعد ما أبدت هذه الشعوب من ممانعة وطنية وبعد أن تكشف ما حدث ويحدث لهؤلاء على أيدي المقاومة المقاتلة بتنوع فصائلها في فلسطين وأفغانستان والعراق، وأيضاً خوفا من انفلات ارتداد تداعياتها السلبية على مجتمعاتهم، إذ أن جملة المحبطات المتمثلة بمصادرة المفاهيم، والإدمان على ترويج المقولات الخاطئة أوالكاذبة من قبل الإعلام المتواطيء وأتباعه و كل إيحاءات القرارات الأممية - من طائفية وعلمانية وفئوية وعرقية وإقليمية- الصادرة عن مجلس أمن الدول الغاصبة، كل هذه وما يدخل في خانتها المطروحة بفجاجة مكررة بهدف تمزيق الأوطان قد تعطلت صدمة مفعولها ولم تعد تجدي ، فقد كشفت زيفها ومراميها وآلية عملها الشعوب العربية والصديقة المضطهدة، إذ أن الوضع الشعبي العربي يتساند في تجاربه وقواه الإقليمية، ومن الغباء التعامل معه كأقطار وشعوب منفصلة ومنغلقة في جزرها الدولتية المفروضة عليها لها مصالحها المتناقضة والمتقاتلة فيما بينها.
وعليه فان المقومات والمباديء المؤسسة لمشروع البناء العربي كوقائع ثابتة معترف بها وموصوفة- وهي الأرض واللغة الواحدة والعروبة كحصيلة لتعارف شعوب المنطقة، وتوافقها وقبولها للعيش المشترك وفق قيم العدالة والحقوق الطبيعية للإنسان- غير قابلة للنفي أو الإلغاء، لذا فان حدث استغلال لهذه المباديء أو تشويها لها من قبل البعض، أو تلاعبا في مضامينها، أو خطأ في البناء عليها، لا يوجب بأي حال بطلان صلاحيتها، وأنه من الخطل استنادا على عدم إنجاز المشروع العربي في ماضي السنوات العجاف استنتاج مقولات تتضمن إنكار وجود المنطقة وشعوبها.
إن خروج شعوب الوطن العربي عقب الحرب الأولى عن سلطة وجور القوميين الأتراك، الذين كانوا قد قبضوا قبلها على مصائر الإمبراطورية العثمانية، لم يصل بهم إلى الحرية، بل أفضى بهذه الشعوب إلى شرك اتفاقية سيكس بيكو والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الأخرى التي قسّمت الوطن العربي وشعوبه وثرواته حسب محاصصات الدول المنتصرة، هذه الدول ذاتها هي المؤسسة والداعمة لدولة إسرائيل كقوة إقليمية ضاربة لتنفيذ مشروعاتها المستقبلية المحددة بدورها لمصائر دول وشعوب وثروات المنطقة. وعلى الرغم أن ما حدث قد صار من الماضي مع واقع بقاء الدول والأنظمة القطرية، إلا أنها قد رسمت مستقبل الطبقة العاملة العربية الوليدة إذ جزّأتها واقعا، وحدّدت مسارها وفق الظروف الاقتصادية والسياسية القطرية ومهام بناء الوطن، بالوقت الذي يتحتم فيه ارتباط تطورها وتقدمها الحقيقي بنضالات الشعوب العربية وإنجازاتها لمشروعها القومي العربي في الوحدة والتحرر واستعادة المناطق المغتصبة لإقامة المجتمع العربي المتقدم العادل.
وبناءً على ما تقدم فان منظورا سياسيا، يفصل الطبقة العاملة العربية كطليعة لتحالف قوى الشعب عن المسار الوطني القومي لجعلها حالة مطلبية فئوية محيّدة، إنما يضرب في الفراغ، ويعرض جهود هذه الطبقة وإنجازاتها إلى الهدر والضياع، فكما أثبتت الأحداث المتفاعلة في المنطقة العربية على امتداد القرن الماضي، أن الصروح الاقتصادية الإنتاجية التي ساهمت في بنائها والمكاسب التي حصلت عليها عبر تحالفانها الشعبية الوطنية والقومية في مراحلها النضالية، قد سرقت منها أو أسقطت في أزمنة تعثر الأوضاع الإقليمية وفي الحصار والحالات الاحتلالية، كما أبعدت وأقصيت كقوة عاملة وحالة إنسانية حتى عن سوق العمل، وجرت عليها أعمال الابادة كما على غيرها في سلسلة إجراءات إنهاء الوطن.
إن قيادة عبد الناصر التاريخية قد تلمست الدور الطليعي والمفصلي للطبقة العاملة العربية، وخلصت إلى ضرورة تسلّمها قيادة النضالات الشعبية الوطنية والقومية في تحالف لقوى الشعب- بما تقتضيه الظروف المرحلية وطبيعة البنى الاقتصادية الاجتماعية والعلاقات الإنتاجية- وربطت بين تطلعاتها المطلبية لتحقيق العدالة الاجتماعية وبين إنجاز مسار التقدم القومي وتحرر الشعوب العربية، وعليه فان الأحزاب والهيئات السياسية التي اعتمدت في منطلقاتها على معايير طبقية غامضة لا تقليد لها في المنطقة، وأيضا التحركات النخبوية القومية الاجتماعية والمذهبية المشتركة مع هذه الأحزاب والهيئات السياسية في استقدام منظومات فكرية من واقع مجتمعات أخرى، قد برّرت لكل منها اعتماد أشخاصها كنخب واعية بديلا للكتل الشعبية الجاهلة حسب مفهومها، وإن كانت صاحبة المصلحة، وقد أوصلتها هذه المغالطات إلى الانقلاب على ما ادعت ووعدت به إذ أدت إلى تعزيز منطق التجارب القطرية التي أفضت بها إلى سلطوية مركزية شمولية، وإلى امتلاك المؤسسات وموظفيها للدولة واحتلالها والتصرف بها، وإلى الانغلاق والابتعاد عن الجماهير الشعبية وإلى القمع والفساد، وبالتالي إلى الفشل في قيادة مجتمعاتها وفي إنجاز مشروع التقدم والتحرير.
وعليه فإن الوضع الحرج لهذه الأنظمة، لم يكن نتاجا لخطأ سياساتها الاستسلامية وتنازلاتها- وقد انتظم واستمر وجودها بالاعتماد عليها- في مواجهة متغيرات المعطيات والأطماع الدولية، بقدر ما هو نتاجا لخطأ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية المحددة قطريا التي انتهجتها وأورثتها ضعفا في بنيتها، انعكس تمزقا في الداخل وهروبا من المواجهة، مما أدى هذا إلى تراجع فاضح أمام الاملاءات الخارجية، يتخطى ضرورات المناورة إلى مسائل سيادية وطنية وقومية لا يمكن السكوت عليها أو القبول بها. مما يرتب هذا على القوى الشعبية الوطنية والقومية المؤتمنة والفاعلة ومنها الطبقة العاملة، واجب استعادة قرار المبادرة للدفاع عن الوطن وسيادة الدولة وحماية الشعب وذلك في العودة إلى ما تمليه من واجبات المباديء الوطنية والقومية:1- في احتضان ودعم كل من المقاومة الفلسطينية والعراقية 2- تعزيز الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الشعبي 3- تهيئة أجواء الحريات والمشاركة الشعبية في السياسات والقرارات العامة للدولة 4- المطالبة بفتح باب المساءلة القانونية ومحاسبة كل منتهكي حقوق الوطن والشعب، والعمل على تفعيل وتمتين الوحدة الوطنية والقومية5- تعبئة الجماهير وتنظيمها وتسليحها استعدادا لمهام واجبها المقدّس في الدفاع عن الشعب والوطن.